الثلاثاء، فبراير 23، 2010

لماذا القرآن...3 توقير القرآن


علم توقير القرآن

.

.
وإذا كانت الغاية العظمى و النهاية القصوى لعلوم القرآن هي فهم القرآن؛ فإن أعظم علوم القرآن هو:


علم توقيرالقرآن وأهل القرآن وأمة القرآن، ذلك أن الفهم نعمة تامة ومنحة خاصة يمن الله بها على خاصته من خلقه و أصفيائه من أنبيائه ورسله.

.

قال تعالى:

( ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ) سورة الأنبياء

.

وكيف يمن الله بفهم كتابه والوقوف على أسراره على من لم يكن للقرآن في قلبه موضع؟؟!! وكيف يمنح كنوزه وعجائبه من لم يجعله في خير موضع؟؟!! وكيف ينشرح له صدر من لم يتناوله بأدب جم وخشوع تام؟!! أم كيف يؤتى حكمته من لم تدم معه صحبته كأ حسن ما تكون الصحة و أرفق ما تكون الرفقه؟؟!!
.
لذا وجب أن تكون البداية مع أدب حمله وأخلاقيات صحبته وفن توقيره و توقير أهله الذين هم أهل الله وخاصته.
.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن لله أهلين".
قا لوا: من هم يا رسول الله؟؟!!
قال: أهل القرآن, هم أهل الله وخاصته" صحيح الجامع
.
وقال صلى الله عليه وسلم:
"إن من إجلال الله تعالى: إكرام ذي الشيبه المسلم، وإكرام ذى السلطان المقسط، وإكرام حامل القرآن غير الغالي فيه و الجافي عنه ". أخرجه أبوداود عن أبى موسى الأشعرى
.
وإذا كان إجلال حامل القرآن ليس لأجل ذاته وشخصه، وإنما لأجل القرآن الذي يحمله؛ فإن إجلال الأمة التى أورثت القرآن يكون بالقيام بحقوقها وحمل همها والانشغال بقضاياها بالعمل الدؤوب لتوحيد صفها وجمع شملها والأخذ بيدها إلى الله، وكل ذلك من إجلال الله، وحق لمن فعل ذلك أن يمن الله عليه بفهم كتابه ومنحه كنوزه وأسراره، ولاحرج على فضل الله.
.
لقد استحق المسلمون أن يكونوا أصفياء الله من خلقه وعباده لوراثتهم هذا الكتاب على ما بهم من قصور وخلل:
.
قال تعالى:
"ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير" سورة فاطر
.
حتى الظالم لنفسه من أمة القرآن لم يستثن من الاصطفاء، ولم يحرم من الفضل الكبير، ودخل في زمرة الورثة فحق له أن ينال حظه من عناية إخوانه المسلمين وجهدهم وأن يأخذ قسطه من الذب عن عرضه والذود عن حماه، وإن ظلم نفسه.

لقد حفظ الله القرآن فى السطور مرسوما، وفي الصدور موسوما؛ لذا وجب توقيره من جهتيه:

فأما توقير سطوره فقد أشار القرآن إليه في قوله تعالى:
"إنه لقرآن كريم فى كتاب مكنون" سورة الواقعة.

.
وإن كانت الإشارة إلى القرآن مكتوبا في اللوح المحفوظ مكنونا في الملأ الأعلى؛ وهو هناك أبعد ما يكون عن مظنة الابتذال والإهمال إذ لا غبار هناك يعلوه ولا شياطين من إنس أو جن قد ينتهكون حرمته، ليس هناك إلا الكرام الكاتبون وإلا السفرة الكرام البررة وإلا المطهرون..... فإذا كان القرآن هناك مكنونا فالذي بين أيدينا أولى بالكن والصيانة.
.
لذا كرهوا تركه مفتوحا لئلا يكون عرضة لغبار متساقط أو ذباب متهافت... ناهيك عما في تركه مفتوحا دون قراءة أو تدبر ما يكون من مظنة الإهمال وقلة الاهتمام، وقد اعتاد الناس على جعل كل ماهو ثمين بعيدا عن كثرة التناول والابتذال، ودأبوا على حفظ كل ماهو نفيس فى جراب من داخل جراب.
.
كما أن من توقيره أن ينظر إليه على أنه كتاب هداية ورسالة رحمة؛ تقديسه طاعة وتوقيره عبادة، وقد وصفه الله بأنه كتاب عزيز وقرآن كريم وقرآن مجيد، وهذا يقتضى أن يظل مكنونا
مصونا، ومن هنا كره العلماء حمله إلى بلاد الكفار خشية أن تمسه إهانة أو يلحقه ضياع في نفس الوقت الذي لا يقوى صاحبه على دفع ذلك عنه إذ هو بغير قوة ولا سلطان أو ربما تأخذه الحمية فيؤذى بما لاطاقة له به.

.
وكرهوا أيضا تزيين الحوائط والجدران بآياته... وماذا بعد ذلك إلا النظر إلى آياته باعتبارها زينة؟؟!! فتضمحل فى النفس قيمته الربانية، فان أبدت إعجابا فهو إعجاب بالزينة وثناء على من صممها وأبدعها من البشر وقد لايحضره معنى الهداية وشعور القداسة.
.
وكرهوا أيضا كتابته بماء الذهب والفضة لأن قيمته عند ئذ تكون قيمة الذهب والفضة بينما هو كلام الله رب العالمين ولو أنفق ذهب الأرض وفضة الدنيا في سبيل حرف من حروفه لكان قليلا يسيرا.
.

وعليه فقد أصبح لزاما إن كنت للقرآن موقرا ألا تتركه مفتوحا في محراب مسجد أو قاعة درس أو حلقة علم إلا إذا كنت له تاليا، وأما ماعدا ذلك فضع علامة تدلك على موضع انتهاء قراءتك، ثم أغلقه، وارفعه عن كل ما يوطئ، ولا تضع فوقه كتابا غيره، ولا تتكئ عليه إذا سجدت، ولا تضعه بين فخذيك، ولا على شئ خلفك وقد أدرت له ظهرك، بل قم واستقبل موضعه بكل وجهك ثم ضعه هناك، واذهب بعدها حيث شئت.
.
أذكر أنى زرت يوما إدارة التعليم بمنطقة الدوادمى التابعة للرياض عاصمة السعوديين فرأيت في معرض أنشطة طلابها نموذجا لمصحف ضخم مفتوح على صفحتين متقابلتين من سورة الكهف كتبتا بخط يروعك جماله وبهاؤه، وهو نفس خط المصحف الذي يطبع في المدينة المنورة على صاحبها أكمل صلاة وأتم تسليم، ولكن هذا تقرؤه من بعد بعيد ومن الممكن أن يلتف حوله عشرون رجلا، وقد توسط المصحف سا حة المعرض بين عشرات الأعمال الفنية والزخارف الملونة واللوحات المخطوطة، والزائرون يتجولون بين ذلك كله.

لقيت مدير الإدارة، وكان رجلا وقورا إذا رأيته حسبته يخشى الله، صافحنى ورحب بى ثم سألنى:
ما رأيك في معرضنا هذا؟؟!!
قلت:
هو طيب ومبارك إن شاء الله، لولا هذا المصحف الذي يتوسطه.
قال:
وأى عيب في وجوده ؟؟!!
قلت:
أليس عرضة للغبار المتساقط والحشرات الطائرة والزاحفة؟؟!!
أو ليست إدارتكم هذه ملأى بعمال من الهندوس والنصارى والبوذيين؟؟!!
أو تأمن ألا يمر أحدهم فيتفل فيه أو يبصق عليه أو يلقى عليه شيئا من النجاسات؟؟!!
إن ترك المصحف مفتوحا ابتذال له أيما ابتذال وتعريض له للإهانة والاحتقار.

بدت على وجه الرجل علامات الدهشة والاستغراب، ولكنى أدركت أنه اقتنع بما قلت، وتوقعت أن شبئا من ذلك سوف يتغير.

قام الرجل بواجب الضيافة، و شكرته واستأذنت في الانصراف فقام مودعا لي وشاكرا.

مررت بمعرض الإدارة بعد يومين فلم أر هذا المصحف بين معروضاتها فأيقنت أن الرجل قد رفعه صيانة له وتقديرا.... حمدت الله كثيرا أن الرجل كان عند حسن ظنى به وأنه كما توقعت وحسبت يخشى الله.
....

...
وللقرآن المقرور في الصدور توقير آخر هو غاية كل توقير ومنتهى كل العلوم والمعارف، لاتبلغ السطور قدره وليس للأقلام على وصفة قدرة، فما كان لقلب اتسع للقرآن أن يتسع لغيره، وما كان لصدر شرحه القرآن أن ينشرح بغيره, ليس شرعا فقط، وإنما قدرا وكونا.... إذ:

"ما جعل الله الرجل من قلبين في جوفه" سورة الأحزاب
.
وعلامة ذلك ألا تنافسه الدنيا ولاتزاحمه شهواتها، وأقل ذلك وأدناه خلو المعدة من فضول الطعام و الشراب معنى و مبنى....
.
فأما المعنى: فانصراف النفس إلى ألوان مخصوصة وطعوم مرصوصة تقضى الوقت الطويل والزمن النفيس في تمليحها وتقزيحها، لتعود بعده إلى ما صارت إليه الحثالات.

.


وأما المبنى فلا يزيد عن الثلث إن كان لابد آكلا، وإن كفته اللقيمات وأقمن صلبه فليس له أن يستزيد

قال تعالى:

"وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" سورة الأعراف
.
ومن واجباته أيضا إمساك اللسان عن فضل الكلام، ناهيك عن غيبة أونم... ثم العزوف عن فضل راحة أونوم، قال تعالى:

"تتجافى جنوبهم عن المضاجع" سورة السجدة
.
إن صوت القاري عند التلاوة ما هو إلا حشد لأصوات أنغام ربانية وألحان إلهية دونها أنغام الوتريات وصفير النفخيات وإيقاع الدفوف وكلها آلات يشترط لكمال أدائها وتمام حسنها خلو جوفها وفراغ بطونها.... هنا يستساغ رنينها وتنسجم إيقاعاتها وتطرب النفس لسماعها.... وكذلك صوت قارئ القرآن.... كلما خلا بطنه وتحقق فراغ جوفه انسجمت الآيات في منطقه وتسلسلت حروفها في مخارجها تسلسل الؤلؤ والمرجان فى معاقدها....
.
وإذا كان خلو البطن وفراغ الجوف ضرورة فإن خلو الذمة من حقوق الخلق واجب وفريضة لا يسع صاحب القران إهماله ولا يسمح له بتجاوزه وإلا وقع في المحظور:
.

.

.

.
قال أنس بن مالك رضى الله عنه:

"رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه"

.


.


.



والله من وراء القصد



الأحد، فبراير 14، 2010

لماذا القرأن...2 القرآن أولا

لماذا القرآن .. والقرآن أولاً
.

.
"لا تكتبوا عني غير القرآن ... ومن كتب غير القرآن فليمحه".. حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم عن أبى سعيد الخدرى

.

.
ترى أي أمر جلل جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينهى أصحابه وأتباعه عن كتابة شيء يقوله سوى القرآن، وأي خطب دعاه أن يأمرهم بمحو ما كتبوه من حديثه إليهم سوى ماكان قرآنا!!! .. ترى ما الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم من وجوب تفردهم للقرآن ..... وماذا وراء انفراد القرآن بهم ؟!!!!..
.

.
هكذا خاطب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأتباعه في بداية الرسالة، وقد ظل هذا النهي عن كتابة شيء من حديثه سوى القرآن وذلك الأمر بمحو ماكتبوه مالم يكن قرآنا ..... ظل ماضيا طوال الفترة المكية وزمناً من العهد المدني.

هل أراد النبي صلى الله عليه وسلم ألا يختلط القرآن -وهو كلام الله المعجز- بكلامه صلى الله عليه وسلم وهو قول بشر؟؟!! .... وماذا بعد الخلط إلا ضياع التميز القرآني وفقد إعجازه ومن ثم عدم نهوضه للتحدي ثم اندراس النبوة وفقدان الرسالة.!!
.

.
أم أنه أراد أن يتعلقوا بالله منذ البداية وليس ببشر ولو كان هو محمد صلى الله عليه وسلم؟!
.

.
أم أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن ينشأ أصحابه على حب القرآن وحده والتعلق به دون ما سواه.... وأن يكونوا من خلال القرآن على علاقة مباشرة بالله تعالى وكأنه سبحانه يحدثهم ويحدثونه فيعلمون أنهم عبيده وحده وأنهم جميعاً رسل الله إلى خلقه، وأن وساطة النبي صلى الله عليه وسلم هي وساطة التبليغ وحده وليست وساطة العلاقة والاتصال....!!! وإلا فما الذي دعا ربعي بن عامر أن يخاطب رستم قائلاً "الله ابتعثنا" وقد كان بإمكانه أن يذكر أن قائده سعد بن أبي وقاص انتدبه أو أن عمر أمير المؤمنين أرسله أو أنه ينفذ تعليمات محمد صلى الله عليه وسلم وهو في ذلك كله صادق غير كاذب !!!ّ
.

.
أم أنه صلى الله عليه وسلم أراد- والصحب الكرام في بداية عهدهم بالإسلام- ألا يشوش عليهم حلاوة القرآن وجمال التلاوة وسمو المعاني القرآنية بكلامه صلى الله عليه وسلم وإن جمع البلاغة من أطرافها والفصاحة من بطونها وظهورها إلا أنه إذا قورن بالقرآن فقد كل ماله من جمال فصيح وحلاوة بليغة.
.

.
أم أنه صلى الله عليه وسلم أراد لهم أن يتعرفوا على ربهم من كلامه وأن يتعرفوا على ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر من حديثه سبحانه وأن يتعرفوا على أصل خلقتهم وبداية فطرتهم ثم تسلسلهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم بقدرة فائقة وحكمة بالغة من خلال وصف القرآن المعجز وحديثه المبهر الذي لا تمله الآذان ولاتسأمه القلوب؟؟!!.
.

.


أم أنه صلى الله عليه وسلم أراد لهم أن يتعرفوا على سنن الله في خلقه وقوانينه في الكون والحياة وأن يتأملوا متعمقين ويتفكروا متدبرين في قطعيات القرآن الجازمة والتي تضبط حركة الإنسان وتحقق استقامة الحياة وتحدث توازناً بين الإنسان وسائر الكائنات وانسجاماً بين المرء والقدر وتجانساً بين الناس على اختلاف بينهم في دين أو جنس أو لغة أو لون.
.

.


أو أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن تتوحد مشاعرهم وأن تتآلف قلوبهم، وقد أتوا من قبائل شتى ومن عشائر متفرقة قد اختلفت لهجاتهم وتباينت طبائعهم وعاداتهم..... فيهم القرشي الشريف والحبشي الرقيق والرومي الغريب ..... فأراد صلى الله عليه وسلم أن يجمعهم على ذلك الدستور الإلهي وأن يكون خطابهم ببيان رباني ترتفع عنه شبهات البشر وآفات المخلوقين وإن كان هو صلى الله عليه وسلم فوق الشبهات وقد عصمه الله من جميع الآفات.
.

.


أم أنه صلى الله عليه وسلم أراد توحيد مصدر ثقافتهم وغذاء فكرتهم فإن وحدة الثقافة والفكر هي أصل ألفة القلوب ووحدة الشعوب؟؟!!
.

.


تستطيع أن تطلق لفكرك العنان... وأن تحرر خيالك من وثاقه لتفترض الكثير من المبررات والدوافع التي حدت بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يحمل أصحابه طوال ما يزيد على عقد كامل من السنين ألا يكتبوا حديثه ولايدونوا كلامه بل وأن يمحو أحدهم شيئاً من ذلك كان قد كتبه.
.

.


"لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن .. ومن كتب غير القرآن فليمحه"
.

.


وقد تختلف وجهات نظرنا ويرى كل ناظر أن فكرته أقوى وأن المبرر الذي ارتآه أولى وأجدى ، ولكننا لا نختلف أنه المنهج السليم في التربية والطريقة الحكيمة في النهوض بالأمة لا سيما وهي تخطو خطواتها الأولى نحو الحضارة بكل معانيها ومقاييسها.
.

.


إن من أعظم الأخطاء التي يقع فيها القائمون على العملية التربوية في زمن الصحوة أنهم يبدأون مع أبنائها من أقوال الرجال وآراء الزعماء واختلافات الفقهاء قبل أن يتحقق انتماؤهم إلى القرآن فيثقون بإعجازه ويتقنون تلاوته ويتذوقون فصاحته فيتغنون به بالليل ويترنمون به بالنهار ثم يميزون بين محكمه فيعملون به ويلتقون حوله.... وبين متشابهه فيؤمنون به ويدعونه مجالاً لعمل العقول واجتهادات المجتهدين من غير أن يؤثر ذلك على وحدة الصف أو اطمئنان القلب.
.

.


أو أنهم يضخمون دراسة السنة ومتون الأحاديث وعلوم الرجال ومناهج الجرح والتعديل.... فيكون لها نصيب الأسد من ساعات الدراسة ومن أوقات البحث والتدقيق ..... كل ذلك قبل استيعاب عموميات القرآن الكريم والوقوف على قطعياته والتي ينبغى فهم السنة في إطارها.... فإن السنة وإن كانت شرحاً وبياناً للقرآن إلا أنها ينبغي أن تفهم في إطار القرآن وحدوده وكل فهم للسنة أو تطبيق لها يتعارض مع قطعي القرآن الحازم ومع محكمه الجازم فهو فهم أخرق وتطبيق أحمق دافعه الهوى المحبط أو الجهل المطبق أو ما بينهما من جبن مقعد أو شح مثبط.

.


.




والله من وراء القصد




الخميس، فبراير 04، 2010

لماذ القرآن !!!؟؟الأميون

لماذا القرآن...!!؟

.


الأميون

.

.

لم يكن للعرب قبل القرآن كتاب, فكانوا أمة أمية... وإن كان فيهم من يعرف القراءة ويحسن الكتابه؛ فلم تكن أميتهم جهلا بالقراءة والكتابة مطلقا وإنما كانت جهلا بقراءة مخصوصة وكتابة مخصوصة: إلا وهى الجهل بقراءة الوحى الإلهى وكتابته أو قل إن شئت: إنها الجهل بطرائق الهداية الربانية وسبل الرشاد النبوية.
.

.
كان رسل كسرى وقيصر يحملون رسائل ملوكهم الى العرب، وكانت قريش تكتب إليهم فيحمل سفراؤها كتبها إليهم، وكان ورقة بن نوفل يكتب التوراة والإنجيل بالعربية من العبرانية، وكان للنبى صلى الله عليه وسلم كتاب يكتبون ما أوحاه الله إليه من القرآن؛ بلغ عددهم أربعين كاتبا، ولولا أنهم كان فيهم قارئون وكاتبون ما نهاهم النبى صلى الله عليه وسلم عن كتابة شئ غير القرآن فقال:
" لا تكتبوا عنى شيئا غير القرآن ومن كتب شيئا غير القرآن فليمحه" رواه مسلم.
.
نعم؛ كان فيهم قارئون وكاتبون... فلما وصفهم القرآن بالأميين لم يستثن منهم أحدا، ولم يقل القارئون والكاتبون فى ذلك الزمان البعيد أننا بريئون من هذا الوصف خارجون عن تلك السمة.
.

.
حدد القرآن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم:
.
" هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين " الجمعة 2
.
فوصفهم جميعا بالأميين؛ وهى انقطاعهم عن كتاب يهتدون به وخلوهم من رسول يقتدون به ثم ذكر المنة العظمى والنعمة الكبرى فلم تكن هى تعليمهم القراءة والكتابة، وما كان ذلك فى إمكانه صلى الله عليه وسلم وإن كانت هى إحدى وسائل الهداية التى لا يستغنى عنها، وإنما كانت المنة هى تلاوة الآيات على أسماعهم، وكانت النعمة هى تزكية قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وتعليمهم ما فى هذا الكتاب من واجبات مفروضة وفطرة مرغوبة وسنة محبوبة.
.

.
كان اليهود والنصارى أهل كتاب؛ يقرءون التوراة والإنجيل فيحرفونهما، ويكتبونهما فيبدلون ويغيرون، وكانوا يستحلون أموال العرب الأميين ويعتبرون خيانتهم قربة وخداعهم دينا :
.
" ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا مادمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا فى الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون" ال عمران 75
.
لم يكونوا يعنون أبدا بالأميين الذين يجهلون القراءة والكتابة ولم يعرف أنهم عقدوا امتحانات وأجروا اختبارات ليضعوا هؤلاء الأميين الذين يجهلون القراءة والكتابة فى خانة مهضومى الحقوق الذين يحل أكل أموالهم ونهب ثرواتهم والكذب عليهم والتغرير بهم، إنما قصدوا بذلك كل العرب الذين لا رسالة لديهم يهتدون بها ولا كتاب يرجعون إليه فكانوا هم الأميين بحق...
.

.
وكان من أهل الكتاب طائفة من الأحبار والرهبان قد علموا التوراة والإنجيل وفهموا مرامى الكتابين وأهدافهما وما فيهما من خير وحق وهداية ورشاد مما لا يوافق نواياهم الخبيثة وطواياهم الماكرة فانطلقوا يحرفون ويبدلون ويغيرون
"أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون...." البقرة75
" فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ..." البقرة79

.

وكانت هناك طائفة أخرى من أهل الكتاب لا تحفل بكتابها ولا يعنيها ما يصنع هؤلاء المزورون فعاشوا مهمشين يكتفون بما يلقيه إليهم أحبارهم ورهبانهم من تعليمات وما يأمرونهم به من طقوس من غير أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتدقيق والمراجعة، وهؤلاء ذكرهم القرآن ونعى عليهم موقفهم السلبى:
.
"ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانى وإن هم إلا يظنون" البقرة 78
.
فانظر كيف وصفهم بأنهم "أميون"؟؟!! ثم فسرها بقوله: "لا يعلمون الكتاب" فلربما قرأوا ودرسوا وفهموا وكتبوا علوما أخرى أو جهلوا ذلك كله ليس هذا موضوعهم، وإنما موضوعهم أنهم جهلوا الكتاب فأداروا له ظهورهم وصرفوا عنه همومهم واكتفوا بما ألقاه إليهم أحبارهم ورهبانهم من تعليمات أملاها عليهم الهوى وطقوس حملهم عليها شهوات نفوسهم واستعباد رؤسائهم واتخاذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، فكانت الأمية الحقيقية هى الجهل بالكتاب وترك تعلمه وعدم الوقوف عند نصوصه وحروفه – وكم من المسلمين اليوم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانى وإن زينوا بآياته جدران بيوتهم وحوائط مساجدهم وربما حلىَ نسائهم.
.
أرسل الله رسوله إلى الناس كافة؛ عربهم وعجمهم وأحمرهم وأسودهم، من كان عنده كتاب وسبق أن بعث فيهم نبى أو حرموا ذلك... وأمره بأن يدعوا الفريقين للإسلام فقال:
.
"وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ" آل عمران20

.
ففريق عنده كتاب سابق وجب عليه طى كتابه واتباع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مصدقا لما عنده، وفريق ليس عنده كتاب سابق وجب عليه أيضا أن يتبع هذا الهدى... ولا ثالث لهذين الفريقين- والذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى، والأميون هم كل من عداهم ممن لا يهتدى بكتاب ولا يقتدى برسول.
.
نعم: وصف القرآن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه:
.
" الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل" الأعراف 157
وقال:
"فأمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته" الأعراف 158
.
ذلك أن الأنبياء الذين تتابعوا على بنى إسرائيل كانوا يهتدون بالتوراة ويقتدون بموسى، وليس كذلك النبى محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لم يسبق له قراءة أحد الكتابين أو كليهما فتلك أميته صلى الله عليه وسلم وسر معجزته ودلاله نبوته.... وإلا فمن أين له كتاب يصدق ما فى الكتابين!!
.
وأيضا قال صلى الله عليه وسلم: "إنى أرسلت إلى أمة أميه لم تقرأ كتابا" وهو لا يزال يدور حول المعنى ذاته، فالمقصود أنها لم تقرأ كتابا سماويا ولم تتعرف على وحى إلهى، ذلك أن كلمة "الكتاب" عند العرب لم تكن تعنى إلا هذا الكتاب..... لذلك سمى القرآن هؤلاء الذين حازوا هذا الفضل ونالوا ذلك الشرف سماهم "الذين أوتوا الكتاب" وسماهم "أهل الكتاب" وسماهم "الذين أوتوا العلم"، فلم يكن عند العرب كتاب فى الطب أو فى القانون ولم يكن عندهم مرجع فى الفلك أو قراطيس تذكر المنطق والفلسفة.
.
وأيضا قال صلى الله عليه وسلم: "نحن أمة أمية لا نحسب" وهى أمية خاصة تتعلق بعدم معرفة الحساب فى ذلك الوقت... والتى انتفت بعد ذلك عن الأمة فنزلت آيات المواريث تذكر النصف والربع والثمن والسدس والثلث والثلثين وما تفرع عن هذا العلم من عول ورد وتصحيح......, وكل من جهل علما فهو أمى بالنسبة لهذا العلم وأن برع فى غيره. فعالم بالطب أمى فى علوم النجوم، وعالم بالفقه أمى فى علوم البحار، وعالم فى الكائنات أمى فى الرياضيات.
.
ذلك أن الأمى منسوب الى الأم؛ بمعنى أنه على حاله التى خرج عليها من بطن أمه إذ يخرج لا علم عنده فإذا استفاد العلوم وتقلب فى مدارج الفنون زالت عنه الأمية فى كل علم تعلمه وفى كل فن ارتقى فى مدارجه وظل أميا فى كل فن جهله وفى كل علم غابت عنه معالمه فإذا عرف ربه فشكر له فى النعماء، وصبر له فى الضراء، وعبده فلم يشرك به شيئا، وأحسن إلى خلقه، فقد زالت عنه الأمية إذ تلك هى غاية كل العلوم.... وإن لم يكن كذلك بقى أميا وإن طال عمره وكثر ماله وولده.
.

" والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون" النحل78

.

.