الثلاثاء، أغسطس 30، 2011

مضى رمضان..فماذا بعده؟؟!!

بعد رمضان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسيد الأولين والآخرين ـنبينا محمدـ وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.


وبعد،


فقد مضى رمضان، وبقى الله رب رمضان، ولئن كان رمضان قد حرم عليكم الطعام والشراب فى نهاره فإن رب رمضان قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم طيلة العام ليلا ونهارا، وإنى لأربأ بنفسي وبكم أن نجتهد فى طاعة الله فى رمضان ثم لا نبالى بمعصيته بعد رمضان، أو أن نكون قد شمرنا فى المساجد ثم لا نبالى بعد ذلك بالترهل فى الشوارع والميادين، أو أن نحسب أن نجاتنا مرهونة بإحسان مابيننا وبين الله ثم لانبالى بفساد ما بيننا وبين خلقه وعباده.


أيها المسلمون


والله لايبالى الأعداء بصيامكم وصلاتكم وعكوفكم حتى يروا أثر ذلك فيكم: أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، وحتى يروكم: أشداء على الكفار رحماء بينكم، وحتى تكونوا: متعاونين على البر والتقوى نافرين من الإثم والعدوان؛ هنا يحسبون لكم ألف حساب، وإياكم أن تتسع صدوركم لأهل الدنيا ومن خالفوا دينكم ثم تضيق تلك الصدور بأهل دينكم ممن خالفوكم الرأى فإنه عين الجهل وعلامة المداهنة.


أيها المسلمون


لقد أعد الأعداء لكم حفرة الفرقة ونار الشقاق فخيبوا ظنهم وضيعوا فرصتهم، فلينوا فى أيدي إخوانكم ولاتحاسدوا ولاتباغضوا، والسعيد من أقال عثرة أخيه وعفا عمن هفا، ففى أوقات الشدائد وأزمنة المحن يصير التماس الأعذار واجبا وإحسان الظن فريضة والتنازل عن كثير من المظاهر والشكليات دينا لايحسن الإسلام إلا به ولا يتم الإيمان إلا معه، فهذا عمر رضى الله عنه فى الحديبية يرى أنها دنية لاتنبغى فى الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم يعذره، ثم المسلمون يكادون يعصون أمر النبى صلى الله عليه وسلم وأم سلمة تعذرهم وترى أنه قد نزل بهم مالا قبل لهم به، ثم المشركون يأبون كتابة: "بسم الله الرحمن الرحيم" ويرفضون أن يذكر: "محمد رسول الله" ليكتب مكانهما: "باسمك اللهم"، و"محمد بن عبدالله" فيأبى "على" ويقبل "النبي"، فليست العبرة بما كتب على الورق وإنما العبرة بما وقر فى القلب وصدقه العمل.


أيها المسلمون


انطلقوا بعد "رمضان" باسم الله، وسيحوا بعد ثورتكم باسم الإسلام، والإسلام وحده بعيدا عن حزبية تفرق أو فئوية تمزق، ودعوا كل عصبية منتنة فإن الدين لايتم إلا بأمرين: إقامته والتوحد حوله؛ قال ربكم فى كتابكم:


"أن أقيموا الدين ولاتتفرقوا فيه" سورة الشورى



تقبل الله منا ومنكم، وجمع الله قلوبنا وقلوبكم على الخير وألف بينها على حبه وحب رسوله وآل بيته وتلاوة كتابه حتى نلقاه غير مغيرين ولا مبدلين.



وكل عام وأنتم بخير وعافية.



الأحد، أغسطس 28، 2011

كتب عليكم الصيام.... 9 النية

كتب عليكم الصيام ...9



النية





"نية المؤمن خير من عمله ونية الكافر شر من عمله"؛ ذلك أن المؤمن يود عمل الكثير من الواجبات، بل ويحب ألا تفوته المستحبات؛ لكن الزمان قد لايسعفه أو قد تقصر به طاقته وقدرته أو نفقته، كما أن الكافر ينطوى على ثلة من الشرور، ويود عمل الكثير من المعاصى؛ لكن الزمان أيضا قد لا يسعفه، وقد لاتتهيأ له الظروف أو تقعد به طاقته وقوته.



وقد يعذر المرء فى خلوه من عمل، لكن لا يعذر فى خلوه من نية صالحة، ففى الحديث: "من لم يغز أو يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية" وفى رواية: "مات على شعبة من النفاق"، وقد يحدث نفسه بالعمل ثم يمنعه العذر فيكتب مع العاملين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن بالمدينة أناسا ماسرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم وشركوكم الأجر؛ حبسهم العذر"





وفى النية عمل القلب وجلب استعداد النفس وتحضير الجوارح لتنطلق إذا كان وقت العمل والاداء ،أو لتنقبض وتكف إذا كان زمان الترك والامتناع.



وفى النية الصادقة جبر لكثير مما ضاق الوقت عن عمله أو ضعف البدن عن فعله.





املأ زمانك بطاعة مولاك؛ وأمامك طريقان: طريق النية الصادقة : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى.." حديث صحيح





تم إن أمامك طريق الترك والامتناع، وهو طريق طويل يستغرق الزمان ويملأ المكان ويزكى النفس ويرغم الشيطان ويسعد الإنسان ويزحزح عن النار.





وللحديث بقية







والله من وراء القصد

الثلاثاء، أغسطس 16، 2011

كتب عليكم الصيام....8 الزمان

كتب عليكم الصيام....8







الزمان










خلق الله المكان: "السماوات والأرض ومابينهما"، وخلق الله الزمان: "اثنا عشر شهرا".




"إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرافى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم" سورة التوبة




وكان من حكمته سبحانه أن الزمان قد بدأ دورته "يوم" خلقت السموات والأرض، فالزمان مخلوق تابع لخلق المكان: " الشمس والقمر بحسبان" سورة الرحمن "فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتعلموا عدد السنين والحساب" سورة الإسراء







إن الإنسان لايصلح بغير مكان يعيش عليه، كما أنه لا يصلح بغير زمان يعمل فيه،




وكما أن للمكان نظاما وقانونا يحكمانه حتى لا يكون فوضى وعشواء فإن للزمان نظاما وقانونا يحكمانه حتى لا يكون فوضى وعشواء،







وإذاكان فراغ المكان بلوى ومصيبة تهدد الإنسان بزهوق نفسه وموت جسده وفناء ذاته فإن فراغ الزمان كارثة تحط بقدر المرء وتهبط بنفسه فيهوى مع المتثاقلين أو يرعى مع الهمل




إن فراغ الزمان أسوأ من فراغ المكان، وإن فوضى الزمان وعشوائيته أسوأ ألف مرة من فوضى المكان وعشوائيته، فإذا كانت فوضى المكان مزعجة فإن فوضى الزمان مهلكة: الوقت هو الحياة فمن ضيع وقته فقد ضيع عمره"




وكما جعل الله للمكان بداية جعل للزمان بداية: فمكة أم القرى "لتنذر أم القرى ومن حولها" سورة الشورى. والكعبة المشرفة مركز الأرض ومنها دحيت، وشهر رمضان محور الزمان، وليلة القدر مركز دورانه: "تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر "سورة القدر.




فإذا كان موضع الكعبة المشرفة هو أول مواضع الأرض بروزا فإن ليلة القدر هى أول ليلة مرت على الدنيا، وهل دارت الخليقة مكانا وزمانا بغير "أمر"؟؟!!




شهر رمضان محور الزمان وحوله تدور الشهور: ترقب الهلال فى أوله لتقول: غدا أصبح صائما، ثم ترقب الهلال فى آخره لتقول: غدا أصبح مفطرا، وترقب الفجر أول اليوم فإذا انشق قلت: الآن حرم على الطعام والشراب والرفث، ثم ترقب الشمس فى آخر اليوم فإذا غربت قلت: الآن حل لى ماكان قد حرم.




إن ملأ الزمان بالطاعة فكرة ربانية تناسب قدرات البشر وطاقاتهم، وإذا كان ملأ الزمان بالعمل وبتشغيل قوة الدفع أمرا مستحيلا "الواجبات أكثر من الأوقات" فإن ملأ الزمان بالترك وتشغيل قوة الكبح أمر وارد وميسور بشرط توافر النية الصالحة وهو ماسبق التصريح به فى تعريف الصيام الآنف




" ترك...... بنية....."







وللحديث بقية







والله من وراء القصد







الأحد، أغسطس 07، 2011

كتب عليكم الصيام 7 املأ زمانك بطاعة مولاك

كتب عليكم الصيام.... 7

كنت قد كتبت ستة مقالات فى نفس الموضوع ثم انتقلت إلى غيره حتى أذن الله بأكماله.


http://belawa6an.blogspot.com/2008/08/blog-post_24.html

http://belawa6an.blogspot.com/2008/08/3.html

http://belawa6an.blogspot.com/2008/08/3_31.html


http://belawa6an.blogspot.com/2008/09/3.html

http://belawa6an.blogspot.com/2008/09/5.html

http://belawa6an.blogspot.com/2008/09/6.html




املأ زمانك بطاعة مولاك





عرف علماؤنا الصيام بأنه: "ترك الطعام والشراب والجماع من أهله من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله تعالى".



ومعنى "من أهله": من هو أهل للصيام؛ فالحائض أو النفساء ليست أهلا للصيام، فإن صامت أثمت ولم تحتسب صائمة.



فالصيام ليس فعلا وإنما هو ترك فعل : كان يأكل ويشرب ويباشر امرأته فلم يأكل ولم يشرب ولم يباشر امرأته؛ كان يفعل أفعالا فتركها.



والفكرة الرئيسة هى كيف يملأ العبد زمانه بطاعة مولاه؟؟!!





1-الترك



تستطيع أن تحصى كثيرا من الواجبات العينية والكفائية التى تستلزم فعلا يستغرق زمنا، وأن ترتبها حسب أولوياتها أو أن تدمج بعضها فى بعض، سترى أنها غير محدودة فى نفس الوقت الذى تتأكد فيه من محدودية الزمان.



"الواجبات أكثر من الأوقات فأعن غيرك على الانتفاع بوقته، وإن لك مهمة فأوجز فى قضائها".





ولكن الترك عبادة أخرى





"ذلك بأنهم لايصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة فى سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح" سورة التوبة



ترك الراحة وترك الطعام والشراب لأجل الجهاد فى سبيل الله، أوبسبب الانشغال بدعوة العباد إلى الله تعالى؛ كل ذلك عمل صالح.



ترك شهوة الرياسة والاستعلاء وحب الشهرة وشهوة الظلم.



ترك النظر إلى ماحرم الله، وترك أكل الحرام،و ترك الغيبة والنميمة، ومجانبة أصدقاء السوء ومجالس اللهو المحرم.



فى الفعل إجهاد البدن وإتعاب الجوارح ولزوم الزمان، وفى الترك مجاهدة النفس وإرهاق الشيطان واستنفاذ العمر.



قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضى الله عنه: "لاورع كالكف"



وقال صلى الله عليه وسلم لأبى هريرة: "اتق المحارم تكن أعبد الناس"





فى الفعل اقتحام المكاره وحمل النفس على المشقات، وهو مدخل الجنة والطريق المؤدية إليها، وفى الترك ميدان واسع للبعد عن الشهوات واتقاء المحارم واجتناب الموبقات وإغلاق الممر المؤدى إلى جهنم وبئس المصير.



وفى حديثه صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات"





إن حركة الإنسان فى الحياة الإنسان تنضبط من خلال التوازن بين قوتين لاغنى له عن إحداهما: هما قوة الدفع وقوة الكبح؛ فأما قوة الدفع فتتمثل فيما يؤدى من صلاة وزكاة وحج، وفيما يصنع من بر والديه وصلة رحمه والإحسان إلى جيرانه وإغاثة ملهوف وسعى على أرملة أو يتيم أو مسكين ومجاهدة عدو وقولة حق عند سلطان جائر حتى يجود بنفسه. وأما قوة الكبح فتتمثل فيما يمنع نفسه عنه من ظلم أو بطش، وفيما يترك من معاقبة وثأر للنفس، وما يكظم من غيظ وغضب، وما يتجنب من سعى إلى رياسة ورغبة فى تسلط، حتى يصبر نفسه؛وفى الحديث: "الإيمان نصفان: نصف شكر ونصف صبر": الشكر فعل، والصبرترك.





إن قوة الدفع ضرورية لاقتحام المكاره، كما أن قوة الكبح ضرورية لاجتناب المحارم.



وليست تنمية قوة الدفع وتطويرها للحصول على أداء أفضل وعمل أدوم بأعظم قيمة وأخطر أثرا من تطوير قوة الكبح وتنمية القدرة على الامتناع، بل إن الأخيرة أولى بالاهتمام وأحق بالمتابعة.



لو أن سيارة أراد سائقها أن ينطلق بها لتبلغ سرعتها مائة كيلومترا فى الساعة لاحتاج إلى مايقارب الدقيقة ولقطع مسافة تصل إلى الكيلومتر، بينما إذا حدث مايهدد سيرها وأراد أن يتوقف فلا بد أنه يصنع ذلك فى وقت أقل من الأول بكثير يقاس بالثانية أوجزء منها، وتلزمه مسافة أقصر من الأولى تقاس بالأمتار، وإلا تحققت الكارثة ووقعت المصيبة.



ولأن القضية تتعلق بالترك ذكر أمورا أخرى ينبغى تركها فى جملة ماترك، حتى ذكر بعد آيات الصيام مباشرة:



"ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون" سورة البقرة



وحتى حذر النبى صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه".



وحتى نبه صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولايفسق ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنى امرؤ صائم"..



إن القوة الحقيقية التى تضبط إيقاع الحياة ليست هى قوة الدفع، وإنما هى القدرة على الكبح.



قال النبى صلى الله عليه وسلم: " ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب".



لقد دأب صانعوا أجهزة الفرامل فى الشاحنات الضخمة والقطارات المتناهية السرعة على أن يعلنوا عن منتجاتهم الراقية الجودة العالية الكفاءة بعبارة هى ترجمة حقيقية لعبارة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:





"POWER IS THE CONTRL"





"القوة هى التحكم"





هذا مايصنعه الصيام: إنه يعيد صيانة أجهزة الفرامل وينمى القدرة على الكبح لينضبط إيقاع الحياة.





وللحديث بقية





والله من وراء القصد



الجمعة، أغسطس 05، 2011

الصلاة منحة الإسراء والمعراج...6 إقامة الصلاة

الصلاة منحة الإسراء والمعراج.... 6








إقامة الصلاة







من هنا تدرك السر فى أن الأمر لم يقف عند حد "أداء" الصلاة، وإنما تعداه إلى الأمر "بإقامة" الصلاة، وشتان بين "الإقامة" و"الأداء".




قال تعالى: "فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه" سورة الكهف



أى تصدع حتى كاد أن يسقط







وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لتنتقض عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولها نقضا الحكم، وآخرهن الصلاة"



أى تنفصم أسباب قوته ومجده.






وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنما تُنقَضُ عُرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية"







الإقامة: الإنشاء والإيجاد والإدامة، وعكسها :النقض وهو الهدم والتضييع، او الانقضاض وهو السقوط.



بحثت كثيرا عن معنى "إقامة الصلاة" عند المفسرين فلم أعثر على مايروى ظمئي ويقنع فكرى فقد ذكروا أنه الخشوع أو أداؤها في وقتها أو إتمام ركوعها وسجودها.




وقفت طويلا عند قوله تعالى: " يريد أن ينقض فأقامه" سورة الكهف، فوجدت أن الصلاة التى يراد "إقامتها" ليست هى التى تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم، وإنما هى مشروع ضخم وبناء رائع يبدأ قبل تكبيرة الإحرام بكثير ثم لاينتهى بعد التسليم؛ إنه مشروع يستغرق العمر والوقت والجهد والمال، ويستوعب الأمة كلها، وهوبذرة شجرتها وساقها وأوراقها وثمارها، أما الذي يفتتح بالتكبير ويختتم بالتسليم فهو "الأداء"، وهذا الذى يستلزم الخشوع والمحافظة على الوقت وإتمام الركوع والسجود، وشتان بين مدلول "الإقامة" ومدلول "الأداء".




وبالمثال يتضح المقال:




إذا توفى حبيب أو قريب سارع أهله ورحمه "لإقامة العزاء"،فأعدوا المكان ورتبوا أنحاءه وأضاءوا جوانبه، وقد يمهدون الطريق ويوسعونه،ثم إنهم يدعون الأصدقاء والجيران فيدلونهم على العنوان ويخبرونهم بالموعد وبالزمان" ثم يأتى أولئك المدعوون "لأداء واجب العزاء".







إن الذين "أقاموا العزاء" هم أهل الميت الذين اكتووا بنار الفراق ولوعة المصيبة، هم المهمومون المحزونون؛ أول الحاضرين وآخر المنصرفين، هم المنفقون أموالهم الباذلون جهدهم،التاركون بيوتهم وأزواجهم وأموالهم، المشغولون بالمهمة حتى عن طعامهم وشرابهم وحتى لفت النبي صلى الله عليه وسلم أنظار إخوانهم إليهم فقال: "اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم مايشغلهم"، أما الذين أتوا "لإداء واجب العزاء": فحسب أحدهم أن يختار وقتا يناسبه قد خلا فيه من عمل يرتزق منه أو شغل يمس حاجة أهله وولده، ثم ينتقى ثيابا تناسب الحال والمقام، ثم ينطلق ليشد على أيدى الملتاعين ويدعو لميتهم بالرحمة والمغفرة، ويمكث هناك يسيرا ينصت إلى صوت قارئ أو موعظة عالم، ثم يقوم مودعا أهل الميت، وهنا يكون قد "أدى واجب العزاء" فإذا عاد إلى بيته داعب امرأته وولده، وقد يصنع ذلك قبل "أداء واجب العزاء"، أما الذين "أقاموا العزاء" فلم ينصرفوا حتى انصرف الناس جميعا، ولولا أنهم "أقامواعزاء" ماكان بوسع الآخرين أن "يؤدوا واجب العزاء"، فلما عادوا إلى بيوتهم عادوا بهمهم وحزنهم، ولربما تبسم أحدهم فى وجه امرأته أو ولده إيناسا له بينما الألم يعصر قلبه ويمزق نفسه.







"إقامة" الصلاة تبدأ بإنشاء المسجد الذى يتسع للمصلين ولايضيق بهم، ثم فرشه وإضاءته وتطييبه، فتنشرح صدر داخله بطيب عرفه قبل أن انشراحه بلقاء ربه، ثم مؤذن ندى الصوت بعيد المدى؛ تسمعه فتطرب وتخشع فيشق عليك أن تنشغل بغيره فإذا انقضى الأذان كنت قد وقعت فى أسره، وكان قد استولى على زمام قلبك ولجام نفسك فساقك إلى المسجد سوقا وأحضرك إليه إحضارا، ثم إمام قارئ فقيه يقرأ القرآن غضاغضا ويتلوه عرضا عرضا، ثم خطيب فقيه أيضا يذكر الناس بما يصلح معاشهم ومعادهم، ثم دروس علم ومجالس فقه: تعلم الناس إسباغ الوضوء، وإحسان التطهر، وإتمام الركوع والسجود، وختام الصلاة بعد التسليم، وآداب المساجد، وأخلاق حلق الذكر، وحب القرآن، وتوقير العلماء، وسؤال الفقهاء، والاهتمام بالمسلمين، ومواساة المؤمنينن وإنصاف المظلومين، وإغاثة الملهوفين، والسعى على الأرملة والمسكين، ومجاهدة الظالمين، وإحقاق الحق وإن شق، وإبطال الباطل وإن دق، ثم دعوة الناس إلى هذه المساجد وتلك الصلوات وهاتيك المجالس حتى لايتخلف أحد ببيته عند النداء، ولا ينشغل رجل بماله عن يمين الإمام، ولا بجاهه عن أن يكون هو الإمام، وحتى تصير الصلاة محور حياتهم وأس اهتمامهم، وكل انتقاص من هذه الكمالات الذى ذكرت إنما هو نقص فى "إقامتها" وإن حسن أداء الفرائض، إن "إقامة الصلاة" هو فرض الكفاية الذي ينبغى أن تقوم به الأمة جمعاء فإذا تحقق فيها فبها ونعمت، وهى مثابة على ذلك، فإلم يتحقق فالإثم يلحقها جميعا: كل على قدر علمه وطاقته وفى حدود مسؤليته، أما "أداء الصلاة" فهو فرض العين الذى يأثم كل مسلم بتركه، وهو الذى يبدأ بالتكبير وينتهى بالتسليم، وقد "يؤدى" الرجل الصلاة أداء كاملا ،ولكن لازال بينه وبين "إقامتها" بون شاسع ومدى بعيد.







إن الصلاة دولة فيها كل معانى الدولة وعناصرها وأركانها فإذا "أقام" المسلمون الصلاة فقد أوشكوا أن "يقيموا" دولتهم، وإن لم يقيموها فقد انتقضوا دولتهم وإن أدوها، "فالإقامة" لايقابلها إلا "النقض"




والله من وراء القصد




الأربعاء، أغسطس 03، 2011

الصلاة منحة الإسراء والمعراج..5 نظام اجتماعى

الصلاو منحة الإسراء والمعراج...... 5



النظام الاجتماعي



غاية مايطمح إليه المصلحون الاجتماعيون تحقيق المساواة وإذابة الفوارق الطبقية، فإن وجود الطبقات أمر محتوم، لكن وضع الحدود بينها وإحاطتها بالأسيجة نذير شؤم وعلامة على طريق الهدم.



يتسابق المسلمون إلى المسجد عند سماع النداء؛ فيكون جل هم أحدهم أن يدرك الصف الأول؛ فإذا بلغه حمد الله ونظر فى وجوه من حوله فسعد بهم وفرح بلقياهم، إذ أنهم يحملون الهم الذى يحمله وينشغلون بما هو به مشغول؛ لايغير من هذا الشعور أن يكون بينهم أشعث أغبر ذى طمرين أو عاجز يتهادى بين اثنين أو أمى لايحسن القراءة وقد يبلغ مراتب الإحسان، كما لا ينمي شعوره هذا أن يري عن يمينه ذا سلطان أو أن يكون عن يساره حاملا للقرآن، إنها لحظة التنافس على نيل الرضا والفوز بالحظوة عند من يقفون بين يديه، وكل من سبق إلى هذا الصف حبيب محبوب له فى نفوس المؤمنين خير المواضع وله فى قلوبهم أكرم المواقع.



إنها اللحظة التى تذوب عندها فوارق المال والجاه والسلطان وعافية الأبدان، والتى يبدأعندها الحب فى الله ثم لاينتهى، ويبتدأ المسلم فيها توقير المسلمين وإكرامهم على غير أنساب ولاأرحام ولاأموال، ثم لا يفتؤ هذا الشعور يزداد وينمو حتى يصحب المرء فيما وراء المساجد ومابعد صفوف الصلاة؛ فإذا هو مقدر لكل مسلم محب لكل مؤمن يرى غيره خيرا منه؛ إذ قد يكون من الذين يسبقونه إلى الصلاة أو على الأقل أن يكون ندا ومنافسا، فإذا التقاهم بعد ذلك فى ديوان أو جمعه بهم ميدان لم يكن التقديم والتأخير على أساس الطبقات أو الفئات، ولم يكن للواسطة والمحسوبية دور فى قضاء الحاجات، كما أن الرشوة غير واردة ولا مذكورة فى ترتيب الأولويات.



إن الفساد الاجتماعى والابتزاز الطبقى وانتشار الواسطة والمحسوبية وذيوع الرشوة فى المجتمعات نشأ أولا من هجر المساجد والابتعاد عن الجماعات؛ حتى رأى كل امرئ نفسه فى طبقة وفئة حسب أنها الأولى والآخرة، فلم ينتقل منها إلى غيرها إلا بعناء شديد وجهد جهيد، ولم ير لغيرها حقا فى حياة كريمة إلا مذعنا أو متملقا، وإن الفساد الإدارى الذى زكمت رائحته أنوف المصلحين لاسبيل إلى إصلاحه إلا بعودة الموظفين والعمال إلى أروقة المساجد وصفوف الصلاة، وحتى يعتاد أحدهم رؤية الضعفاء والمساكين إلى جانب الأثرياء والسلاطين، وقد يسبقونهم ويتقدمون عليهم، ولا حرج على فضل الله، فيعلم أن الناس سواسية كأسنان المشط، وألا فضل لعربي على أعجمى إلا بالتقوى، وأن قضاء حاجات الناس لاينبغى أن يخضع لمقاييس الأموال والجاه والسلطان والواسطة والقرابات، وإنما تبعا لأكثرهم حاجة وأعظمهم فاقة؛ فإذا تساووا فى ذلك فالأدنى والأقرب والأسرع وصولا والذى حرص على أن يكون فى أول الصف.



كنت أرى ذلك بوضوح فى كتيبتى العسكرية وقت أداء واجبى عندما يدخل القادة وأصحاب النياشين إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة ومعهم جموع الجند وضباط الصف؛ فينتشرون هكذا بلا ترتيب، ويتزاحمون بلا حواجز ولا تفريق، ويتركون أسبقية التجنيد وأقدمية التخرج على باب مسجد الكتيبة، ويدعون الرتب هناك أيضا وإن علت أكتافهم؛ إلا أنها نزعت من القلوب ولو مؤقتا وخلعت من النفوس ولو إلى حين؛ ثم تكون أعذب لحظات التواضع وأجمل أوقات التساوى عندما يعتلى المنبر جندى حديث أو ضابط صغير فيخطب فى الجميع بغير رتب ولا ألقاب، ويأمر الكبار والصغار بالمعروف وينهاهم عن المناكير، ثم ينزل إلى المحراب بعدما يدعوهم إلى القيام فيقومون خلفه، فيأمرهم بتسوية الصفوف ومحاذاة المناكب والأقدام، ثم يبشرهم جميعا: "استقيموا يرحمكم الله".



ماأجملها من صورة، وماأعذبها من حياة؛ كنت أقول لنفسي: ماذا لو انتقلت هذه الحالة إلى كتيبتنا بعد الصلاة؟! وماذا لو عشنا بهذه الروح فيما وراء جدران المسجد مع إعطاء كل ذى حق حقه وأداء كل لواجبه ؟!





النظام العسكرى



وهل العسكرية الحقة إلا قيادة وجندية، وسمع وطاعة، وضبط وربط، وعقول واعية وأبدان وعافية؟؟!!



فأما القيادة والجندية: فالإمام والمأمومون كما هى فى النظام السياسي وما يتبعها من سمع وطاعة.



وهل وقوف المصلين فى صفوف الصلاة بأقل من وقفة الجند فى صف المعسكر وطابور العرض بكل مافيه من وجوب اعتدال القامة: "وقوموا لله قانتين" سورة النساء، ومحاذاة الصفوف؟! إلا أن صفوف العسكر تحاذى دليلا عن اليمين أو اليسار، بينما صف الصلاة يحاذى دليلا هو خلف الإمام؛ فصف الصلاة يبدأ من خلف الإمام ثم ينتشر يمينا ويسارا كما ينشر الطائر جناحيه.



وهل ما يؤديه الجند من حركات منتظمة منضبطة تدل على يقظة الشعور وسرعة الاستجابة بأقل مما يؤديه المصلون خلف إمامهم من أول تكبيرة الإحرام وحتى التسليمتين ؟! إن مما يقتضيه فقه الصلاة أن المتخلف عن إمامه حركة كاملة تبطل صلاته؛ بمعنى أنه لم ينتقل مثلا من الركوع حتى شرع الإمام فى السجود، وماذاك إلا لأنه غافل عن متابعة الإمام إما تكاسلا وإما تباطؤا، وكلاهما لايليق بالجندية ولا يتفق معها، انظر إلى جماعة يصلون خلف إمامهم ترى حركاتهم أقرب إلى حركات العرض العسكرى انتظاما وانضباطا .



وهل نداء الصلاة بأقل من نداء الجمع الذى يتدرب العسكر ويتربون على امتثاله؟! وهل ينظر إلى المتخلفين عن نداء الجمع فى الوحدات العسكرية إلا كما ينظر إلى المتخلفين عن نداء الصلوات الخمس فى المساجد؟؟!! إنها التربية المستمرة على سرعة الاستجابة لنداء القائد الذى هو فى حقيقته نداء الأمة.





ثم هذا "الأذان" الذى هو نشيدنا الوطنى، و"التكبير" الذى هوشعارنا القومى؛ ما من أمة إلا ولها نشيدها الذى تتغنى به وشعارها الذى تهتف به، ولكن قل لى بالله عليك: كم مرة تنشد الأمة نشيدها؟! وفى أى مناسبة ترفع شعارها؟؟!! إن أمتنا تنشد نشيدها فى كل يوم خمس مرات، وتهتف بشعارها فى اليوم الواحد قرابة المائة مرة، وذلك فى سبع عشرة ركعة هى الصلوات المفروضة؛ فإذا صلينا النوافل والمستحبات وختمنا الصلوات ورددنا الأذان وأنصتنا إلى الإقامة بلغ عدد مرات الهتاف أكثر من أربعمائة مرة فى اليوم والليلة. إن الصلوات الخمس ماهى إلا خمس عروض عسكرية يستعرض المسلمون من خلالها قوتهم ويقيسون مدى قدرتهم على سرعة الاستجابة ورص الصفوف، ثم هم ينشدون نشيد وطنهم ويهتفون بشعار قومهم.



أبى الإسلام لاأب لى سواه وإن تاهوا بقيس أو تميم



وحيثما ذكر اسم الله فى بلد عددت أرجاءه من لب أوطانى





وللحديث بقية







والله من وراء القصد



الاثنين، أغسطس 01، 2011

الصلاة منحة الإسراء والمعراج...4 التربية بانتقاللا الأثر

تأخرت هذه المقالة عن صويحباتها ....





الصلاة منحة الإسراء والمعراج...4





الصلاة مجموعة من الأعمال الباطنة والظاهرة -أى أعمال القلوب والجوارح- تؤدى بصورة متكررة، وبدوام الأداء وطول الزمان تنطبع فى النفس آثار ها، لتكسب الجوارح مهارات وفنونا هى مهارات الصلاة وفنونها، لكن هذا الأثر يتسع ويمتد لينتقل خارج إطار الصلاة، ويتعدى حدود المساجد ليعم الحياة كلها ببركته وفيضه، فإذا مهارات وفنون المصلين التى اكتسبوها من الصلاة تصلح الحياة، وتنظم حركة الدنيا بعدما انتظمت حركتها داخل المساجد؛ وهذا هو الذى يطلق عليه علماء التربية:





التربية بانتقال الأثر





تعظيم الله



أعظم آثار الصلاة فى النفس: تعظيم الله سبحانه، وتعظيم شعائرالله: "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" سورة الحج، ذلك أنه كلما سمع النداء أسرع، ثم لايلبث بعدها أن يسارع إلى كل نداء فيه مرضاة لربه أو عون لقومه أو مصلحة لأهله: "إنهم كانوا يسارعون فى الخيرات" سورة الأنبياء.





ضبط الموعد



إذا استطاع أن يضبط خمس مواعيد فى اليوم والليلة تتغير كل يوم فحرى به أن يضبط كل موعد، وأن ينظم أوقاته فلا تتداخل ولا تتعارض، كان الإمام حسن البنا يضرب لتلامذته وأتباعه مواعيد بعد منتصف الليل فى أماكن بعيدة؛ وهم قد أتوا من مناطق شتى فى القاهرة، فإذا التقوا فى الموعد المحدد شكرهم وانصرفوا؛ فلما سألوه عن ذلك أجابهم: "نحن نتدرب ونتمرس على ضبط الموعد"، وأخبرنى الأستاذ المربى: محمود شكرى؛ أنهم كانوا يلتقون فى موعد محدد منضبط، فإذا مرت خمس دقائق تركوا المكان وذهبوا إلى غيره، فإذا حضر المتخلفون لم يجدوا إخوانهم، فإذا كان الموعد التالى كانوا أسبق فى الحضور من غيرهم.





النظام السياسى



تختلف النظم السياسية ما بين برلمانية ورئاسية ودستورية وغيرها، لكنها لاتختلف فى أمرين:



وجوب طاعة المحكومين للنظام واتباعه وعدم خرقه.



وجوب رقابة المحكومين على الحكام فإذا غفلوا نبهوهم،وإذا أساءوا زجروهم أوعزلوهم



لم يحدد الإسلام نظاما بعينه، وإنما أقر الأمرين كليهما.





فإذا أقيمت الصلاة وجب على المأمومين اتباع الإمام، فلا يسبقونه ولايساوونه تكبيرا ولاركوعا ولاسجودا، وإنما يصنعون ذلك كله بعده، فإذا سها أوغفل كنسيه تشهد أوسط نبهوه فقالوا: سبحان الله، فإذا كان السهو إساءة كقيامه لركعة خامسة فى صلاة رباعية نبهوه بقولهم: سبحان الله، فإذا لم ينتبه قالوا: قمت لخامسة، فإذا لم يلتفت إلى زجرهم تركوه واقفا وظلوا قعودأ، ثم قرأوا التشهد وسلموا؛ وهو مايعرف بمفارقة الإمام.



أليست هذه صورة مصغرة لعلاقة الحكام بالمحكومين أراد الإسلام أن يعيشها المسلمون وأن يمارسوها من خلال الصلاة كل يوم خمس مرات فإذا انتقلوا إلى دنياهم انتقلت معهم فأصلحوا الحياة بنفس الأسلوب الذى أصلحوا به صلاتهم.



إن الذين عاشوا هذه التجربة فى مساجدهم هم الذين يستطيعون أن يوازنوا بين طاعة الحكام والمسؤولين وبين توقيفهم إذا لزم الأمر، وهم يؤدون هذا ببراعة ولباقة، أما الذين تخلفوا عن الجماعات ولم يمارسوا تلك الممارسة الرائعة فهم أقعد الناس عن طاعة تضبط إيقاع الحياة، كما أنهم أخجل الناس إن لم يكونوا أجبنهم عن زجر حاكم أساء أو مفارقة زعيم أجرم فى حق أمته.



إن الصلاة نظام سياسي مصغر تنتقل آثاره التربوية إلى الحياة فتصلح سياستها، ومن هنا تعلم لماذا يكره الطواغيت أرباب المساجد وينابذونهم العداء حتى كرهوا أن يكون فى الأرض مساجد؛ لا لمجرد أنها تؤدى فيها الصلوات، ولكن لأنه يتخرج فيها الرجال الذين يقضون مضاجعهم ويؤرقون نومهم ويزعجون أحلامهم : "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا" سورة الحج.





وللحديث بقية



والله من وراء القصد