الجمعة، أغسطس 05، 2011

الصلاة منحة الإسراء والمعراج...6 إقامة الصلاة

الصلاة منحة الإسراء والمعراج.... 6








إقامة الصلاة







من هنا تدرك السر فى أن الأمر لم يقف عند حد "أداء" الصلاة، وإنما تعداه إلى الأمر "بإقامة" الصلاة، وشتان بين "الإقامة" و"الأداء".




قال تعالى: "فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه" سورة الكهف



أى تصدع حتى كاد أن يسقط







وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لتنتقض عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولها نقضا الحكم، وآخرهن الصلاة"



أى تنفصم أسباب قوته ومجده.






وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنما تُنقَضُ عُرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية"







الإقامة: الإنشاء والإيجاد والإدامة، وعكسها :النقض وهو الهدم والتضييع، او الانقضاض وهو السقوط.



بحثت كثيرا عن معنى "إقامة الصلاة" عند المفسرين فلم أعثر على مايروى ظمئي ويقنع فكرى فقد ذكروا أنه الخشوع أو أداؤها في وقتها أو إتمام ركوعها وسجودها.




وقفت طويلا عند قوله تعالى: " يريد أن ينقض فأقامه" سورة الكهف، فوجدت أن الصلاة التى يراد "إقامتها" ليست هى التى تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم، وإنما هى مشروع ضخم وبناء رائع يبدأ قبل تكبيرة الإحرام بكثير ثم لاينتهى بعد التسليم؛ إنه مشروع يستغرق العمر والوقت والجهد والمال، ويستوعب الأمة كلها، وهوبذرة شجرتها وساقها وأوراقها وثمارها، أما الذي يفتتح بالتكبير ويختتم بالتسليم فهو "الأداء"، وهذا الذى يستلزم الخشوع والمحافظة على الوقت وإتمام الركوع والسجود، وشتان بين مدلول "الإقامة" ومدلول "الأداء".




وبالمثال يتضح المقال:




إذا توفى حبيب أو قريب سارع أهله ورحمه "لإقامة العزاء"،فأعدوا المكان ورتبوا أنحاءه وأضاءوا جوانبه، وقد يمهدون الطريق ويوسعونه،ثم إنهم يدعون الأصدقاء والجيران فيدلونهم على العنوان ويخبرونهم بالموعد وبالزمان" ثم يأتى أولئك المدعوون "لأداء واجب العزاء".







إن الذين "أقاموا العزاء" هم أهل الميت الذين اكتووا بنار الفراق ولوعة المصيبة، هم المهمومون المحزونون؛ أول الحاضرين وآخر المنصرفين، هم المنفقون أموالهم الباذلون جهدهم،التاركون بيوتهم وأزواجهم وأموالهم، المشغولون بالمهمة حتى عن طعامهم وشرابهم وحتى لفت النبي صلى الله عليه وسلم أنظار إخوانهم إليهم فقال: "اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم مايشغلهم"، أما الذين أتوا "لإداء واجب العزاء": فحسب أحدهم أن يختار وقتا يناسبه قد خلا فيه من عمل يرتزق منه أو شغل يمس حاجة أهله وولده، ثم ينتقى ثيابا تناسب الحال والمقام، ثم ينطلق ليشد على أيدى الملتاعين ويدعو لميتهم بالرحمة والمغفرة، ويمكث هناك يسيرا ينصت إلى صوت قارئ أو موعظة عالم، ثم يقوم مودعا أهل الميت، وهنا يكون قد "أدى واجب العزاء" فإذا عاد إلى بيته داعب امرأته وولده، وقد يصنع ذلك قبل "أداء واجب العزاء"، أما الذين "أقاموا العزاء" فلم ينصرفوا حتى انصرف الناس جميعا، ولولا أنهم "أقامواعزاء" ماكان بوسع الآخرين أن "يؤدوا واجب العزاء"، فلما عادوا إلى بيوتهم عادوا بهمهم وحزنهم، ولربما تبسم أحدهم فى وجه امرأته أو ولده إيناسا له بينما الألم يعصر قلبه ويمزق نفسه.







"إقامة" الصلاة تبدأ بإنشاء المسجد الذى يتسع للمصلين ولايضيق بهم، ثم فرشه وإضاءته وتطييبه، فتنشرح صدر داخله بطيب عرفه قبل أن انشراحه بلقاء ربه، ثم مؤذن ندى الصوت بعيد المدى؛ تسمعه فتطرب وتخشع فيشق عليك أن تنشغل بغيره فإذا انقضى الأذان كنت قد وقعت فى أسره، وكان قد استولى على زمام قلبك ولجام نفسك فساقك إلى المسجد سوقا وأحضرك إليه إحضارا، ثم إمام قارئ فقيه يقرأ القرآن غضاغضا ويتلوه عرضا عرضا، ثم خطيب فقيه أيضا يذكر الناس بما يصلح معاشهم ومعادهم، ثم دروس علم ومجالس فقه: تعلم الناس إسباغ الوضوء، وإحسان التطهر، وإتمام الركوع والسجود، وختام الصلاة بعد التسليم، وآداب المساجد، وأخلاق حلق الذكر، وحب القرآن، وتوقير العلماء، وسؤال الفقهاء، والاهتمام بالمسلمين، ومواساة المؤمنينن وإنصاف المظلومين، وإغاثة الملهوفين، والسعى على الأرملة والمسكين، ومجاهدة الظالمين، وإحقاق الحق وإن شق، وإبطال الباطل وإن دق، ثم دعوة الناس إلى هذه المساجد وتلك الصلوات وهاتيك المجالس حتى لايتخلف أحد ببيته عند النداء، ولا ينشغل رجل بماله عن يمين الإمام، ولا بجاهه عن أن يكون هو الإمام، وحتى تصير الصلاة محور حياتهم وأس اهتمامهم، وكل انتقاص من هذه الكمالات الذى ذكرت إنما هو نقص فى "إقامتها" وإن حسن أداء الفرائض، إن "إقامة الصلاة" هو فرض الكفاية الذي ينبغى أن تقوم به الأمة جمعاء فإذا تحقق فيها فبها ونعمت، وهى مثابة على ذلك، فإلم يتحقق فالإثم يلحقها جميعا: كل على قدر علمه وطاقته وفى حدود مسؤليته، أما "أداء الصلاة" فهو فرض العين الذى يأثم كل مسلم بتركه، وهو الذى يبدأ بالتكبير وينتهى بالتسليم، وقد "يؤدى" الرجل الصلاة أداء كاملا ،ولكن لازال بينه وبين "إقامتها" بون شاسع ومدى بعيد.







إن الصلاة دولة فيها كل معانى الدولة وعناصرها وأركانها فإذا "أقام" المسلمون الصلاة فقد أوشكوا أن "يقيموا" دولتهم، وإن لم يقيموها فقد انتقضوا دولتهم وإن أدوها، "فالإقامة" لايقابلها إلا "النقض"




والله من وراء القصد




هناك تعليق واحد:

أمل حمدي يقول...

جزاك الله الفردوس الأعلى و رفقة حبيبك وحبيبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم اللهم آمين