الخميس، فبراير 26، 2009

ليست كرامات وإنما إكراميات3 يجيب المضطر

ليست كرامات..... وإنما إكراميات -೩


"أمن يجيب المضطر إذا دعاه" سورة النمل آية 62


مكث أبى رحمه الله فى "طنطا" عاما، يسافر مساء كل خميس إلى "الإسكندرية" ليعود إلى "طنطا" ليلة السبت، حتى سئم -رحمه الله-.... سئم السفر..... والغربة..... والعزوبة.


اتفق أبى رحمه الله مع أمى على أن يستأجر لها غرفة رخيصة الثمن فى ضاحية من ضواحى "طنطا" لتقيم معه هناك.... وكانت.


عاشت أمى فى "كفرة هلال" مايقرب من عامين، وكان لها جيران من أهل "طنطا" لازالت تذكرهم بخير..... وتدمع عيناها عند ذكراهم.


حملت أمى حملها الثانى هناك... وجاء وقت الولادة....... وكان آخر يوم من شهر أغسطس،..... كان أبى رحمه الله قد تغلب على "نصف جنيه" بقى معه فى هذا اليوم الأخير من الشهر.... بعد محاولات عنيفة ومفاوضات قاسية مع الراتب.... لمدة شهر.

هم أبى رحمه الله بالخروج إلى وحدته العسكرية فى مدينة "طنطا" فأخبرته أمى أن آلام الوضع قد اشتدت.... وأنها قد اقتربت.

يقول أبى رحمه الله: ارتديت ملابسى العسكرية، وصليت ركعتى الحاجة، ثم طرقت باب جارتنا.... وتنحيت جانبا، فلما فتحت الباب ألقيت عليها السلام فردت ورحبت.... فأخبرتها أن جارتها قد ألم بها "وجع الولادة".... وأننى مضطر أن أذهب الآن إلى وحدتى العسكرية ولا أستطيع التخلف عن موعدى لأنهم هناك... "لايرحمون"



قالت المرأة: "توكل على الله يا ابوعلى، ربنا معانا ومعاها، إن شاء الله تيجى تلقاها قامت بالسلامة".

كان الوقت بعد الفجر..

يقول أبى رحمه الله: انطلقت أمشى فى الطريق، ولاأملك من الدنيا إلا هذا "النصف جنيه"، وأنا أقول لنفسى وأشكو لربى: ماذا أنا صانع، تركت المرأة بلا شىء..... لاأجرة القابلة.. ولا ثمن طعام تطهوه لهذه الوالدة... وليس فى البيت شىء سوى كسرات من الخبز... والملح... والزيت... والجبن القريش... والعسل الأسود.

يقول أبى رحمه الله: عرفت فى هذه اللحظة معنى الكرب، ورأيت لون الحياة الأسود، وتذوقت مرارة العجز، وشعرت بانكسار وذلة.... لم أر مثل ذلك فى حياتى...... وبينما أنا كذلك، والدمع يترقرق فى عينى.... إذ هبت نسمة هواء باردة..... كأنما كانت فى مكانى الذى أنا فيه..... لم تتجاوزه... ومع هذه النسمة أوراق تتطاير فى الهواء وتسقط حولى.... نظرت فيها فإذا هى عملات ورقية من فئة الشلن "الخمسة قروش"، والبريزة "العشرة فروش"، والربع جنيه "الخمسة وعشرين قرشا".

يقول أبى رحمه الله:

نظرت حولى فلم أر إنسانا... لا فى الشارع، ولا فى نافذة بيت أو شرفته.... حتى شرفات البيوت من حولى ونوافذها كلها مغلقة.... انحنيت أجمع الأوراق فى دائرة قطرها لا يزيد على المترين.... جمعت كل ما كان حولى من أوراق.... ثم وقفت أنظر فى دائرة أوسع... وألقيت ببصرى فى كل مكان فما رأيت إنسانا....... وقفت أعد المال.... ثلاثة جنيهات ونصف.... الحمد لله.... يكفى أجرة القابلة وثمن دجاجة للوالدة.... وغدا يأتى برزقه.


عاد أبى رحمه الله إلى البيت فطرق باب جارتنا..... فتحت الباب، وتأسفت... واعتذرت... وقالت: والله أنا فقط صليت الصبح بعد ما مشيت أنت... وكنت ذاهبة لتوى لأكون مع "أم على".
قال أبى رحمه الله: ليس من أجل هذا أتيت، ولكنى نسيت أن أترك لك أجرة القابلة وثمن دجاجة.... أما أنت فأجرك على الله.

قالت: وهل أنا إلا أختها..وهل أنت إلا أخى!

انطلق أبى رحمه الله مسرعا إلى وحدته العسكرية، وقضى هناك يومه وليلته، وعاد ظهر اليوم التالى.... ومعه راتب الشهر الجديد، ورزق المولود السعيد "مسعود".

كان ذلك سنة 1954

اللهم اغفر لأبى.... وارحمه.... وأكرم نزله... ووسع مدخله..... وأفسح له فى قبره.... وافتح له بابا إلى الجنة.



آميــــــــــــــــــــــــــــــــــن


السبت، فبراير 21، 2009

ليست كرامات وإنما إكراميات من حيث لاتعلمون

ليست كرامات..وإنما إكراميات -2

"ويرزقكم من حيث لاتعلمون"

كان أبى رحمه الله قد تزوج أمى وهو شاب صغير، وهى أيضا فتاة غضة..... هو فى العشرين، وهى فى الثامنة عشرة.......... وقضى ثلاثة أعوام بعد الزواج يعمل موظفا فى إحدى الشركات بعقد عمل مؤقت يجدد كل ستة أشهر........ وفى هذه الفترة أدرك أبى سن التجنيد الإجبارى، ولكنه ظل يسوف، ويتخلف يوما بعد يوم...... وشهرا بعد شهر...من أجل مسؤلية بيته..... حتى وجد نفسه يوما -وبدون مقدمات- أمام التجنيد.

سلم أمره لله... وسلمت أمى كذلك، وكان معها فى ذلك الوقت رضيعها ومولودها الأول "على"..... وكانت تسكن فى "بحرى" بالإسكندرية فى شقة داخلية بالدور الأرضى تطل على منور فسيح.

تم إلحاق أبى رحمه الله بقوات الأمن بمدينة "طنطا" محافظة الغربية.... وكان أبى رحمه الله يحافظ على الراتب الشهرى الذى يحصل عليه من الجيش بكل وسيلة حتى تنفق منه أمى على نفسها وولدها...وكان ذلك سنة 1953


ذات يوم وكانت أمى قد تفتت كبدها من الفول.... والعدس....... والعسل الأسود.... والجبن القريش.... قامت كعادنها كل صباح تفتح باب المنور لتهوية الشقة فاقتحمت أنفها رائحة........"بسترمة"...... إذ من عادة بعض الناس تحميرها مع البيض فى السمن فى وجبة الإفطار.

اشتاقت أمى الى"البسترمة".... وكتمت رغبتها فى نفسها.... وبينما هى كذلك سمعت صوت "على " يناغى فى فراشه... لقد استيقظ هو الآخر... أسرعت إليه لتقبله وتداعبه وماهى إلا لحظات حتى سمعت صوت ارتطام بالأرض.... فى المنور... أعادت "على" إلى فراشه وأسرعت نحو المنور.

تقول أمى: وجدتها لفافة ورق... ليس من جنس الورق الذى آلفه ولا هو من نوعية الورق الذى يلف فيه الباعة والبقالون مبيعلتهم.... تقول: فتحتها فإذا هى...... "بسترمة".


وجاء عيد الأضحى... وأبى هناك فى "الغربية"....وأمى ورضيعها فى "الأسكندرية".... وأهدتها أمها "جدتى" نصيبها من الأضحية....... تناولت أمى هديتها ودخلت إلى المطبخ.... فأوقدت......... وقطعت... وجهزت.. وأعدت.... وكانت قد واعدت أمها على الغداء.

تقول: واحترت ماذا أقدم لأمى عندما تأتى على الغداء؟!..... أقدم لها اللحم الذى أحضرته.... والمرق..... ثم لاشىء بعد ذلك!!....
لك الأمر يارب.
جاءت جدتى رحمها الله وقت الغداء و دقت الباب....... خرجت أمى لتفتح الباب لأمها فوجدت لفافة ضخمة ملقاة على الأرض فى " الصالة" ... أدخلتها المطبخ بسرعة ثم عادت لتفتح الباب لجدتى...... أدخلتها ورحبت بها.

عادت إلى المطبغ لترى ماشأن هذه اللفافة.... فإذا هو "رقاق باللحم".

أعدت أمى الطعام وقدمت اللحم .... والمرق.... والرقاق.

كان لأمى شقيقة ميسورة الحال تسكن قريبا منها اسمها "روح".......... نظرت جدتى إلى الرقاق وقالت لأمى: لقد أتيت لتوى من عند "روح" ورأيتها تصنع رقاقا بغير لحم ...... وأنت تعملين الرقاق باللحم؟!

تقول أمى: فما رددت ولا علقت ولكنى حمدت الله أنها لم تسألنى:

من أين لك هذا الرقاق؟!

*****************

اللهم اشف أمى


اللهم أذهب عنها الأمراض والأسقام والأوجاع والآلام


اللهم لاتردها إلى أرذل العمر


اللهم متعها بالعافية حتى تلقاك


ْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْْXXXXXXXXXXXX


الثلاثاء، فبراير 17، 2009

ليست كرامات وإنما إكراميات.1 المنبه والفاتحة

ليست كرامات ...وإنما إكراميات .-1-



1- "حتي تملوا"


هي جزء من حديث نبوي شريف كريم؛ علي صاحبه أتم الصلاة وأكمل التسليم.


"إ ن الله لا يمل حتي تملوا" متفق عليه.


ذلك أنه سبحانه كريم، لايمل من المغفرة طالما أنكم تستغفرون..... ولايمل من العطاء طالما أنكم تسألون...... ولا يمل من سماع دعائكم طالما أنكم تدعون... حتي تكونوا أنتم البادئين بالامتناع.


والناس تسأل ربها بحالها ومقالها: أما سؤال المقال فمثل أن تقول بلسانك متضرعا: "اللهم أني أسالك زوجة صالحة تعينني علي طاعتك وبر والدي"


وأما سؤال الحال فإ ن لسانك لا ينطق، ولكنك تندفع بعزيمة وهمة نحو هذا الهدف فتسأل وتتحري وتبحث.... وقد تعلق بالله قلبك وانقطع من الناس رجاؤك، وخلا من دنياهم أملك....... والعلماء يقولون:
دعاء الحال خير من دعاء المقال.


لما هم النمروذ بإلقاء إبراهيم عليه السلام في النار.... وأحضروا المنجنيق.......... ثم وضعوه فيه معقود اليدين والرجلين..... ثم رموه كما ترمي الحجارة.....جاءه جبريل- وإبراهيم يطير في الهواء في طريقه إلي المحرقة- فقال: يا إبراهيم، ألك حاجة؟، فقال إبراهيم: أما إليك فلا، قال: فسل ربك، فقال إبراهيم: علمه بحالي يغني عن سؤالي.
فكان الجواب: " قلنا يا نار كوني بردا وسلاما علي إبراهيم"سورة الأنبياء،الآية ೬೯


كنا صغارا، وكنا كثر، وكانت أمي حفظها الله توقظنا في أوقات مختلفة من الليل.... أو من النهار، كل حسب حاجته ورغبته... ومدرسته....... وكانت صاحبة أعباء كثيرة ومهام وفيرة تملأ عليها الليل والنهار.... وما شكت يوما..... عطاء بلا حدود.


كانت نحفظ مواعيد أعمالنا الراتبة أكثر مما نحفظها، وربما أخبرتها بموعد لى.... فأنساه ولاتزال هى تذكره.


كان صاحب الحاجة ربما قال لها: لاتنس ضبط المنبه! فتقول: إن شاء الله، وربما مر أحدنا فى الصباح على المنبه فأدرك أنه لم يضبط تلك اليلة؛ فيقول: ياأمى ...لقد نسيت أن تضبطى المنبه الليلةّ!....... فتقول: نعم، ولكن الله سلم....... لاتزيد. وربما ضبط أحدنا المنبه.. ودق جرسه... ثم لم يقم، حتى تكون هى توقظه،


ومرت السنون وصار كل منا رجلا......تحت يده امرأة... وعيال.


وذات يوم كنت أقرأ تفسير سورة الكهف فاستوقفنى هذا الكلام:


جاء رجل إلى عبدالله بن عباس رضى الله عنهما فقال: إنى أضمر أن أقوم فى ساعة من الليل فلاأقوم...... فقال له ابن عباس: إذا أتيت فراشك فاقرأ خواتيم سورة الكهف فإنك تقوم فى الساعة التى تريد. قال الرجل: ففعلت فوجدته كذلك.



فرحت كثيرا بهذا الكلام المبارك...... فلما لقيت أمى حفظها الله أخبرتها به.... وذكرتها أيام كانت توقظنا صغارا.... و"تضبط المنبه"، فقالت: سأخبرك بشىء كان خبيئة بينى وبين ربى.... أخبرك به الآن، قلت: وماهو؟!


قالت: أنا لم أكن أضبط "المنبه"
أنا كنت أضبط:الفاتحة"



قلت: كيف؟!
قالت: كنت أقرأ الفاتحة قبل أن أنام على الساعة التى أحب أن أقوم فيها.... فأقوم........ أربعين سنة..... ما أخلفتها ولا خالفتنى.


اللهم اشف أمى وارحمها
اللهم أذهب عنها الأمراض والأسقام والأوجاع والآلام
اللهم لا تردها إلى أرذل العمراللهم متعها بالعافية حتى تلقاك


قولوا: آمين


آمين...آمين.... آمين.

الخميس، فبراير 12، 2009

اليـــــــــــوم عـــــــيــــــــدهـــــــــا


اليـــــــــــوم عـــــــيــــــدهـــــــــا





من 12 فبراير 1988
إلى 12 فبراير 2009





في ناس كتير لها "قرون "

ونـــاس عمرها بالسنين

ونــاس أعمارها أنفاس

وناس تعد دقات القلوب

ونـــاس عايشة بالمقلوب




عـجــبــي



كل دقة فـى قلبي بتهنيك

وكل أنفاسي بتعيد عليك



كل سنة وإنت طيبة





الثلاثاء، فبراير 10، 2009

غربة والعــود أحمد 2 وطنك ليس هنا

غــــــــــــــــــــــــــــــربة...والعــــــــــــــــــــود أحمد 2



أيهــــــــــــــــا الغريــب


سارع بالرجوع..... وطنك ليس هنا.... وطنك هناك عند ربك، في الجنة الكبري والحديقة العظمي والبستان دائم الخضرة...... الذي أخرج منه آدم، وأهبطت منه حواء...... حيث كانت:
أول خطوة...... وأول سكني..... وأول ضمة...... وأول لقمة...... وأول بسمة...... وأول ضحكة..... وأول صحبة.... وأول فرحة..... كانت هناك .
أرسل إليه صا لح متاعك.... أقصد: صالح عملك..... واحلم بالبيت والقصر فيه،
شمر.... وأسرع إلي الله.... لاتتراجع..... لاتتوقف .... لاتلتفت...... وقل: لن يسبقني إلي الله أحد.... كن إن استطعت أول من يصل إلي الله.


الدنيا تعب ونصب، والآخرة راحة وسكن، فلا تحلم بالراحة في دارالتعب فتتهم بالجنون.
لقي رجل إبراهيم بن أدهم فقال: متي الراحة ؟ فأجاب إبراهيم: عندما تطأ بقدمك جنة ربك..... فقال الرجل: ليس عن هذا سألتك... إنما سألتك عن راحة الدنيا..... فقال إبراهيم:
" مجنون من طلب الراحة في الدنيا".


لما حضرت النبي صلي الله عليه وسلم الوفاة، وعاني سكرات الموت..... وفاطمة عندرأسه؛ فقالت: واكرب ابتاه!! فنظر إليها صلي الله عليه وسلم نظرة الأب الحانى الرحيم المحب المشفق ....... المودع، و قال: لا كرب علي أبيك بعد اليوم يا فاطمة.
نعم: الكرب هنا في دار الغربة.... واليوم يرجع إلي وطنه وأهله عند ربه في دار الفرح والسرور.



بلدك .....هناك، وطنك ..... هناك، إقامتك.... هناك.
أما هنا... وماأدراك ماهنا....... هنا الأسر..... هنا المر....هنا الصبر.

ولابد من حط الرحال يوما.... ولا مفر من الإياب وإن طال الغياب


" فيا خاطب الحسناء إن كنت راغبا..... فهذا زمان المهر فهو المقدم
وصم يومك الأدنى لعلك في غد ...... تفوز بعيد الفطر والناس صوم
وأقدم ولا تقنع بعيش منغص ....... فما فاز باللذات من ليس يقدم
وإن ضاقت الدنيا عليك بأسرها....... ولم يك فيها منزل لك يعلم

فحي على جنات عدن فإنها ..... منازلنا الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى ..... نعود إلى أوطاننا ونسلم
وقد زعموا أن الغريب إذا نأى ..... وشطت به أوطانه فهو مغرم

وأي اغتراب فوق غربتنا التي ..... لها أضحت الأعداء فينا تحكم
وحي على يوم المزيد الذي به.... زيارة رب العرش فاليوم موسم
وحي على واد هنالك أفيح.... وتربته من إذفر المسك أعظم
منابر من نور هناك وفضة ... ومن خالص العقيان لا تتقصم
وكثبان مسك قد جعلن مقاعدا..... لمن دون أصحاب المنابر يعلم
فبينا هموا في عيشهم وسرورهم..... وأرزاقهم تجري عليهم وتقسم
ذاهم بنور ساطع أشرقت له.... بأقطارها الجنات لا يتوهم
تجلى لهم رب السموات جهرة.... فيضحك فوق العرش ثم يكلم
سلام عليكم يسمعون جميعهم.... بآذانهم تسليمه إذ يسلم
يقول سلوني ما أشتهيتم فكل ما..... تريدون عندي إنني أنا أرحم
فقالوا جميعا نحن نسألك الرضا...... فأنت الذي تولى الجميل وترحم
فيعطيهم هذا ويشهد جميعهم.... عليه تعالى الله فالله أكرم
فيا بائعا هذا ببخس معجل... كأنك لا تدري بلى سوف تعلم
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة.... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

" من قصيدة لابن القيم أوردها فى كتابه: " حادى الأرواح إلى بلاد الأفراح"...بتصرف

سئل أبو حازم رضي الله عنه :
كيف القدوم غدا علي الله!! فقال:
أما المسئ ..............فكالعبد الآبق يؤتي به إلي سيده.
وأما المحسن .........فكالغائب يقدم علي أهله.


شمر......وتسابق..... ولاتلتفت...... وكن حريصا على السبق.
وردد في نفسك دائما:


ما أحلي الرجوع إليه
ما أحلي الرجوع إليه
ما أحلي الرجوع إليه

وليس البعير بأولى منك

الخميس، فبراير 05، 2009

غربة والعود أحمد 1 لحظة الرجوع

إهداء إلى :

كل من تجرع مرارة الغربة ... وذاق طعم الفراق ..






غـــــــــربة ..... والعـود أحـــــــمد (1 )





أوتي النبي صلي الله عليه وسلم جوامع الكلم، وترك لنا- صلي الله عليه وسلم- ثروة ضخمة من الأحاديث والسنن في الإيمانيات والمعتقدات وفي العبادات والمعاملات والأخلاق ....... ومن أروع ما ترك لنا- صلي الله عليه وسلم- تلك الأحاديث التي يضعك فيها النبي صلى الله عليه وسلم أمام نفسك أوأمام تجربة بشرية صرفة....... مر بها الناس فتذوقوا حلاوتها....أوتجرعوا مرارتها، فحكمواجميعا عليها حكما واحدا....... إنه صلي الله عليه وسلم فى هذا اللون من جوامع الكلم ... لا يأمرك ولا ينهاك ولا يحذرك، وإنما.... يضعك أمام نفسك.... وأمام التجربة.... ثم يدعك تتخذ القرار....

هو حديث متسلسل، ومفاده أن الرسول صلى الله عليه وسلم أداه بهيئة معينة، فيستحبون لراويه أن يؤديه بنفس الهيئة.

فعن ابن عمر رضى الله عنهما: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبى فقال:

" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " رواه البخارى


كم كنت أتمنى أن آخذ الآن بمنكبيك....... كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبى ابن عمر، وأن أهزك هذه الهزة الرفيقة........ والتى هى من لوازم الأخذ بالمنكبين.

هو...... لا يقول لك : اصنع كذا.... أو: اترك كذا.... أو: احذر من كذا.... ولكن لتقرر أنت بنفسك .

ماذا تأخذ....... وماذا تترك ؟!
ماذا تحذر...... وماذا تصنع ؟!


الغريب: في حلقه مرارة..... يقوم بها وتقعد معه.... تنام بعده وتصحو قبله.
قد يشارك الناس مرحهم...... وهم يظنون أنه مثلهم يتذوق حلاوة المرح!!! .... يبتسم والدمع في عينيه..... تنام الناس ملء أجفانها، وهو أيضا ينام ولكن.... من ألم السهد.... ومشقة السهر..... ومن تعب البدن بعد طول تقلب في الفراش.
الغريب:
في لوعة دونها لوعة اليتيم والأرملة والثكلي.....
إذ أن كل واحد من هؤلاء فقد واحدا.... أما الغريب فقد..... فقد الجميع...... فقد الوعاء الذي يحوي الجميع.
الغريب: كل همه...... الرجوع، وكل أمله.....العودة، وكل فكره....... الإياب، وإن لم يكن هناك مكسب غيره.


ولقد طوفت بالآفاق حتي رضيت من الغنيمة بالإياب


الغريب: جسده في دار غربته، أما القلب والعقل والفكر والحب والمشاعر والوجدان فهناك.... في الوطن .
نعم هناك... حيث كانت أول خطوة..... وأول سكني..... وأول ضمة...... وأول لقمة...... وأول بسمة...... وأول ضحكة..... وأول صحبة.... وأول فرحة..... كانت هناك.


نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ماالحب إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يألفه الفتي وحنينه دوما لأول منزل


الغريب في دار غربته: متقلل من المتاع، زاهد في الفراش، متخفف من الأحمال إلا بقدر مايقيم أوده ويلملم شمله ويقضي مأربه....... لكن هناك في الوطن.... هناك فاخر الأثاث والفرش والرياش؛ يبني البيت ويحلم هناك بالقصر.


يوم أن يحلم الغريب أن دار الغربة صارت وطنا .... يحكم عليه بالغباء ،
ويوم لا يكون عنده فرق بين دار الغربة والوطن يقولون: ليس عنده وفاء.


دخل رجل علي أبي الدرداء رضي الله عنه فنظر في أرجاء بيته فرأي متاعاً قليلاً وفراشاً حقيراً وأثاثاً بالياً ..... فقال: ألا تصلحون متاعكم ؟!
فقال أبو الدرداء رضى الله عنه : لنا دار أخري نرسل إليها صالح متاعنا. فقال الرجل: ولكن لابد لكم من متاع هاهنا. فقال أبو الدرداء رضى الله عنه: إن صاحب الدار لايدعنا فيه......... ففهم الرجل .
الغريب:
إذا قرر العودة لم يتراجع .... ولم يتوقف...... ولم يلتفت.... ولم يأبه.... وكلما اقتربت داره..... وحان قراره.... أسرع وانطلق...تسبقه إلي وطنه روحه.... وترنو هناك عيناه.... يود لو أنه في كل خطوة وضع قدمه عند منتهي بصره.

كنت في غربة من بعد غربة ، وكنت أذهب اتسوق وبصحبتى بعض أصدقائى..... فكنت كلما هممت بشراء شئ سألوني: هذا تستعمله هنا أم تأخذه معك هناك..... هذا يصلح هنا ولكن لايصلح هناك....... هذا يصلح هنا ويصلح هناك...... هذا لا يصلح هنا.... ولاهناك.

كان لنا جار من أهل البادية يقول لى
: كنا نركب البعير من الرياض إلي الإحساء لنحمل التمر من هناك، نقطع المسافة في سبعة عشر يوما ذهابا وفي خمسة عشر يوما إيابا...... ظننت أن الرجل نسي أوأ خطأ أو التبس عليه الأمر... فقلت مصححا: تقصد خمسة عشر يوما في الذهاب لأنه "فاضى " وسبعة عشر يوما في العودة لأنه "محمل "..... فقال الرجل بملء فيه وبرأسه وبسبابته: لا،.... يروح "فاضى" في سبعة عشر يوما، ويرجع "محمل " في خمسة عشر يوما،
ثم أضاف موضحا وشارحا: "البعير فرحان، يدري أنه راجع بلده، يكاد يطير، مايحب أن يقف ".

وهكذا الغريب........ أسعد لحظاته: لحظة الرجوع ..... وكل خطوة تقربه من وطنه هي خطوة سعادة وفرح.......... وليس البعير بأولي منك.



وللحديث بقية؛