الأربعاء، ديسمبر 21، 2011

أفتونى فى رؤياى جت سليمة

















أفتونى فى رؤياى






كانت السماء تمطر ... والوقت بعد الغروب بين آخر النور وأول الظلام ... كانت الطريق ضيقة زلقة وقد توحل الأسفلت .... وإذا صوت سيارة من خلفى ..... نظرت فإذا شاحنة ضخمة تكاد تهد الأسفلت من تحتها وتسرع نحوى بجنون .... قفزت إلى جانب الطريق فإذا هو منحدر إلى هاوية لاأكاد أدرك بعدها ... غاصت أطراف قدمى فى رمال المنحدر فثبتت هناك .... مرت السيارة على جانب الطريق كالريح فقذفت بالأوحال على وجهى وثيابى ... عدت إلى الطريق ثم صحوت وإنى لأردد: الحمد لله جت سليمة...




الجمعة، ديسمبر 16، 2011

لماذا القرآن...ورد التدبر ....15 الآيات المتتاليات

ورد التدبر.....15
علاقة الآيات المتوالية ببعضها..






"وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون*" سورة النحل 64





إن الهداية غاية إنزال القرآن؛ لينتقل الناس من الخلاف إلى الوفاق، ومن الضلالة إلى الهداية، ومن الغواية إلى الرشاد فتعمهم الرحمة، فيسعدوا فى دنياهم وأخراهم، وليس يرجى من القرآن غير هذا، ولا يرجى هذا إلا منه، فلن يهتدى الناس بغيره، ولن يسعدوا بسواه؛ إذ به حياة القلوب.





ثم تأتى الآية التالية:



"والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، إن فى ذلك لآية لقوم يسمعون" سورة النحل 65



أليس هو سبحانه الذى أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج كريم، فأسعدت الناظرين وأطعمت الجائعين وصارت متنزها للسائحين.؟؟!! فكذلك القرآن أنزله الله ليحيي به قلوب عباده؛ فيسعد بهم من رآهم ومن سمعهم ومن جالسهم، وإذا هم غياث الملهوفين وملاذ المستضعفين ونصرة المظلومين، وإذا أحدهم كالغيث حيث وقع نفع، وكالنخل يرميه الناس بالحجر فيلقى إليهم الثمر.



لقد شبه القرآن بالماء، وشبه الإنسان بالأرض، وإنزال القرآن بإنزال الماء، والتغير الذى يطرأ على الإنسان بسبب القرآن كالتحول الذى يحدث للأرض بسبب الماء.



ثم يقول: "وإن لكم فى الأنعام لعبرة نسقيكم مما فى بطونه من بين فرث دم لبنا خالصا سائغا للشاربين" سورة النحل 66



كم فى الفرث والدم من قذر ونتن، بل كم فيهما من سم ونجس؛ لكن الله يخرج من بين تلك السموم والأقذار ومن وسط هذه النتانات والنجاسات طعاما وشرابا هو أكمل الطعام وأتمه: "لبنا خالصا سائغا للشاربين". نستطيع بالقرآن أن نغير نتن النفوس وسموم الأفكار وقذر الشعوب ونجاسة الأمم، فيخرج من بين ذلك كله نفوس كريمة وفكر قويمة وشعوب عزيزة وأمم زكية ينهل منها الآخرون ويرتوون، ولن يكون ذلك إلا بالقرآن سر حياة القلوب وبهجة النفوس.



وما كان واقع الناس إلا من صنعهم، حتى قال عمر رضى الله عنه: "الناس أشبه بزمانهم منهم بآبائهم وأمهاتهم"، يقصد أنهم يصنعون واقعهم الذى يعبر عن ثقافتهم وأخلاقهم، فإذا رأيت حياة كريمة طاهرة عفيفة فاعلم أن وراءها أناسا كراما طاهرين، وإذا صدمت بواقع آسن وزمان قاس فلا جرم أن الذين صنعوه كانوا رجالا غير أسوياء ونساء غاب عنهن الرجال، لذا جاءت الآية التالية لتدلنا على أننا نغير ماحولنا بأيدينا ونصنع واقعنا بأعمالنا:



"ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن فى ذلك لآية لقوم يتفكرون" سورة النحل 67



كل الثمار على الأشجار طيبة كريمة، وكل الأعناب تقطف لذيذة قويمة، لكن يد الإنسان تتناول ذلك كله فتعمل فيه عملها، كل ينطلق من ثقافته وخلقه؛ فهذا يصنع من العنب زبيبا أو عصيرا يغذى الآكلين ويبعث القوة والنشاط فى الشاربين، وذاك يجعله خمرا يذهب العقول ويخرب النفوس، وكذلك التين والتفاح والقصب وحتى القمح والشعير والرطب، كل ذلك تتناوله يد الإنسان فتحوله إلى الخير أو إلى الشر، الناس يصنعون واقعهم ويصوغون حياتهم ويرسمون مستقبلهم.



ثم ينتقل بك إلى آلية التغييرووسائل التحويل:



"وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذى من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون * ثم كلى من كل الثمرات فاسلكى سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن فى ذلك لآية لقوم يتفكرون"سورة النحل 68-69



كل المخلوقات تأكل وتشرب فتخرج قذرا وسما ونجسا-والإنسان أقرب مثال-؛ لكن النحل يخرج عسلا طاهرا يستشفى الناس به، فكن كالنحلة "لاتأكل إلا طيبا ولا تخرج إلا طيبا وإذا وقعت على شيء لاتكسره"



السر يكمن فى ثلاث: الانتقاء والعمل الدءوب وأن تبدأ من حيث انتهى الآخرون.





لقد بين القرآن الكريم وبينت سنة النبى صلى الله عليه وسلم أن الانتقاء سياسة النابهين وسبيل المفلحين، فما من خطوة إلا ومعها انتقاء، وأما خابطوا العشواء وحاطبوا الليل فقل أن يسلموا وإذا سلموا لم يغنموا.



فانتقاء الطعام:



"كلوا من طيبات مارزقناكم" سورة البقرة



"فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف" سورة الكهف



انتقاء الكيف:



فلينظر أيها أزكى طعاما؛ فيكون مما أحل الله وليس من المطعومات الحرام، ومما تم نضجه وأينع، طازجا بهيج اللون طيب الرائحة.



وانتقاء الكم:



فليأتكم برزق منه، قدر الكفاية، فلا هو بالقليل الذى لايفى ولا هو بالكثير الذى يثقل عليكم حمله وإذا طال زمانه فسد وتلف فلا أنتم الذين انتفعتم به ولا تركتموه ينفع غيركم.



وانتقاء الوسيلة:



وليتلطف، فينتقى بائعا هاشا وتاجرا باشا، ثم ليكن سمحا فلا يجادل فى الثمن ولايبخس البائع سلعته، ولا يكثر التقليب فى الطعام، وليجعل مازاد عن تقديره صدقة على البائع فإن خير الصدقة صدقة البيع والشراء.



وانتقاء الزوجة:



"فانكحوا ماطاب لكم من النساء" سورة النساء



وقوله صلى الله عليه وسلم:"تنكح المرأة لأربع؛ لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك"



فلتنتق صاحبة دين وخلق، وليس يعرف ذلك من مجرد حفظها للقرآن أوكثرة ترددها على المساجد، كما أن سابغ الثياب قد لا يدل على الدين، وإنما يستدل على تدينها بسيرتها فى أهلها وخلقها مع أبيها وأمها، فإن إحسانها لاحقك إن كان قد سبق إليهم، وما أنت بسالم من إساءتها إن كانت قد أدركتهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك فى مالك ونفسها" ولم يقل إنها حافظة القرآن سابغة الثياب مرتادة المساجد وإن كنا لانفرط فى شيء من ذلك.





وانتقاء الكلام:



"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"



ومما أثر عن أبى الدرداء رضي الله عنه قوله : لولا ثلاث ما أحببت البقاء : ساعة ظمأ الهواجر ، والسجود في الليل ، ومجالسة أقوام يَنتقون جيد الكلام كما يُنتقى أطايب الثمر .



وانتقاء الصديق:



"المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"



وانتقاء الحكام:



"خير أمرائكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتدعون لهم وشر أمرائكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم"



وقال صلى الله عليه وسلم للأنصار فى بيعة العقبة الثانية: "اختاروا من بينكم اثنى عشر نقيبا"



وأما العمل الدءوب فسمت النحل وصفته حتى ضرب به المثل فقالوا: "فلان كالنحلة" إذا عرف عنه النشاط والدأب وعلو الهمة، ومع الدأب النظام والدقة والتفانى فى خدمة الجماعة وإنكار الذات والتخصص فى الأداء، فالراحة للرجال غفلة وللنساء غلمة، ولايدرك الراحة من لايعرف التعب؛.قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا فرغت فانصب" سورة الشرح



وأما الابتداء من حيث انتهى الآخرون فإنها لا تأكل إلا من الزهر والثمر، وهما آخر ماينبت النبات، وهما أجمل مافى حديقة وألذ مافى بستان: ألوان زاهية وطعوم شهية وروائح زكية.



دعك من تحصيل الحاصل، أو بتعبير جدتى رحمها الله: "يطحن الماء بالرحى" أو"يدق الماء بالهاون" أو أنه "يحرث الماء"...احرث لنا أرضا على أن تكون خصبة، أو اطحن لنا حبا على أن يكون قمحا، أو دق لنا بندقا وفستقا ولوزا وكثيرا من عين الجمل.





والله من وراء القصد





وللحديث بقية



الخميس، ديسمبر 08، 2011

لماذا القرآن...14 ورد التدبر الآيات المتتاليات

ورد التدبر





ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين* لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم*"سورة البقرة




الآية تتحدث عن "النصارى" الذين حملهم بغض "اليهود" على أن أعانوا "بختنصر" البابلى المجوسي على تخريب بيت المقدس، أو هى تتحدث عن المشركين الذين حالوا بين محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين يوم الحديبية أن يدخلوا مكة حتى نحر هديه صلى الله عليه وسلم بذى طوى وهادنهم؛ وهو اختلاف تنوع، وعموم الألفاظ يحتمل ذلك كله.




ثم تأتى الآية التالية لها:




"ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم" سورة البقرة




إذنا من الله أن يصلى المتطوع حيث توجه من شرق أو غرب فى سفره، أو فيمن عميت عليهم القبلة فلم يعرفوا شطرها فصلوا على أنحاء مختلفة، أو فيمن دعا الله عز وجل ففى أى جهة توجه فهنالك الله يسمع دعاءه فيستجيب له.




والناظر إلى أسباب نزول الآيتين قد لا يجد بينها علاقة؛ لكن النظر إلى عموم ألفاظهما يجدها....إنها قضية الدعوة إذا حوصرت فى موضع أومنعت من مكان؛ فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.




إن الآية الأولى تشنع على من صد عن سبيل الله ومنع الناس المساجد كلما ذكروا الله فيها ولم يذكروا غيره، فإذا ذكر غير الله فسبح الناس بحمد السلاطين والطواغيت لم يصدهم ولم يمنعهم، وهذا دأب الفراعنة والطواغيت فى مختلف الأزمنة والأمكنة، فيعتقل العلماء الربانيون والدعاة المجاهدون الذين يدلون الناس على ربهم ويأخذون بأيديهم إليه، فيعلمون الناس دينهم الحق ويرشدونهم إلى مافيه صلاح دنياهم وأخراهم، ثم يستبدل بهؤلاء أشباه علماء وأنصاف متعلمين وكسور دعاة ليملأوا المساجد لغوا ولهوا ولعبا.




وإن الآية التالية لتفتح مشارق الأرض ومغاربها أمام الدعاة الربانيين والعلماء العاملين، فليست الدعوة إلى الله حكرا على المساجد ولا موقوفة على إذن من حاكم أو تصريح من ذى سلطان، فليس لأحد عذر في ترك الدعوة إلى الله، وليس لعالم حجة فى القعود عن البلاغ، وفى الحديث "أمرنا ألا نغلب على ثلاث: الإخلاص لله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وأن نعلم الناس السنن" فهناك بيوت الدعاة "واجعلوا بيوتكم قبلة" سورة يونس، وهناك بيوت الناس ومنتدياتهم، وهناك مصانعهم ومتاجرهم ومدارسهم وجامعاتهم، وأنى للظلمة أن يدركوا ذلك كله أو يلاحقوه، ثم إن هناك معاقل السلطان وأوكارالحكام؛ يقتحمها الدعاة اقتحاما ، فيقلقون منامهم بقولة الحق، ويزعجون أحلامهم بمواقف الصدق؛ فيهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة.







وللحديث بقية

الجمعة، أكتوبر 14، 2011

لماذا القرآن.... 13 ورد التدبر الآيات المتتاليات




لماذا القرآن.... 13 ورد التدبر







إدراك العلاقة بين الآيات المتتاليات







ليست الآيات القرآنية مبتوتة؛ وإن تباعدت أزمنة نزولها واختلفت أسباب ذلك النزول، وإنما هى مسرودة سردا ومسبوكة سبكا؛ بمعنى أن سياق الآية يرتبط ارتباطا وثيقا بسابقتها ثم بلاحقتها؛ وذلك من بداية القرآن وحتى نهايته، حتى إنك لتستطيع أن تقول: إن هذا القرآن وحدة واحدة هى الإعجاز، وموضوع واحد هو الإنسان، وقصة واحدة هى قصة الهداية الربانية لهذه البشرية الحائرة.




"الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور......................." سورة البقرة.




الولاية: نصرة وتأييد وحفظ، وتكون من السيد لعبده، كما تكون من العبد لسيده؛ كل على قدر قوته وقدرته وسلطانه، وشتان شتان؛ فولاية الرب لعبده إكرامه وإعزازه ونصره على أعدائه، أما ولاية العبد لربه فالقيام بخدمته والتذلل بين يديه، قال الله تعالى: "الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور" سورة البقرة، وقال: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون*الذين آمنوا وكانوا يتقون" سورة يونس.




والحديث هنا عن ولاية الله للمؤمنين: "الله ولى الذين آمنوا" والآيات التالية لهذه الآية تذكر ألوانا وصورا من ولاية الله للمؤمنين:




زعم النمرود أنه يحيي ويميت؛ فأتى ببريء فقتله، وآخر قد وجب عليه القتل فبرأه وأطلقه، فالتبس الحق بالباطل وانطلت الشبهة على العوام والجماهير المغيبة؛ لكن الله ألهم إبراهيم أن يخرج بالنمرود من دائرة سلطانه البشرى المحدود إلى سلطان الله الممدود، ويرتفع فوق مستوى مملكته المجازية ليحلق فى آفاق السماء حيث الملكوت الحقيقي فقال للنمرود: "فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب" فبهت النمرود وأدحض الله حجته.




فكانت ولاية الله لإبراهيم أن ألهمه حجته التى دمغت النمرود فردته خاسئا.







ثم تأتى الآية الثانية بصورة أخرى من صور ولاية الله للمؤمنين:




ركب عزير حماره بعد ما حمل عليه طعامه، فمر فى طريقه على قرية قد غار ماؤها ونضبت عيونها؛ فهوت أشجارها وخوت جذوعها؛ فاستبعد عودة الحياة إليها؛ إذ لاتعود بظنه إلا بحفر بئر وحرث أرض ثم بذر وسقي ثم زرع وغرس حتى تنضج الثمار ويحين القطاف، وأن ذلك لابد يستغرق زمنا ويستنفذ وقتا، فقال: "أنى يحيي هذه الله بعد موتها".




إنها لحظة الغفلة التى يتعلق الناس فيها بالأسباب وينسون أن قدرة الله تعالى فوق الأسباب وجودا وعدما، وأنه سبحانه هو خالق الأسباب، إنها اللحظة التى يقيس الناس فيها أفعال الله على أفعالهم، ويحسبون أن الزمن جزء من فعله سبحانه كما هو جزء من فعلهم، ويغيب عن قلوبهم أن الله إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، وأن أمره كما يقول العوام: "بين الكاف والنون"، وبينهما زمن قد لايقوى البشر على قياسه، وهو مثال تقريبي إذ أمره سبحانه لاتعوزه كاف ولانون.




"فأماته الله مائة عام ثم بعثه، قال: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما أو بعض يوم. قال: بل لبثت مائة عام."




مائة عام من الموات بعث بعدها فإذا جنات يحفها نخيل وتتفجر خلالها أنهار، وزروع وأشجار وطير على الأغصان، وحفيف وخرير ونقيق، وحياة تدب هنا وهناك، لكنه حسب المائة عام يوما أو بعض يوم.




تحسس طعامه ذات اليمين فإذا الخبز لازال ساخنا كأنما أخرج لتوه من التنور، وإذا اللبن لم يتغير طعمه فبقى سائغا للشاربين، ثم ألقى نظرة ذات اليسار نحو الحمار فإذا هو كومة من عظام.




أى الخبرين يصدق!!!! خبر الطعام الذى لم يتسنه والذى يقول إن اللبث كان يسيرا "يوما أو بعض يوم" أم خبر العظام التى تقول إن اللبث دام طويلا "مائة عام؟؟!!




لم تدم حيرته، فقد نشر الله العظام وأنشزها أى حركها أفقيا ورأسيا فتكون منها هيكل عظمى، ثم كسا الله العظام لحما، بعدها انطلق الحمار راكضا بأنكر صوت سمعه عزير.




لقد رأى عزير آية الإحياء فى لحظة، بينما تأخر إحياء القرية مائة عام، وكان ممكنا أن يراها فى لحظة أيضا إلا أنه غفل وارتاب، فكانت ولاية الله له أن غار عليه فأنقذه من الغفلة ومنحه درسا تتوارثه الأجيال وتتدارسه إلى يوم القيامة.







ثم تأتى الأخيرة بصورة ثالثة من صور الولاية الربانية:




يسأل إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموتى: "رب أرنى كيف تحيي الموتى"،بصيغة جازمة لا تردد فيها ولا تلعثم، هويعلم"علم اليقين" أن الله يحيي الموتى لكنه يريد أن يرتقى فى مدارج العلم ليبلغ "عين اليقين" قال: "أولو تؤمن!!" ألست قد آمنت!! "قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبى"




لم يتأخر الجواب، ولم يلبث مائة عام كما لبث سابقه؛ قال: "فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا".




لم يكن لدى إبراهيم حظيرة طيور لينتقى من بينها أربعة، وإنما بذل جهدا ليصطاد أربعة طيور ويمسكها حية، ثم قربها إليه وتعرف عليها جيدا ثم ذبحها وقطعها وخلطها ريشا ولحما وعظما ثم بذل جهدا آخرضخما صعودا وهبوطا ليجعل على كل جبل منهن جزءا، فلما دعاهن أتينه سعيا.




لاتزال ألوان الولاية الربانية تحوط المؤمنين حتى ترتقى بهم مدارج العلوم فلا تقف بهم عند حد، شك عزير وارتاب فتأخرت عنه الآية قرنا من الزمان، بينما تيقن إبراهيم ووثق فأتته الآية على عجل؛ والله وليهما.




الشك يؤخر النصر ويحجب التأييد والارتياب يؤخر الجواب، بينما اليقين يسارع بإجابة الدعاء ويحقق الرجاء.




الله ولى الذين آمنوا يلهمهم حجتهم، ويقيل عثرتهم، ويستجيب دعوتهم.







وللحديث بقية







والله من وراء القصد

السبت، أكتوبر 08، 2011

لماذا القرآن 12 ورد التدبر مدلولات الكلمة الواحدة

لماذا القرآن..... 12 ورد التدبر







تدبر مدلولات الكلمة الواحدة




كلمة: "محصنات"




وردت فى آيات عدة




"والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم" سورة النساء




"ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات....... فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب...."" سورة النساء




"والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" سورة المائدة




الحصن: كل مايمتنع به المرء من عدوه فلا يصل إليه قد يكون بناء أو كهفا أو غارا، ومنه سمى الحصان -أى الفرس- لأنه إذا طار بصاحبه لم يدركه عدوه.







سميت العفيفة محصنة لانها تمتنع على الرجال؛ فلا تقع فى فاحشة، ولا تتلهى بمخادنة، فذات خلق محصنة يمنعها خلقها من السقوط، وحرة محصنة يمنعها شرف عشيرتها من التدنى، وذات زوج محصنة يمنعها إعفاف زوجها لها من النظر إلى غيره.




لقد اشتركن جميعا فى أمر واحد وهو العفة والطهر وإن تعددت الدوافع والأسباب فتسمين جميعا باسم واحد: "محصنات".




ففى الآية الأولى: يذكر القرآن "المحصنات" أى ذوات الأزواج باعتبارهن من اللائي يحرمن على الرجال إلا إذا كانت سبيا فتعتد بحيضة واحدة ثم تحل لسيدها.




ثم يذكر فى الآية الثانية رخصة لمن شق عليه أن ينكح "المحصنات" أى الحرائر المؤمنات فيرخص له فى نكاح العفيفات المعروفات بالطهر وحسن الخلق من الإماء المؤمنات، ثم يبين أنهن إذا "أحصن" أى تزوجن فعفهن أزواجهن ثم وقعن فى الفاحشة كانت عقوبتهن نصف عقوبة "المحصنات" أى الحرائر.




ثم يذكر فى الأخيرة انه قد أحل للمؤمنين أن يتزوجوا: "المحصنات" أى العفيفات الطاهرات من المؤمنات و"المحصنات" أى العفيفات الطاهرات من أهل الكتاب، فليست كل كتابية تحل للمؤمن وإنما العفة شرط لامناص من تحققه وظهوره.




إن القرآن حرم على المؤمنين أن ينكحوا الزوانى وإن كن مسلمات؛ فكيف بها إذا كانت غير مسلمة؟؟!!




كلمة: دين




وردت فى آيات عدة




"مالك يوم الدين" سورة الفاتحة




"إن الدين عند الله الإسلام" سورة آل عمران




"ماكان ليأخذ اخاه فى دين الملك" سورة يوسف




"اليوم أكملت لكم دينكم......ورضيت لكم الإسلام دينا" سورة المائدة




"وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم" سورة النور







أصل كلمة الدين فى لسان العرب: التذليل. تقول:دنته فدان أى ذللته فذل




فكل ما خضعت له وذللت فقد دنت له، وهو دين.




فتطلق الكلمة ويراد بها الدين الذى هو نظام رب العالمين وشرعه المعصوم الذى ارتضاه لعباده، وأمرهم أن يذلوا له ويخضعوا، وسوف يسألهم عنه يوم القيامة ويحاسبهم عليه. كما فى قوله: "مالك يوم الدين" سورة الفاتحة أي يوم الحساب ، وفى قوله: "إن الدين عند الله الإسلام" سورة آل عمران، وفى قوله : "ورضيت لكم الإسلام دينا" سورة المائدة.




وتقيد الكلمة فيراد بها أيضا النظام الذي يدين الناس له ويذعنون؛ سواء كان مستمدا من الإسلام أو من غيره، ومن هنا جاء المثل: "الناس على دين ملوكهم"؛ كما فى قوله تعالى: "ماكان ليأخذ أخاه فى دين الملك" سورة يوسف، فليس دين الملك هو معتقده فقد كان ملوك مصر إذ ذاك وثنيين، ولكن فى نظام الملك وقانونه : أليس قد حاسبه على سرقه صواعه فاسترقه إن لم يكن طبقا لقانونه ونظامه فبمقتضى سلطانه الذى يدين الناس له!!؟؟.




وكما فى قوله تعالى: "أكملت لكم دينكم" سورة المائدة. فهو نظام دولتهم واستتباب قوتهم؛ بحيث دان الناس لها؛ فقد كانت أول حجة فى الإسلام ليس فيها مشركون يحجون ولا عراة بالبيت يطوفون، وقد انتظمت الأشهر الحرم فحجوا فى ذى الحجة، وقد كانوا يحجون فى غيره بسبب النسيء، وحتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض"




وكما فى قوله تعالى: "وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم" سورة النور. فهو المستوى الأخلاقى والسلوكى والاجتماعى والاقتصادى والتشريعى والسياسي والعسكرى الذى بلغوه مما يحب الله ويرضى، والذى يدين الناس له ويخضعون؛ إن هناك مستوى معين من الإسلام لابد أن يبلغه المسلمون حتى يمكن الله لدولتهم، يمثلون من خلاله الإسلام تمثيلا أقرب إلى مرضاة الله، يغلب فيه خيرهم شرهم، ويقل فيه الخبث، ويتوارى المفسدون فلا تكون لهم صولة، ويندر الجهر بالمعاصى، وتسقط لافتات العهر، ودعايات الربا، وإعلانات الخمور، وتغلق الحانات والمراقص والمواخير، ويومئذ يفرح المؤمنون.







وللحديث بقية







والله من وراء القصد




الخميس، سبتمبر 29، 2011

لماذا القرآن....ورد التدبر.11 أسرار التراكيب













لماذا القرآن..... 11









معرفة بعض أسرار التراكيب العربية





****الحذف:









قال تعالى:





"إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" سورة فصلت





إنك إذا تأملت الآية لتبحث عن "خبر": "الذين كفروا بالذكر" فلن تعثر عليه، وهو مايعرف بحذف الخبر، قد يكون محذوفا للعلم به، أو لدلالة السياق عليه، أو للتهويل: إذ هو أعظم من أن يوصف، وأضخم من أن يذكر،فهو: لظى وسعير وزقوم، وماء صديد، ومطارق من حديد. إنه يمنحك الفرصة لتتخيله بنفسك، فيكون أدعى لحضور صورته ذهنيا، وثبوت استحقاقهم له عقلا وشرعا.









قال تعالى:





"ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا" سورة الرعد





إنه يفترض أن كلاما مكتوبا و كتابا مقروءا يسير الجبال ويقطع الأرض ويكلم الموتى، ثم لا يدلك أى كتاب هو؟! لتعمل فكرك، وتقدح ذهنك، ولترى بعينى بصيرتك أنه هذا القرآن، وذلك أثبت للمعنى وأنضج للفكرة من أن يدلك عليها أول وهلة. فلهذا حذف جواب أداة الشرط: "لو"





لقد أودع الله فى هذا القرآن قوة هى قوة الله، وقدرة هى قدرة الله، وسلطانا هو سلطان الله؛ لكنه سبحانه لم يشأ أن يجعل ذلك كله فاعلا فى الجمادات، ولا فى سائر الدواب ، وإنما جعله فاعلا فى قلوب بنى آدم ونفوسهم عندما يختارون فاعليته ويرضخون لسلطانه ويرغبون أن يقهروا تحت قدرته، عندئذ يمنحهم القوة التى تسير الجبال، والسلطان الذى يقطع الأرض، والهداية التى تحيي القلوب. عندئذ تكون قوة الله وقدرته هى التى تعمل فى الواقع ولكن من خلالهم، إنها القدرة تستتر بأمثال هؤلاء، فالواحد منهم كما قال قائلهم : يستر القدرة ويأخذ الأجرة.









****النكرة والمعرفة









يأتى التنكير للتعظيم أو للتحقير:









"ولتجدنهم أحرص الناس على حياة" سورة البقرة





"ولكم فى القصاص حياة" سورة البقرة













لقد وردت كلمة: "حياة" فى الآيتين نكرة، ولكن شتان بين حياتين: فهى فى الأولى حياة حقيرة ذليلة يحرص عليها اليهود ويودونها بأى ثمن، وفى الأخرى حياة كريمة تتهيأ للأمة من خلال إقامة القصاص؛ إذ يقتل القاتل فينتفى الثأر، ويعتبر مريد القتل فيكف؛ يدرك ذلك من السياق؛ إذ الحرص على الحياة لا يعقبه قط إلا المهانة، وإقامة الشرع لاتنتهى إلا إلى عزة و كرامة





*************************





إذا وردت الكلمة نكرة ثم أعيد ذكرها فى السياق نكرة فالأخرى غير الأولى، فإذا أعيدت معرفة ب: "ال" فهى هى:





"وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا" سورة مريم





"والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا " سورة مريم





التسليم الأول كان تسليما من الله على يحيى، ورد نكرة لإفادة التعظيم، فلما أعيد معرفا ب: "ال" تبين أنه نفس سلام الله الذى سلمه على يحيى؛ أخبر المسيح عيسى بن مريم أن الله سلمه عليه، لكن الأول كان إخبارا من الله لنا، والثانى كان وحيا من الله إلى المسيح عيسى بن مريم أخبرنا به المسيح عليه السلام.





"إن مع العسر يسرا* إن مع العسر يسرا". سورة الشرح





جاء كلمة: "العسر" معرفة ب: "ال" فى الآيتين فهو عسر واحد وجاءت كلمة: "يسر" فى الآيتين نكرة فدلت على أن الأولى غير الآخرة، فهما يسران مختلفان، لذلك قال الصحابة رضوان الله عليهم عندما سمعوهما: "لن يغلب عسر يسرين".





كم من اليسر حولنا، واليسر أصل المعايش، بينما العسر طارئ، ولكن بعض النفوس لاترى إلا العسر؛ والسر فى ذلك أنها جبلت على النظر إلى من فوقها مالا ووجاهة وسلطانا، وحرمت من أن تنظر إلى من هو دونها حظا وقسما، والسعيد من رأى اليسر كلما عسر، والموفقون لا يرون العسر ابتداء، فقد علموا أنه سبحانه إذا منع فهو عين العطاء، وأنه لا يقدر إلا الخير، ولا يقضى إلا بالحق.





فإذا أضفت إليهما:





"سيجعل الله بعد عسر يسرا" سورة الطلاق





أدركت أن كل عسر مرهون بثلاثة أيسار: اثنان معه وفى ذات وقته، وواحد بعده، فأنى لعسر أن ينال من مؤمن؛ إلا إذا كانت كبوة يرجى له بعدها النهوض والقيام.









"لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما*إلا قيلا سلاما سلاما" سورة الواقعة





إن القرآن ينقل لنا مشهدا من الجنة صوتا وصورة: أما الصوت ففهم من قوله: "يسمعون"، وأما الصورة ففهمت من التكرار: "سلاما سلاما"، إذ الأولى غير الآخرة، فلربما كانت الأولى سلاما من الملائكة، فبينما يسمعون السلام إذ دخل فريق من ملائكة آخرين فسلموا: "والملائكة يدخلون عليهم من كل باب *سلام عليكم بما صبرتم" سورة الرعد، أو أن السلام الأول من الملائكة والآخر من الله: "سلام قولا من رب رحيم" سورة يس، أو أنها فرق المؤمنين يتوافد بعضها على بعض يتزاورون فيسلم هؤلاء ثم يأتى غيرهم فيسلمون: "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون" سورة الطور. فإذا أصوات التسليم تتردد فى أرجاء الجنة يمنة ويسرة؛ فسلام المؤمنين بعضهم على بعض، وسلام الملائكة على المؤمنين، ثم سلام الله عليهم أجمعين.









****صيغ تصريفات الأفعال





حتى صيغ تصريفات الأفعال في لغتنا الجميلة لها مدلولاتها!!





فالفعل الثلاثى اللازم يصير متعديا بالهمز أو بالتضعيف، فتقول: نزل الماء؛ أى بنفسه، وتقول: أنزل الله الماء أو نزل الله الماء؛ فلم ينزل بنفسه حتى كان الله هو الذى أنزله أو نزله، لكن بين "نزل" –بالتضعيف- و "أنزل" فرق كبير، فكل فعل تعدى بالهمز أفاد حدوثه مرة، بينما كل فعل تعدى بالتضعيف أفاد تكرار حدوثه.





تجد فى القرآن: "كتاب أنزلناه إليك" سورة ص، وتجد "نزل عليك الكتاب بالحق وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس"سورة آل عمران، فعند الحديث عن القرآن تجد: "نزل" بالتضعيف و "أنزل" بالهمز، فإذا كان الحديث عن التوراة أو الإنجيل لم تر إلا: " أنزل". ذلك أن التوراة والإنجيل أنزل كل منهما نزولا واحدا غير منجم أى غير مفرق، أما القرآن فكان له نزول سماوى من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وهو المتحدث عنه ب: "أنزل" إذ نزل كاملا دفعة واحدة، وله نزول آخر وهو نزول جبريل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم منجما مفرقا حسب الحوادث والنوازل وهو المتحدث عنه ب: "نزل" بالتضعيف.





والآن تدبر هذه الآيات:





"نزل عليك الكتاب بالحق وأنزل التوراة والإنجيل"سورة آل عمران





"ياأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل" سورة النساء





"وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا" سورة الإسراء





"قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق......." سورة البقرة





"إنا أنزلناه فى ليلة القدر" سورة القدر





"إنا أنزلناه فى ليلة مباركة "سورة الدخان





"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"سورة الحجر













وللحديث بقية













والله من وراء القصد

الثلاثاء، سبتمبر 27، 2011

لماذا القرآن....ورد التدبر 10 معانى المفردات

ورد التدبر......2






كل كلمة فى العربية وضعت لمعنى، وصيغت لمدلول لا يدل عليه غيرها، وقد تعبر الكلمتان عن مدلول واحد فتكون هذه لقبيلة وتلك لأخرى وهو الترادف، أو تحمل الكلمة معني عند هؤلاء وآخر عند غيرهم فيكون الاشتراك؛ لكن لاترادف ولا اشتراك عند قوم بعينهم.





إن الكلمة فى العربية ليست مجرد حروف تستطيع أن تستبدلها بغيرها، وإنما هى تعبير عن حدث يستغرق الزمان والمكان والأشياء، إنها صوت تسمعه يسرى فى وجدانك، وصورة تراها تتخلل مشاعرك؛ إن الكلمة فى العربية تحكى مشهدا أوتقص قصة أو تروى رواية، تكاد من خلالها تسمع وقع الأقدام وصليل السيوف وخرير الماء، بل تكاد ترى حبات العرق على الجبين، أو دم المخاض يسبق الجنين؛ وإلا فلم اقشعر بدنك ولان قلبك و دمعت عيناك؟؟!!ألكلمة قيلت!! أم لمشهد تراه و تسمعه !!









****النبط:





الماء الذي ينبط من قعر البئر إذا حفرت، ويستنبطونه: يستخرجونه، وأصله من النبط وهو الماء الذي يخرج من البئر أول ما تحفر،





الاستنباط:





هو حفر البئر للحصول على الماء بعد حاجة الناس إليه، وأول ماء حصل عليه بعد الحفر هو: الماء المستنبط - بفتح الباء-، والذى حفر البئر وأخرج الماء هو: المستنبط - بكسر الباء -.





فإذا تم الحفر واستنبط الماء ورأى الناس صلاحه ووفرته هرعوا إلى دلائهم فأخذوا من الماء حوائجهم، فهم يستخرجون الماء ولا يستنبطونه؛ لكنهم على أية حال سعداء: المستبط المكدود الباذل جهده؛ لأنه تسبب فى رى ظمئهم وبل ريقهم، والمستخرج المعوز القاضى حاجته، وهم شاكرون لفضله مقدرون لجهده.





استعار القرآن هذه الكلمة للتعبير عن استخراج الأحكام من القرآن والسنة عند حاجة الناس إليها: "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" سورة النساء





فانظر إلى كلمة: "يستنبطونه" كيف صورت حاجة الناس إلى معرفة الأحكام فى النازلة، وجهد العلماء فى استباط الأحكام، وفرح الناس برفع الحرج عنهم ببركة هذا الجهد، ثم وجوب شكر العلماء والاعتراف لهم بالفضل إزاء مايبذلون.









ابتدع الأطباء الغربيون طريقة لمعالجة النساء اللاتي لايحملن لعيوب فى أرحامهن: تؤخذ نطفة الرجل وبويضة امرأته فتتلاقحان، ثم تزرع المشيجة فى رحم امرأة أخرى مقابل مال يؤدى إليها، وهو ماعرف بتأجير الأرحام.





هنالك برز سؤال احتار الناس فى الإجابة عليه: لأى من المرأتين ينسب هذا المولود؟؟!! ومن أمه؟؟ أصاحبة البويضة!! أم التى حملته فى بطنها، ثم ولدته واستهل منها صارخا؟؟!!





لم يكن لدى الأطباء جواب، وإنما استنبط الجواب من القرآن علماء المسلمين: "إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم" سورة المجادلة.





فالأم هى الوالدة، وليست مانحة البويضة، وسبحان من سماها: الوالدة، فقال: "والوالدات يرضعن أولادهن" سورة البقرة.









**** الجنف:





رجل أجنف أي منحني الظهر، والجنف عند العرب داء يصيب العمود الفقرى فييبس، ويرى صاحبه قد انحنى ظهره أو تقوس، فلا يكون انحناء العاطفة والحنو، وإنما انحناء المرض والداء، لكن المعافى قد ينحنى لغيره عطفا واهتماما، وحبا وإكراما.





أنزل الله آيات المواريث فأعطى كل ذى حق حقه، ومن ثم منع النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصى لوارث فقال: "إن الله أعطى كل ذى حق حقه فلا وصية لوارث"، لكن بعض الناس قد تسول له نفسه مخالفة الشرع بحجج واهية يزينها له أبالسة الإنس وأحيانا شياطين الجن، فقد يسئ ولد إلى والده بينما يحسن غيره، فيوصى الوالد للمحسن عطاء، أو يوصي بحرمان المسئ، وقد يكون للرجل ولد صاحب حاجة وفاقة بينما الآخرون معافون فيوصى لصاحب البلوى بمال يرفع به حصته من تركته، وقد يحيف فى وصيته فيترك مالا قليلا ويوصى ببعضه لبعض ذوى حظوته فيؤثر ذلك على أنصبة ورثته، أو يوصى بأكثر من الثلث وإن ترك مالا وفيرا.









فالدافع إلى الجور فى الوصية إما أن يكون انتقاما من بعض الورثة ورغبة فى إلحاق الضرر بهم: "إثما"، أو يكون حبا عارما وعطفا زائدا على الآخرين: "جنفا".









فانظر كيف استعار "الجنف" للعاطفة الشوهاء، إنه ليس حنو العاطفة الصافية ولا هى الضمة الحانية، وإنما هو انحناء المريض وتقوس الأجنف.





"فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم" سورة البقرة









****العنت:





كَسْرٌ بعدَ انْجِبارٍ، وذلك أَشَدُّ من الكَسر الأَوّلِ. ويقال للعظم المجبورإِذا أَصابه شيء فَهاضَه: قد أَعْنَتَه.









قال تعالى: "ياأيها الذين آمنوا لاتتخذوا بطانة من دونكم لايألونكم خبالا ودوا ما عنتم" سورة آل عمران





أراد القرآن أن يصور حرص أهل الكتاب على إفساد حياة المؤمنين وإيقاع الاضطراب فى كل نواحيها فأتى بلفظة: "العنت"، إن العنت ليس مجرد مشقة عارضة أو أزمة وقتية، وإنما هى إشكالات متتابعة تؤدى إحداها إلى الأخرى، وأزمات خانقة تتوالد من بعضها، وهو ما تصوره كلمة "العنت" : كسر بعد كسر.





إن أعداء الأمة يرتبون لها مشكلات لاتحل، ويوقعونها فى سلاسل من الأزمات اللانهائية، كل ذلك بطريقة مدروسة ومحسوبة : "ودوا ما عنتم".









****المراودة:





رادت الإبل ترود ريادا إذا احتلفت في المرعى مقبلة ومدبرة وذلك ريادها، ويقال: راد يرود إذا جاء وذهب ولم يطمئن، والرود: المهلة في الشيء، وفلان يمشي على رود أي على مهل.





"وراودته التى هو فى بيتها عن نفسه" سورة يوسف





لقد جمعت هذه الكلمة: "راودته"؛ صورة المجئ والذهاب والإقبال والإدبار كل ذلك فى تمهل غير مطمئن، إن الكلمة هنا حركة وصورة وصوت ومشاعر التقت جميعا لتصور حالة امرأة: "تراود فتاها عن نفسه". ألا ما أجمل القرآن!!!









****الكيد:





صياح الغراب بجهد، ويسمى إجهاد الغراب في صياحه كيدا، وكذلك القيء، والكيد التدبير بباطل أو حق، والكيد الحيض، والكيد الحرب، ويقال غزا فلان فلم يلق كيدا.









"فيكيدوا لك كيدا" سورة يوسف





لقد صورت كيف يدبرون مجتهدين ليخرجوا أسوأ ماعندهم ليلقوه فى طريق أخيهم محاربة له، فليس الكيد موقفا عارضا ولا هو شئ يحدث اتفاقا، وإنما هو مبدأ رسخ، وفكرة انقدحت، وأداء مرتب، وعاقبة منتظرة.




*****ضاق ذرعا




هى وصف للبعيرإذا ثقل حمله فضاقت خطوته، ثم استعير الوصف لكل إنسان ثقل حمله حتى كاد يعجزه، وزاد همه حتى كاد يقعده؛ فلما جاءت الرسل لوطا وخشى قومه الذين لاطاقة له بهم أن يتغلبوا عليهم فيفعلون بهم الفاحشة، فركبه من الهم ماركبه، ونزل به من الكرب ماالله به عليم؛ حتى شعر بالعجز الشديد، فوصف القرأن حاله تلك : "ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا"

















وهكذا تستطيع أن تجمع كثيرا من مدلولات المفردات العربية ومعانيها من "لسان العرب" وغيره لتستمتع بمشاهدة وسماع المشاهد القرآنية: صوتا وصورة ومشاعر وأحاسيس؛ كل ذلك من خلال لفظة عربية وكلمة قرآنية.





وللحديث بقية









والله من وراء القصد