.
" أم المثـنــي "
.
.
.
كنا نسكن في عمارة تتكون من ثمان عشرة شقة ، أغلب السكان مصريون ، لكنك تجد السوري والعراقي والأردني واليمني والسوداني .
.
كنا كأننا أسرة واحدة... الرجال كأنهم أشقاء ، والنساء كأنهن شقيقات ، وأبناؤنا جميعا لا يكاد الواحد منهم يدخل شقته إلا عند النوم ، وإذا أردت ولدك فلربما تبحث عنه في كل شقق العمارة حتي تعثر عليه .
.
كان معي ثلاثة أولاد ، وكانت زوجي في حملها الرابع ، وكانت النساء يترقبن يوم وضعها ، كل تحب أن تحضر هذه اللحظة ، وأن تسبق إلي الخدمة .
.
كنت أعلم ذلك وأراه وكانت زوجتي تخبرني به ، فكنت أجد حرجاً شديداً وحياءً ، فإني لا أحب أن أثقل علي أحد، ولا أن أسال الناس شيئاً .
.
ذات مساء دقت " أم المثني" رضي الله عنها باب شقتنا ، وهي جارة لنا ، أردنية من أصل فلسطيني ؛ جلست "أم المثني " إلي "أم معاذ" زوجتي، واستحلفتها بالله أن تكون هي أول من يعلم بخبر الوضع والولادة ، وأن لا يسبقها أحد في ذلك ، وقالت : انا أعلم أن المصريين بالعمارة كثيرون ، ولكني أحب أن أحظي بشرف خدمتك دونهم ، فوعدتها زوجتي بذلك ،فانصرفت إلي شقتها راضية مسرورة .
.
الخميس الحادي عشر من فبراير1988 . وعند حلول المساء : شعرت زوجتي بمقدمات آلام الوضع ، فأخبرتني بذلك ، فاقترحت عليها أن تزور كل نساء العمارة هذه الليلة ، وألا تظهر لهن شيئاً ، وان سألنها عن موعد ولادتها أبهمته ، ففعلت ثم عادت .
.
قبل صلاة فجر الجمعة 12 فبراير1988 . فحصت زوجتي فوجدتها قد اقتربت جدا .... نزلت لصلاة الفجر ثم عدت اليها فوجدتها قد أوشكت .
.
في تمام السادسة صباحا كانت "إسراء " تستهل صارخة ، وكان الله رابعنا
أنهيت عملية التوليد بسلام ، وجمعت كل ما كان من ثياب وفراش ، فألقيت ما ينبغي أن يلقي ، وغسلت ماينبغي غسله .
.
أيقظت أولادي الثلاثة ، وأعددت لهم فطورهم ، وبعد الانتهاء جمعت الطعام ، وغسلت الاواني والاطباق ، ومررت علي غرف البيت غرفة غرفة ... فوضعت ... ورفعت ... وغسلت ... ومسحت حتي ما عاد في البيت شئ في غير موضعه ، وعاد كل موضع فيه يلمع ويسطع.
.
دعت أم معاذ ولدها الأكبر معاذ وقالت : إنزل ياحبيبي ... أخبر خالتك أم المثني أني أريد لقاءها .
.
دخلت أم المثني وهي تسلم وتسمي الله وتردد الأدعية وآيات القرآن .... حتي دخلت علي زوجتي في غرفتها فوجدتها في فراشها وإلي جوارها مولودتها.
.
هنأتها وباركت لها وانطلقت تجوب البيت.... المطبخ ... الحمام ... غرف الأولاد .... فماوجدت شيئا تعمله ... عادت أم المثني إلي غرفة صاحبتها حزينة تقول : أعلي هذا أتفقنا يا أم معاذ !!
فقالت أم معاذ : والله مانقضت اتفاقي معك ، لقد طلبت أن تكوني أول من يدخل علي بعد ولادتي ، وأنت والله اول داخلة وما أخبرت غيرك .
.
دخل ولدي معاذ ليحضر لي ملابسي من غرفتي لأقوم بكيها وأنزل إلي صلاة الجمعة فقد اقترب موعد الصلاة .
رأته أم المثني وهو يحمل الثياب فقالت له : ثياب من هذه؟!
قالت : وماذا يصنع بها ؟!
قالت : والله ما يصنع هذا إلا أنا .
.
حملت أم المثني ثيابي ونزلت بها إلي شقتها ، وبعد قليل عادت الثياب مكوية كأحسن ما يكون الكي .
.
.
مكثنا ستة عشر يوماً لا يوقد في بيتنا نار ، وإنما يحمل الطعام إلينا ، لا ندري من اين ... فنأكل ، ويفيض عنا ، فندعوا أصدقاءنا من خارج العمارة ، أو نهدي إليهم .... كما كانت ثيابنا تحمل ثم تعود إلينا لا ندري من التي حملتها ولامن غسلتها وكوتها وأحضرتها ..... حتي نزلت ومعي زوجي ومولودتنا نطوف بالجيران ونتوسل إليهم أن: