الثلاثاء، يونيو 28، 2011

لماذا القرآن..9.ورد التدبر فريضة

ورد التدبر فريضة







"كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب"سورة ص







دبر الشئ: آخره، والتدبر: معرفة آخر الأمر والوقوف على نهايته، وتدبر الكلام : معرفة مقتضاه ومايؤول إليه؛ إنه التعبير الشائع الذى قد يستعمله أحدنا مع محدثه إذا أراد أن يحثه على الإفصاح عن المطلوب وتبيين المراد فيقول: "هات من الآخر".




ولما كان القرآن كلام الله؛ وكان تحت كل كلمة معنى بحيث لا يقوم غيرها مقامها، ولايدل على مراد الله إلاها؛ كان التدبر مهمة ثقيلة تستنفذ الوقت وتفنى العمر؛ حتى قال بعض الصالحين:




"لى ختمة أختمها كل أسبوع، ولى ختمة أختمها كل شهر، ولى ختمة ينقضى عمرى ولا أختمها".




ولعله أراد بختمة الأسبوع ورد تلاوته، وبختمة الشهر ورد صلاته أو إنصاته أو مراجعته، وبالأخيرة ختمة تدبر القرآن فإنه: "لاتنقضى عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد".







وللتدبر وسائله وأدواته التى لا يصح بدونها، ولا يكون تدبرا بغيرها؛ وإلا صار رجما بغيب وقولا على الله بغير علم، فالقرآن كتاب عربى؛ لا يمكن تدبره والوقوف على أسراره إلا بالوقوف على مدلولات الكلمات فى بيئتها العربية الأصيلة: بيئة الخيمة والقدر والأثافى، حيث البئر والحبل والدلو، وحيث الشاة والبعير، وحيث السيف والرمح والقنص والصيد، ثم معرفة أسرار تراكيب لغة العرب وألوان بلاغتهم وأصناف فصاحتهم، ثم إلمام بواقعهم وإدراك لأخلاقهم وطبائعهم، ومعرفة بالظروف والأحداث التى تنزل فيها القرآن؛ لتعلم كم كان النص دواءً، وكيف كان شفاءً، وإلى أى مدى نزل على قلوبهم بردا وسلاما.







قد تعتذر بأنها مهمة شاقة وأنه لامناص من التفرغ لها، أو يكون المرء قد نشأ منذ نعومة أظفاره عليها، أما وقد جف العود، وصرنا غرباء عن العلم، فأنى لنا تناوشه من مكان بعيد؟؟!!




وأقول لك: تلك حبائل الشيطان يلقيها فى طريقك، فالعلم يصل من قطعه، ويعفو عمن يهفو إليه، ولايزال المرء عالما ما طلب العلم، وأضرب لك مثالين:




عام وخاص.




أما العام: كانت أول مرة يرى الناس فيها الكمبيوتر فى الإسكندرية سنة 1984، عندما عقدت إحدى الشركات الكبرى فى منطقة محطة الرمل ندوة عن الكمبيوتر ودعت إليها أساتذة الجامعات ورجال الأعمال، ووقفوا أمام هذه الأعجوبة مشدوهين؛ قد مدوا أعناقهم وفغروا أفواههم، وأدركهم العجز، وظنوا أن كل ما فات من أعمارهم كان جهلا، وهم من هم: أساتذة جامعات ورجال أعمال.




ثم كانت الندوة تلو الأخرى، والدورة بعد الدورة، وحمل الراغبون أوراقهم وأقلامهم، وكنت ترى فى الحلقة الدراسية الواحدة الأستاذ فى كلية الطب وتلميذه قد جمعهما فى صف واحد حب الكمبيوتر، وربما كان التلميذ أكثر استيعابا وأدق فهما حتى انتحى بأستاذه بعد الدرس جانبا يشرح له ما استعصى على فهمه وما لم يدركه عقله، ثم استفاد الرجل من ولده، والمرأة من زوجها وصاحبتها، وصار المجتمع مع الكمبيوتر كالأوانى المستطرقة يفيض بعضها على بعض، وحتى أضحى الجهل بالكمبيوتر عيبا يستحيي صاحبه أن يعلمه الناس، وأمية يرغب أهلوها فى محوها وإزالتها، ولم لا وقد أصبح لازما لكل صاحب مهنة وحرفة حتى ربات البيوت والعاملات على الماكينات فى المصانع والبائعات فى دكاكين الملابس والأحذية والمفروشات.







وأما المثال الخاص: فهو "عم رضوان"؛ كان يعمل حارسا لمستوصف أم المؤمنين الخيري بالدخيلة سنة 1990، ولم يكن يربطنى به إلا السلام عندما ألقاه أو يلقانى. لفت انتباهى أنى لا أراه إلا حاملا مصحفه، إما أنه يقرأ قراءة خافتة، أو أنه قد أغلقه ووضع سبابته فاصلا بين ورقتين ليستأنف القراءة من حيث توقف آخر مرة.




دفعنى الفضول إلى محادثته:







قلت: عم رضوان!!




قال: نعم!!




قلت: لا أراك إلا حاملا مصحفك؛ إما قارئا وإما متحينا الفرصة لاسئناف القراءة، فما هذا التعلق؟؟!!




قال: أرأيت لو أن رجلا حرم الولد، ثم رزقه بعدما بلغ من الكبر عتيا؟؟!! كيف تراه يصنع؟!!




قلت: لا شك يتعلق به فلا ينشغل بسواه.




قال: فإنى لم أتعلم القرآن إلا بعدما كبر سنى وبلغت من العمر مبلغا!!




قلت: إذا فلتحك لى مفصلا ولتقص على مفسرا .




قال: كنت على رأس الأربعين، وكنت لا أعرف القراءة والكتابة، وكنت أدخل المسجد لأصلى فأرى الناس صغارا وكبارا؛ هذا يحمل مصحفا يتلو لنفسه، وذاك يتلو وغيره منصت إليه، فحزنت على نفسى حزنا شديدا حتى بثثت لصاحب لى وجدى وشكوت إليه حزنى، فدلنى على جماعة يعلمون الناس القرآن، لكن أميتى حالت بينى وبينهم، فقال هات كراسة وقلما وأعلمك كل يوم حرفا.




لم أكتف بحرف صاحبى؛ فكنت أختلف إلى المسجد حاملا كراستى وقلمى، أتصفح وجوه الناس وأتفرسها، ثم أختار أحدهم فأسأله أن يعلمنى حرفا..... ثم كلمة.... ثم جملا... وحتى صارت الكراسة كراسات، وبريت بعد القلم أقلاما، وصار الناس يعرفوننى؛ فلربما رآنى أحدهم وكان ذا شغل فقام منصرفا قبل أن أصل إليه، وقد أسمع صوتا: تعال يا عم رضوان، فإذا هو رجل يرغب أن يمنحنى وقته يبتغى الأجر ويحب أن يعلم فيعلمه الله، حتى أحسنت القراءة والكتابة، ثم انتقلت إلى القرآن فصنعت مثل صنيعى الأول.




قلت: كم سنة استغرقتك حتى أحسنت التلاوة؟!




قال: بدأت فى الأربعين، وختمت القرآن تلاوة وأنا فى الثامنة والأربعين.




قلت: وكم بلغت من العمر الآن؟!




قال: سبعين سنة بشهادة الميلاد، وثلاثين سنة بحساب تعلمى القرآن، فإنى أرانى ولدت بعدها ميلادا جديدا، وإننى الآن فى عز الشباب.




قلت: فإنى أحب أن أسمع منك القرآن.




فتح مصحفه واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم تلى تلاوة مرتلة مجودة كأجمل ما تكون التلاوة وأعذبها، ولكأنما نشئ عليها منذ الصغر، أو لقنها زمن الرضاع، فسبحان من يسره للذكر؛ ولكن أين المدكر؟؟!!




رحم الله "عم رضوان" وألحقنا به فى الصالحين.




اصنع أخى كما صنع الأستاذ الذى استفاد من تلميذه فتعلم الكمبيوتر، أو كما صنع "عم رضوان" فتعلم القرآن، ولا تقل: سني وشغلى ووجاهتى؛ تواضع للعلم، ولا تستح أن تسأل!! سيجيبك القليلون وينصرف عنك الأكثرون، لكنك ستصل إن شاء الله؛ احمل كراسة وقلما، وابدأ ولو بحرف يأخذك إلى كلمة، ثم إلى جملة، ثم تتوالى العبارات، وأول الغيث قطر ثم ينهمر، إنه منطق التراكم المستمر، وخطوات السلحفاة الوئيدة التى سبقت قفزات الأرنب البعيدة، إنها مسألة هم......وزمن.

والله معك.




وللحديث بقية




والله من وراء القصد

الأربعاء، يونيو 22، 2011

لماذا القرآن...8 ورد الإنصات

ورد الإنصات



لا ريب أن المقصود الأعظم من تلاوة القرآن تدبر آياته، وأن المرء قد يصرفه عن كمال التدبر انشغاله بضبط التلاوة وتحقيق مخارج الحروف وصفاتها وإتقان الحركات وإشباع المدود والغنن، لكن الإنصات إلى التلاوة قد خلا من تلك الشواغل كلها، فقد ألقى سمعه واطمأنت نفسه بعدما سكنت جوارحه، فلم يبق إلا التدبر.


"مثل القارئ والسامع كمثل الحالب والشارب" حكمة قديمة لا أدرى من الذى أُلهمها، لكنى أعتقد أن الله هو الذى ألهمه إياها.


لقد عبر القرآن عن هذا المعنى مرات عدة:


مرة وهو يقول: "إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد"سورة ق


وكأن التذكر لا يتأتى إلا بهذه الشروط: قلب حى لم تلوثه آفات اللسان، ولم تقتله كبائر الآثام، ولم يلفه ران الإصرار على مافعل. وسمع ملقى أى: أذن صاغية نحوالصوت تريد أن تتلقاه صافيا خاليا من المشوشات. بعدما سكنت الجوارح وتوقفت كل الحركات واتجهت كل المشاعر نحو الصوت تريد أن تتدبره.



ومرة وهو يقول: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" الأعراف


والتعبير ب: "لعل" يفيد الرجاء القريب الحصول السهل المنال، فيكفيك أن تستمع وتنصت ثم دع الرحمات تتنزل.والأصوب أنها عامة فى الإنصات لكل قرآن كان فى صلاة أو فى غيرها.



ومرة وهو يحدثنا عن الجن: "وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا: أنصتوا، فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين* قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسي مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم" الأحقاف



وأخرى عن الجن أيضا: "قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا* يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا* وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا*" الجن


ومن حديث الجن عن القرآن تدرك بركة الإنصات:


1- استيعاب كامل للرسالة


2- إدراك كامل لكونه كتابا معجزا "قرآنا عجبا"


3- معرفة سليمة بغاية إعجازه "يهدى إلى الرشد"


4- انطلاقة دعوية ذاتية: "ولوا إلى قومهم منذرين"


وهى انطلاقة لايدفع إليها ولا يحث عليها سوى معرفة بالله ويقين به وثقة بوعده وتصور صحيح لليوم الآخر ورسوخ مشاهده فى النفس، ثم إدراك الضعف الذى جبلت عليه المخلوقات والذى لا يجبره إلا ركون إلى الله يتمثل فى إجابة داعيه: "ومن لايجب داعى الله فليس بمعجز فى الأرض وليس له من دونه أولياء" الأحقاف



إن الإنصات للقرآن لياقة تحتاج إلى تمرس مستمر، ومهارة ينميها التدرب الدؤوب الذى لايتوقف؛ حتى يصل أحدنا إلى حد الاستجابة الفورية والتأثرالإيجابى الفعال الذى يولد ذاتية الحركة، وهو الأمر الذى بذل كثير من المربين جهودهم لتحقيقه فأخفقوا، وابتدعوا أفكارا وخططا لإيجاده فلم يصلوا، بينما كان الإنصات المتأمل فكرة قرآنية وطريقة ربانية، يصوغها القرآن فى عبارة سلسة وأسلوب رشيق:


"فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين" الأحقاف



والقرآن إذ يقول: "فاستمعوا له وانصتوا" يبين أن الاستماع مرحلة أولية لبلوغ الإنصات والذى هو حالة من الخشوع الذى يلف الجوارح والسكينة التى تملأ النفس والطمأنينة التى تجوب القلب.



إن السماع وظيفة من وظائف الأذن، لكنه وظيفة سلبية؛ أى أن الأذن تؤديها دونما تدخل من صاحبها: إعمالا أو إهمالا، فكل ماحولك من الأصوات يبلغ سمعك؛ وإن لم تقصده بذاته، فإذا قصدته كان استماعا، فإذا طال بك زمانه حتى ألقيت سمعك وانتبهت إليه وملت نحو مصدر الصوت فلم تنشغل الجوارح بل كان السكون سمتها كان إصغاء، فإذا طال الإصغاء ودام الاستماع حتى فرغت النفس هى الأخرى من شواغلها وحتى أدركت مرامى الحديث وغايات الكلام وعقدت العزم على أن تعمل بمقتضى ماسمعت كان إنصاتا.


فهى مراحل متتابعات لايمكنك الوصول إلى أخراها دون المرور على أولاها:


السماع: مرور الصوت على الأذن وتمييزه دون قصد منك.


ثم الاستماع: قصد الصوت والرغبة في سماعه.


ثم الإصغاء: فراغ الجوارح من العمل بعد إلقاء الأذن إلى الصوت.


ثم الإنصات: فراغ النفس من الشواغل حتى لا يبقى فيها إلا المسموع.



لذا كان الصبر مطلبا، والديمومة مأربا، وكان المران على الإنصات عبادة، إذ هو مهارة وفن لا يتوصل إليه بقليل العمل أو بالمنقطع منه، وهل يحب الله من العمل إلا أدومه؟؟!!



تستطيع أن تنصت إلى القرآن مرتلا فى إذاعة مبجلة، أو من قرص مضغوط على الحاسوب، كما تستطيع أن تنصت إلى زوجك، أو ولدك، أو إلى أخ حبيب كما أنصت حبيبك مرة إلى ابن مسعود، أو أن تكون أُبيا حين أنصت إلى هذا الحبيب.



ائت بقصاصة من الورق واكتب عليها بيدك : "ورد الإنصات" وجود الخط قدر استطاعتك، ودعها تتنقل بين أوراق مصفحك، واستمر والله معك.



وهو من وراء القصد








الأربعاء، يونيو 15، 2011

لماذا القرآن...7 ورد المراجعة

ورد المراجعة:





آفة الذين يحفظون أنهم لا يراجعون.





بمعنى أن أحدهم يحفظ الآيات، ثم السورة، ثم ينتقل إلى غيرها؛ فإذا أراد يوما أن يستظهر سورة كان قد حفظها منذ عدة أشهر لم يجد لها فى حافظته إلا أثرًا، ولم يذكر من موضوعها إلا فكرا، وذلك أنه أهمل مراجعتها.



أخرج أبو داود والترمذي من حديث أنس مرفوعا ‏"‏ عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها ‏"‏ في إسناده ضعف‏.‏





وقد أخرج ابن أبي داود من طريق أبي العالية موقوفا ‏"‏ كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه ‏"‏ وإسناده جيد‏.‏





فالنسيان يأتى بمعنى الإهمال والغفلة:



قال الله تعالى: "نسوا الله فنسيهم" سورة التوبة



وقال أيضا: "نسوا الله فأنساهم أنفسهم" سورة الحشر





ويأتى أيضا بمعنى سقوط الشئ من الذاكرة:



قال الله تعالى: "سنقرئك فلا تنسي" سورة الأعلى



وقال أيضا: "وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره" سورة الكهف



وثبت في " الصحيحين " و غيرهما من حديث ابن مسعود مرفوعا : " إنما أنا بشر أنسى كما تنسون , فإذا نسيت فذكروني "





وهكذا تؤدى الغفلة والإهمال إلى سقوط المحفوظ من الذاكرة, فبين المعنيين تلازم.





ومن طريق ابن سيرين بإسناد صحيح: "الذي ينسى القرآن كانوا يكرهونه ويقولون فيه قولا شديدا" ولأبي داود عن سعد بن عبادة مرفوعا: ‏"‏من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجذم"‏ وفي إسناده أيضا مقال، وقد قال به من الشافعية أبو المكارم والروياني واحتج بأن الإعراض عن التلاوة يتسبب عنه نسيان القرآن، ونسيانه يدل على عدم الاعتناء به والتهاون بأمره‏.‏





وقال القرطبي‏:‏ من حفظ القرآن أو بعضه فقد علت رتبته بالنسبة إلى من لم يحفظه، فإذا أخل بهذه الرتبة الدينية حتى تزحزح عنها ناسب أن يعاقب على ذلك، فإن ترك معاهدة القرآن يفضي إلى الرجوع إلى الجهل، والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد‏.‏





والطريقة المثلى فى ذلك أن يكون لك ورد مراجعة:





لتراجع محفوظاتك مرة كل أسبوعين أو ثلاثة أو مرة كل شهر، فتقسم المحفوظ على عدد الأيام، وبزيادة المحفوظ تزداد حصة المراجعة اليومية، وكلما ختم المحفوظ مراجعة عدت من جديد، وهكذا حتى إذا أتممت حفظ القرآن وختمت آخر سورة منه لم يكن شىء منه قد تفلت؛ فقد حذرك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال:.



:( تعاهدوا هذا القرآن، فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفلُّتاً من الإبل في عقلها ) رواه مسلم



تستطيع أن تجعل من ورد المراجعة وردًا لمؤانسة أهلك، وتعليم أولادك، وتنشئتهم على حب القرآن، وتدريب أسماعهم على أنغامه وأصواته.





كان الإمام حسن البنا رحمه الله إذا أراد أن يرتل القرآن دعا بعض بنيه فوضعه فى حجره وضمه إلى صدره.





وكان الدكتور أحمد الملط رحمه الله يراجع كل يوم جزئين من القرآن بعد صلاة الفجر، يتلو وغيره ينظر فى المصحف وينصت إليه، مرة زوجه ومرة أحد أولاده أو إخوانه أو تلامذته.





صلى رحمه الله الفجر يومًا فى مسجد قرية "بابى" التابعة لمدينة بيشاور الباكستانية، فلما ختم الصلاة تصفح وجوه الناس؛ وكلهم أفغان، فلمح صبيًا يدور سنه حول العاشرة، فأشار إليه أن تعال، فأقبل الصبى عليه، ففتح الدكتور رحمه الله مصحفه، وطلب إلى الصبى أن يقرأ القرآن فقرأ قراءة مرتلة مجودة، فأشار إليه أنه يريد أن يراجع عليه القرآن، ففعل حتى ختم الجزئين مع شروق الشمس، ثم أهدى الصبى هدية، حتى كان اليوم الذى توفى فيه رحمه الله، وكان بعد أداء فريضة الحج؛ صلى الفجر، ثم راجع الجزئين تلاوة، وزوجته تنصت إليه وتنظر فى المصحف؛ فلما كان عصر ذلك اليوم فاضت روحه؛ رحمه الله رحمة واسعة.





.







ائت بقصاصة من الورق، واكتب عليها بيدك: (ورد المراجعة)







وجود الخط قدر استطاعتك، وراقب نفسك، وتابع هذه الورقة وهى تتنقل بين أجزاء القرآن الذى حفظته، واستمر، والله معك.





وهو من وراء القصد





..

الجمعة، يونيو 10، 2011

لماذا القرآن....6 ورد الحفظ

لماذا القرآن..6



ورد الحفظ:





وهو من الأوراد الواجبة، وإن كان حفظ القرآن وتلاوته عن ظهر قلب فرض كفاية؛ إذا قام به البعض سقط الإثم عن الآخرين، وتحقيق الكفاية يقتضى أن يوجد فى كل قرية وفى كل مدينة عدد كاف من الحفاظ يسد حاجة الناس فى التعليم والفتيا وإمامة الصلاة؛ فمتى احتاج الناس إلى معلم وجدوا، وكلما حانت صلاة وجد إمام متقن مجيد، وإذا نزلت بهم نازلة هرعوا إلى مفت فأفتاهم فاتبعوه، فإذا قصرت الهمم وقعدت العزائم أثم جميعهم؛ كل على قدر طاقته وقدرته واستعداده الذى أودعه الله فيه.





لكن لازال ورد الحفظ واجبا؛ بمعنى أن يبذل كل مسلم جهده واستطاعته لكى يحفظ القرآن، ثم هو بعد ذلك مقيد بقدرته ومحبوس فى طاقته، فمنهم من يقرأ الآية مرة فيحفظها، وقد أتم كثير من العلماء والفقهاء حفظ القرآن من دون أن يجاوز أحدهم التاسعة من عمره، ومنهم قادة وأمراء ملأوا الدنيا جهاداً وعدلاً وعمروها فتوحًا وقسطًا وما جاوز أحدهم قصار السور من المفصل، لقد أودع الله فى خلقه قدرات إذا تجاوزوها فشلوا وقد يهلكون، وإذا أهملوها وقصروا عنها هلكوا بعدما يفشلون.





"ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات" البقرة





"كل ميسر لما خلق له"حديث شريف





لم تكن همتهم من الحفظ مجرد العلم والفقه، وإنما ارتقت مشاعرهم ورقت عواطفهم فى التعلق بالقرآن وحفظه وترديده إلى حد أبعد من العلم والفقه فشغلوا به أوقاتهم و ملأوا به حركاتهم وسكناتهم إلى حد التغني والترنم:



سأل رجل أخاه فى الله: ماذا تحفظ من القرآن!!؟؟ قال قصار السور أصلى بها، فقال الرجل متعجبا:فبم تترنم، فبم تتغنى؟؟!!





إني لأذكر هذا وقلبي الآن ينفطر أو يتفطر، كلما دخلت مسجدًا فى تراويح رمضان أو فى تهجد العشر الأواخر منه رأيت مصحفًا فى المحراب مفتوحًا، وقارئًا ينظر إلى رسمه فيصدح أو يصدع، ثم أعود إلى أواخر السبعينات من القرن المنصرم وأوائل الثمانينات وقد كنا نلتقى قبل رمضان بشهر على الأقل فنقسم الشهر على أنفسنا، ونحن حينئذ أربعة أو خمسة، فيقرأ هذا من حفظه وهذا من حفظه حتى ينقضى الشهر، فإذا انقضى رمضان انصرفت هممنا إلى الحفظ والمراجعة، حتى إذا جاء رمضان من العام التالى كان رصيدنا أعلى وقراءتنا أجود، وهكذا حتى ختم كثير منا القرآن ببركة الإمامة فى تراويح رمضان وتهجد العشر الأواخر منه، وماكنا نقرأ من مصحف المحراب ولا سمعنا عنه ولا رأيناه.





لقد كانت هذه الطريقه دافعة إلى أن نشغل يومنا وليلنا بالقرآن، حتى إن أحدنا ليتخفف من الطعام والشراب فى الإفطار، ثم يقضى الساعة التى بين المغرب والعشاء فى المراجعة والتلاوة، حتى إذا وقف فى المحراب فلا تلعثم فى القراءة ولا تردد فى التلاوة،



أما الذين يصدحون من مصحف المحراب فقد يقضى أحدهم يومه هائمًا ويبيت ليله نائما ويفطر فيمتلئ طعاما وشرابا، ولربما قضى الوقت بعيد الإفطار أمام التلفاز، فإذا حان وقت العشاء أتى المسجد يتمطى ومضى بين الصفوف يتخطى بعدما وضعوا له فى المحراب عودا من الخشب يحمل مصحفا، إذ هو أهون من العود، فلم يقو على حمل القرآن.





وما الذى يحمله على حمل القرآن؟! وأى هم يدفعه إلى الحفظ والمراجعة والاستظهار ومواصلة الليل بالنهار وهو يوقن أن بالمحراب عودًا يحمل مصحفًا، ولو أزالوه لحمل هو الهم فقرأ وحفظ وراجع واستظهر.





إن الدعوة إلى الله هم يثمر أداء مباركا، وليست مجرد أداء، مهما كان هذا الأداء جيدا.





ومقياس جودة الحفظ ضبط المتشابهات؛ ولا أحيلك إلى كتاب، وإنما أحيلك إلى عبقريتك:





قد تتشابه الآيتان فى السورة الواحدة أوفى السورتين وربما فى أكثر من ذلك، فاجعل لذلك ضابطا من اسم السورة، أوضابطا لفظيا فى الآية، أو ضابطا معنويا.





فأما الضابط من اسم السورة فمثاله:



"لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل" المؤمنون 83



"لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل" النمل 68



فالسورة ذات النونين: "المؤمنون" سابقة لذات النون الواحدة: "النمل"



والكلمة ذات النونين: "نحن" جاءت سابقة فى التلاوة لكلمة : "هذا"



ف"المؤمنون" أولا و"نحن" فيها أولا





ومثال ثان:



"فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا" يونس 90



"فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم" طه 78



جاءت "وجنوده" فى "يونس" وكلاهما ذات: "واو"







ومثال آخر:



"ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا" هود 77



"فلما جاء آل لوط المرسلون" الحجر 61



"ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا" العنكبوت 33



"ولما" فى "هود" حيث الواو.



"فلما " فى "الحجر" حيث النقطة.



"ولما أن" فى "العنكبوت" حيث الواو والنون.





وهكذا تستطيع بطويل التأمل -إن لم يسعفك قليله- أن تربط كثيرا من المتشابهات بأسماء سورها.





وأما الضابط اللفظى فمثاله:



"وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحى إليهم" الأنبياء 7



"وماأرسلناك من قبلك من رسول إلا نوحى إليه" 25



جاءت "ماآمنت قبلهم من قرية" الأنبياء 6



وجاءت "هذا ذكر من معى وذكر من قبلى" الأنبياء 24



فكان "قبلهم" و "قبلك" متتاليتين، وكان "من قبلى" و "من قبلك" متتاليتين.





ومثال آخر:



"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهن بالمعروف" البقرة 234



"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهن من معروف" البقرة 240



فى الأولى "بالمعروف" والتالية "من معروف" والباء فى الأبجديات قبل الميم





وهكذا بشىء من التفكر والنظر تدرك كثيرا من العلاقات التى تعينك على ربط المتشابهات ببعض الثوابت والمنطقيات فيثبت الحفظ ويزول اللبس





وأما الضابط المعنوى فيلزمه معرفة باللغة أو بالتفسير أو بأسباب النزول.



ومثال ذلك:



"إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولاتضروه شيئا" التوبة 39



"فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربى قوما غيركم ولاتضرونه شيئا" هود 57



الأولى خطاب الله إلى عباده المؤمنين، والأخرى خطاب نبي الله هود إلى قومه،وشتان بين خطاب الله وخطاب العبد وإن كان نبيا، فلما كان الخطاب من الله كان الفعل: "يستبدل" مجزوما بالسكون، وكان الفعل: "لاتضروه" مجزوما بحذف النون، وكلاهما معطوفان على جواب الشرط: "يعذبكم"، وهو خطاب التهديد الصادر من القادر الفعال لما يريد، ولما كان الخطاب من العبد كان الفعلان: "يستخلف" و "لاتضرونه" مرفوعين إذ هما مستأنفان والنبي مبلغ قومه بسنة من سنن الله فى كونه، وشتان بين خطاب المبلغ وخطاب الفاعل المنفذ.





ومثال ثان:



"وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى" القصص 20



"وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى" يس 20



فكانت تضحية الأول ومخاطرته بنفسه أعظم من الآخر؛ إذ جاء مفشيا سر فرعون وملإه خوفا على موسى، ولو كشف أمره لقتله فرعون، بينما جاء الآخر علانية ناصحا قومه، فكانت الرجولة فى الموقف الاول أبرز منها فى الآخر؛ فقدم وصف الرجولة على بعد المكان أولا وأخرها آخرا.





ومثال آخر:



"ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا" آل عمران 154



"إذ يغشيكم النعاس أمنة منه" الأنفال 11



كانوا فى أحد خائفين بعد ماأصيبوا، وكانت حاجتهم إلى الأمن أعظم منها فى بدر قبل أن يخوضوا معركتهم مع المشركين، فسبق الأمن النعاس فى أحد، وتلى الأمن النعاس فى بدر.





وهكذا بشىء من الدراسة، وقليل من المثابرة، وكثير من التدبر تدرك بعض أسرار المتشابهات فيسهل حفظها ومراجعتها، وهى أولى خطوات المهارة لتلحق بالسفرة الكرام البررة.



















ائت بقصاصة من الورق، واكتب عليها بيدك:





(ورد الحفظ)





وجود الخط قدر استطاعتك، ثم ضعها فى مصحفك، وراقب نفسك وكن بها بصيرًا



فى أسبوع كم حفظت؟! وكم استغرق حفظ جزء من القرآن؟! فإن وجدت خيرا فاحمد الله واستمر واستزد: " وقل رب زدنى علمًا " وإن رأيت تقصيرًا فاستغفر وتب وأعد الكرَّة مرة ومرة ومرة.





والله معك.





وهو من وراءالقصد











الجمعة، يونيو 03، 2011

لماذا القرآن....5 ورد التلاوة

ورد التلاوة









.







.







وتلاوة القرآن فرض عين؛ فلا يسع مسلما تركه، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم لها حدا أدنى بأن يكون مرة كل شهر، وحدا أعلى بأن يكون مرة كل ثلاثة أيام.







.







فعن عبد الله بن عمرو بن العاص: أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: في كم أقرأ القرآن؟ قال: في شهر، قال: إنى أقوى من ذلك: قال اقرأه فى عشرين ليلة، قال: إنى أقوى من ذلك، قال اقرأه فى سبع، قال: إني أقوى من ذلك، قال: اقرأه فى ثلاث، قال: إنى أقوى من ذلك، فقال عليه السلام : لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث.







.







.







ولن يقرأ أحد القرآن في أقل من ثلاث إلا وهو مسيىء في تلاوته، مقصر في أحكامها، غير متدبر لمعانيه، ولا مكترث بالوقوف عند عجائبه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا أفضل من هذا"، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يدلنا على أن المقصود تلاوة القرآن المتدبرة المتأنية المصحوبة بالتأمل والتفكر والتذكر، وأنها إذا كانت بهذه الصورة فإن المتفرغ لها غير المشغول بغيرها لا يقوى على ذلك في أقل من ثلاثة أيام، فإذا قرأ في أقل من الثلاثة فليس هو بالأفضل ولا بالأحسن، لأن ذلك سيكون على حساب تفهم القرآن وتدبر آياته وإجادة تلاوته..







لقد وردت بعض الأخبار عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وعن بعض العلماء أوالفقهاء أوالعباد أن أحدهم ربما قرأ القرآن في ركعة واحدة، أو ختم القرآن في ليلة مرتين، أو ختم عشرين ألف ختمة بينما نعرف أنه مات ولم يتجاوز الستين، فهذه كلها أخبار مكذوبة ومختلقة، لايصح منها شيء لانقلا ولاعقلا.







.













يقول صاحبى: كنت قد اعتقلت عام 1998، وحبست في زنزانة منفردا أسبوعا كاملا، يفتح لى بابها مرة بالنهار وأخرى بالليل لقضاء الحاجة، ولم أكن مشغولا بإعداد طعام ولا بغسل ولا بكي ولا بتنظيف غرفة ولا بتهيئة فراش ولا طيه، ولم يكن معي من أنشغل بمحادثته، لم يكن ليشغلنى عن التلاوة إلا الصلاة المكتوبة، وما تيسر من السنن الرواتب، ثم أوقات الطعام والنوم، وبعض الأوراد اليسيرة قبل الغروب وبعد صلاة الفجر، ومع ذلك لم أستطع ختم القرآن تلاوة وترتيلا في أقل من ثلاثة أيام بلياليها.







وحتى يكون ورد التلاوة محببا إلى النفس، وحتى تنشط إليه ينبغي التنويع في أدائه، فيكون مرة تدويرا ومرة حدرا وأخرى تحقيقا، ثم يجعل منه قسط لضبط التلاوة وإتقان الأحكام والتحقق من صفات الحروف ومخارجها وضبط مقادير المدود، فتعيد بعض الكلمات مرة أو مرتين.







وأما الذين من الله عليهم فقرءوا القرآن بالقراءات المتواترة الصحيحة فهم أكثر الناس سعادة؛ فمرة يقرؤه برواية حفص، ومرة بشعبة، ومرة بقالون، وأخرى بورش، وهلم جرا، وهو في كل مرة يختم القرآن بقراءة غير سابقتها فيجد لكل ختمة حلاوة ومذاقا، ولا حرج على فضل الله.













ثم هو يتلوا مرة من مصحفه في خلوة، ومرة يتلوا وامرأته أو ولده ينصت إليه، وأخرى عن ظهر قلب راكبا، وأخرى ماشيا، ومرة وهو يركع من الليل ركعتين، وأخرى وهو في المسجد ينتظر إقامة الصلاة، ومرة وهو يغدوا خماصا، وأخرى وهو يروح بطانا، وكان الشيخ حسن البنا إذا قرأ القرآن وضع بعض أولاده فى حجره.







عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن على حاله كله قائما وقاعدا ومضطجعا، ولم يكن يمنعه من القرآن شئ سوى الجنابة.







وكانت المدينة إذا جن ليلها سمع فيها دوي كدوي النحل.







إنه القرآن، ملأ بيوت المدينة، وتردد فى جنباتها؛ فهذا يقرئ ولده، وتلك تتلقى من زوجها، وهؤلاء اجتمعوا ينصتون إلى قارئ حسن الصوت، وأولئك يرددون آيات خلف معلم كان قد تلقاه غضا من النبى صلى الله عليه وسلم، وآخرون قد انتحوا جانبا من بيوتهم وانتصبوا إلى القبلة يدعون ربهم خوفا وطمعا بعدما صارت بينهم وبين الفراش جفوة.







ائت بقصاصة من الورق واكتب عليها بيدك: "ورد التلاوة" وجود الخط قدر ما تستطيع، ثم ضعها في مصحفك، ودعها تتنقل كل يوم أو كل يومين مرة، واحسب كم يوما مر عليها وهي تنتقل من الفاتحة إلى سورة الناس.







.













والله معك







.







وهو من وراء القصد