الخميس، سبتمبر 18، 2008

كتب عليكم الصيام......(6) التكليف ومقومات النجاح ..2

المعالجة القرآنية لموضوع "التكليف"

التكليف....ومقومات النجاح (2)

"أياماً معدودات"
.
الأصل فى لغة العرب أن الأيام إذا كانت أقل من عشرة أن يقولوا: "معدودات"... أما إذا كانت أكثر من ذلك فإنهم يقولون:"معدودة"... فالأول بسمى: "جمع قلة" والثانى يسمى: "جمع كثرة"
.

ولما كانت أيام الصيام شهرا كاملا وهى لاشك أيام كثر
اختار القرآن : "معدودات" وهى جمع قلة ليوحى بتوهين التكليف وبساطته، وبالتالى قدرة المكلف على الأداء، ولو قال: "معدودة" لأشعر بضخامتها وكثرتها، وبالتالى يقع فى نفس المكلف صعوبة الصيام وامتداد أيامه امتداداً مملولاً.

"فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر"

قد يعرض للمرء عارض يمنعه من الأداء مؤقتاً، أو يجعل الأداء شاقاً مكلفاً...... هنا يعلمنا القرآن أن أمثال هؤلاء ينبغى ألا نحرجهم فنطالبهم بالأداء مثل غيرهم، وإنما يحسن أن يرجأ تكليفهم إلى وقت لاحق يزول فيه العذر، وتنتفى عنهم المشقة فهنالك يؤدون مالم يستطيعوا أداءه سالفاً، وتستطيع أن تسمى هؤلاء: أصحاب الأعذار

ثم يذكر فئة أخرى قد لا تستطيع هذا الأداء بعينه أبداً... إنهم ليسوا أهلاً له.
"وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين"
وتستطيع أن تسمى هؤلاء: الفئات المستثناة.... وهم وإن استثنوا من عمل فلا يعنى ذلك استثناؤهم من الأعمال جميعها... فإن استثنوا من الصيام لأنهم لايقوون على الجوع والعطش أطعموا وسقوا غيرهم من الجوعى والظمأى.... إن الإسلام لا يعرف أناسا ليس لهم فى الخير باع.... ولا يقرهم أن يكونوا دائما مقبوضى اليد أو مكتوفى الذراع.

إن معرفة المسؤول بقدرات الأفراد شرط أساسى لنجاحه هو فى تكليفهم، وبالتالى لنجاحهم هم فى الأداء.
ليس كل الناس سواءً فى الإمكانات.....
فمنهم المؤهل للعلم ومنهم المؤهل للعمل...
ومنهم صاحب القدرات الفنية والمهارات الفردية.....
ومنهم القادر على الرياسة ...
ومنهم البارع فى المبارزة والمناطحة....
ومنهم الوادع المسالم....
ومنهم صاحب الحجة الألحن...
ومنهم الساذج الغافل.....
ليس من الحكمة أن نكلف الألثغ بصعود المنبر... وأن نعلم الأعشى إصلاح الساعات وصيانة أجهزة الكمبيوتر..... وأن نكلف الأعرج ركوب الدراجة والتنافس مع العدائين فى اختراق الضاحية، لكننا نستطيع أن نختار لهم أعمالاً أخرى تتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم تحقق لهم ذواتهم من ناحية، وتعود بالنفع على المجتمع من ناحيةأخرى، فلا يبقى فينا عاطل ولا قاعد ولا نرى محبطاً ولا مهموماً. ولا نكلف أحداً مالا يطيق.... فيعجز.... ويفشل...... ويفقد ثقته فى نفسه... وفى الآخرين، وما ذاك إلا لأن "المسؤول" كلفه مالا يطيق.... ربما ليس تعنتاً، ولكن لجهله بقدرات الفرد وإمكاناته.

إن قضية تحديد القدرات ومعرقة الإمكانات ليست قضية سطحية يكتفى فيها بالتقارير المرفوعة واختبارات الهيئة والINTERVIEW"…"... وإنما هى تحتاج إلى توفيق الله أولاً... ثم إلى فراسة المسؤول وطول صحبته وخبرته بالمكلفين، ثم إنها تحتاج كذلك إلى صراحة المكلف وصدقه وعدم تكلفه فى إظهار ما ليس عنده بطولة وعنترية، أو إخفاء ماعنده تورعاً وتقوى.... بظنه واعتقاده.

إن الفشل الذى منيت به أمتنا فى الوقت الحاضر ليس سببه ضعف إمكاناتها أو قلة مواردها أو ضحالة فكرها. وإنما سببه والله أعلم أنها قد ابتليت بقيادات لا تحسن توظيف أبنائها والاستفادة من قدراتهم، فصار طبيب الأطفال وزيراً للتعليم، وضابط المخابرات وزيراً للإعلام، والموسوم بالشذوذ الجنسى وزيراًللثقافة، وجىء بأستاذ الجامعة من بين تلامذته وطلابه واوراقه ومحاضراته ومدرجاته.... جىء به من بين ذلك كله ليكون رئيساً للوزراء، وهو الذى لم يسعد يوماً بكرسى الوزيرحتى قفز على كرسى الرئاسة... أوألقى عليه إلقاءً..... وصار الضباط محافظين ورؤساء للأحياء ومديرى شركات فتحولت البلاد إلى ثكنة عسكرية كبيرة لاهم لأهلها إلا السمع والطاعة... والضبط والربط.... وإحكام السيطرة.... واستتباب الأمن على طريقتهم...... من غير نقاش ولا حوار ولا رأى ولا نصيحة ولا أمر بمعروف ولا نهى عن منكر...... وربما تكون الحركة الإسلامية ذاتها قد ابتليت بمثل هذا حتى صرنا أو كدنا نصير سواءً.

"فمن تطوع خيراً فهو خير له"

وعلى الرغم من اجتهاد المسؤول فى معرفة إمكانات أفراده والإلمام بقدراتهم والوقوف على أعذارهم ونقاط الضعف والقوة عندهم..... إلا أنه يظل فى بعض الأفراد قدرات عالية وإمكانات راقية وطاقات خلاقة.... يحسن بالمسؤول أن يرخى لها اللجام وأن يطلق لها العنان لتستفيد منهم الأمة الاستفادة القصوى وتبلغ الغاية العليا وترقى إلى أعلى مرتقى.

وللحدبث بقية؛

هناك 8 تعليقات:

Beram ElMasry يقول...

د‌.توكل مسعود
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لتفضلك بزيارة مدونتى والتعليق ، وشكرا لادبكم والاحجام عن نعتى بالمدهول ، وما تمنيت لن يوصف شعبنا بالتقصير ، لكن اخى الكريم اننا تعودنا على مساعدة الغير ، انظر لاغانينا مثلا ( قولو لمازون البلد ) ، ( يارايحين الغورية هاتو ) ، ( يامين يجيب لى جواب ) ، دائما نطلب من الغير عمل شئ لنا ، تصور سيادتك غلت بالحرف الواحد ( نحن فى حاجة لمن يأخذ بأيدينا ) ، مع ان فينا كما تعلم واعلم اكفاء لكن لايتاح العمل لهم الا بامر
اخى الدكتور توكل . ارجو التكرم بمعاودة الزيارة لمدونتى
ولا تحرمنى من النقد والتوجيه ، وقراة بقية الموضوعات
مع خالص شكرى وامتنانى

أكون أو لا أكون يقول...

الله يعطيك العافيه يادكتور توكل ...

بوست جميل جداً... أعجبني الفرق بين جمع القليل وجمع الكثير... معلومه مهمه... خصوصا بالنسبه لي... أفتقد هذه النوعيه من المعلومات منذ سنين...

برأيي المتواضع ... أن موضوع القدرات ... أهم من يعاني منه طلاب المدارس... فنجد بعضهم مستوى الفهم لديهم ضعيف في احدى المواد عن الباقي ... أو أن لديهم صعوبه على القراءه والكتابه... فلا يجدون من يتفهم حالاتهم... وتكبر المشكله حين يشتكي المدرسين لأولياء الأمور من كسل الأبناء... فلا تجد الأباء إلا إنهالوا عليهم باللوم... وتلقيبهم بألقاب تحط من معنوياتهم مثل (الفاشل أو الغبي )... بدون معالجة أسباب الحاله...


أما موضوع انحدار المستوى العام لأمتنا... لا أعرف هل المشكله حقاً من داخل المجتمع ... أم أنها مؤامره لأضعاف وإنهاك العقول ... وإشغالها بالمشاكل السيايه أو الاقتصاديه... أو أخيراً الصحيه...
والأخيره التي تعتبر حرب من نوع جديد... لازلنا بغفله عنها ولن يعيرها أحد بال... إلا بعد أن تصبح مشكله ضاهره... حالها حال المشاكل الأخرى التي خرجت عن نطاق السيطره.

(موضوع المشاكل العربيه يضيق الصدر لشدة تعقيدها...)!

Unknown يقول...

الأخ الفاضل: د/ توكل مسعود
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طرح طيب وقيم...
ولقد وضعت يدك على الجرح ، نحن نعيش مع نظام سياسى وصل لخريف العمر.
وحكومة وقيادات لايمتلكون أية قدرة على حسن التخطيط والإدارة أناس جاء بهم النظام لأنهم أهل ثقة وليسوا أهل خبرة
وأصبحت العشوائية هى المتحكمة والفشل الإدارى شمل مناحى الحياة وأصبحت القافلة تسير بسرعة نحو الهاوية ونرجو رحمة ربى

غير معرف يقول...

اللهم ارنا الحق حقاوارزقنااتباعه وارناالباطل باطلا وارزقنااجتنابه. اللهم يامدبرالاموردبرأمرنافنحن لانحسن التدبير.اللهم أفرج عليناوعلى المسلمين أجمعين.فرج قريب بإذن الله.(الله يحميك). أوصيك ياأخوياتوكل بأذكارالصباح والمساء ولاتدع اى سبب يشغلك عنها.دمتم بخير.

د.توكل مسعود يقول...

أخى BERAM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد

فعندما قلت: "نحن بحاجة لمن يأخذ بأيدينا" كنت أعنى أن يأخذ بعضنا بيد بعض، وليس أحد من خارجنا، وأن شعبنا ليس فى حاجة إلى مزيد من التخذيل والتثبيط، وإنما هو فى حاجة إلى التشجيع
وإلى من يرفع معنوياته ويبث فبه الأمل.

سعدت بمعرفتك.

د.توكل مسعود يقول...

أكون أولا أكون
ويعطيك العافية إن شاء الله

كلما فهمنا لغتنا العربية فهمنا القرآن وأحببناه فرفعنا ونفعنا...وعقلنا كثيراًمما كنا لانعقل

"إنا أنزلناه قرآنا عربياًلعلكم تعقلون"


أما قولك إن طلاب المدارس هم أكثر من يعانى فى موضوع القدرات فقد أصبت تماماً
،ويوم أن نتدارك هذه المأساة نكون قد وضعنا أقدامنا على بداية الطريق الصحبح، ولا مانع حتى نبلغ هذا أن يبدأ كل منا من حيث هو ومن موقع مسؤوليته...أباً كان أوأماً أو زوجاً أو معلماً أو مديراً...

أعتقد أن غدنا سيكون أفضل من يومنا

والله معك ويرعاك

د.توكل مسعود يقول...

أخى الكريم محمد الجرايحى

أهلاً وسهلاً بك ،شرفتنى بزيارتك الكريمة.

ليتنا نبدأ من مواقعنا فنعمل مالم تعمله حكوماتنا... والقرأن منهج حياة كما تعلم... للفرد.. والأسرة... والمجتمع... والجكومة.... والدولة.
فإذا قصرت الحكوة والدولة فلا ينبغى أن يقصر الأفراد...كل بحسب طاقته..."لا يكلف الله نفساً إلا وسعها"

د.توكل مسعود يقول...

أخى المحب لدينه

شكر الله لك اهتمامك

أعدك أن أحافظ على أذكار الصباح والمساء دائماً وقدر المستطاع، وأن أذكرك معى فى أدعيتها.