الخميس، سبتمبر 29، 2011

لماذا القرآن....ورد التدبر.11 أسرار التراكيب













لماذا القرآن..... 11









معرفة بعض أسرار التراكيب العربية





****الحذف:









قال تعالى:





"إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" سورة فصلت





إنك إذا تأملت الآية لتبحث عن "خبر": "الذين كفروا بالذكر" فلن تعثر عليه، وهو مايعرف بحذف الخبر، قد يكون محذوفا للعلم به، أو لدلالة السياق عليه، أو للتهويل: إذ هو أعظم من أن يوصف، وأضخم من أن يذكر،فهو: لظى وسعير وزقوم، وماء صديد، ومطارق من حديد. إنه يمنحك الفرصة لتتخيله بنفسك، فيكون أدعى لحضور صورته ذهنيا، وثبوت استحقاقهم له عقلا وشرعا.









قال تعالى:





"ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا" سورة الرعد





إنه يفترض أن كلاما مكتوبا و كتابا مقروءا يسير الجبال ويقطع الأرض ويكلم الموتى، ثم لا يدلك أى كتاب هو؟! لتعمل فكرك، وتقدح ذهنك، ولترى بعينى بصيرتك أنه هذا القرآن، وذلك أثبت للمعنى وأنضج للفكرة من أن يدلك عليها أول وهلة. فلهذا حذف جواب أداة الشرط: "لو"





لقد أودع الله فى هذا القرآن قوة هى قوة الله، وقدرة هى قدرة الله، وسلطانا هو سلطان الله؛ لكنه سبحانه لم يشأ أن يجعل ذلك كله فاعلا فى الجمادات، ولا فى سائر الدواب ، وإنما جعله فاعلا فى قلوب بنى آدم ونفوسهم عندما يختارون فاعليته ويرضخون لسلطانه ويرغبون أن يقهروا تحت قدرته، عندئذ يمنحهم القوة التى تسير الجبال، والسلطان الذى يقطع الأرض، والهداية التى تحيي القلوب. عندئذ تكون قوة الله وقدرته هى التى تعمل فى الواقع ولكن من خلالهم، إنها القدرة تستتر بأمثال هؤلاء، فالواحد منهم كما قال قائلهم : يستر القدرة ويأخذ الأجرة.









****النكرة والمعرفة









يأتى التنكير للتعظيم أو للتحقير:









"ولتجدنهم أحرص الناس على حياة" سورة البقرة





"ولكم فى القصاص حياة" سورة البقرة













لقد وردت كلمة: "حياة" فى الآيتين نكرة، ولكن شتان بين حياتين: فهى فى الأولى حياة حقيرة ذليلة يحرص عليها اليهود ويودونها بأى ثمن، وفى الأخرى حياة كريمة تتهيأ للأمة من خلال إقامة القصاص؛ إذ يقتل القاتل فينتفى الثأر، ويعتبر مريد القتل فيكف؛ يدرك ذلك من السياق؛ إذ الحرص على الحياة لا يعقبه قط إلا المهانة، وإقامة الشرع لاتنتهى إلا إلى عزة و كرامة





*************************





إذا وردت الكلمة نكرة ثم أعيد ذكرها فى السياق نكرة فالأخرى غير الأولى، فإذا أعيدت معرفة ب: "ال" فهى هى:





"وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا" سورة مريم





"والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا " سورة مريم





التسليم الأول كان تسليما من الله على يحيى، ورد نكرة لإفادة التعظيم، فلما أعيد معرفا ب: "ال" تبين أنه نفس سلام الله الذى سلمه على يحيى؛ أخبر المسيح عيسى بن مريم أن الله سلمه عليه، لكن الأول كان إخبارا من الله لنا، والثانى كان وحيا من الله إلى المسيح عيسى بن مريم أخبرنا به المسيح عليه السلام.





"إن مع العسر يسرا* إن مع العسر يسرا". سورة الشرح





جاء كلمة: "العسر" معرفة ب: "ال" فى الآيتين فهو عسر واحد وجاءت كلمة: "يسر" فى الآيتين نكرة فدلت على أن الأولى غير الآخرة، فهما يسران مختلفان، لذلك قال الصحابة رضوان الله عليهم عندما سمعوهما: "لن يغلب عسر يسرين".





كم من اليسر حولنا، واليسر أصل المعايش، بينما العسر طارئ، ولكن بعض النفوس لاترى إلا العسر؛ والسر فى ذلك أنها جبلت على النظر إلى من فوقها مالا ووجاهة وسلطانا، وحرمت من أن تنظر إلى من هو دونها حظا وقسما، والسعيد من رأى اليسر كلما عسر، والموفقون لا يرون العسر ابتداء، فقد علموا أنه سبحانه إذا منع فهو عين العطاء، وأنه لا يقدر إلا الخير، ولا يقضى إلا بالحق.





فإذا أضفت إليهما:





"سيجعل الله بعد عسر يسرا" سورة الطلاق





أدركت أن كل عسر مرهون بثلاثة أيسار: اثنان معه وفى ذات وقته، وواحد بعده، فأنى لعسر أن ينال من مؤمن؛ إلا إذا كانت كبوة يرجى له بعدها النهوض والقيام.









"لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما*إلا قيلا سلاما سلاما" سورة الواقعة





إن القرآن ينقل لنا مشهدا من الجنة صوتا وصورة: أما الصوت ففهم من قوله: "يسمعون"، وأما الصورة ففهمت من التكرار: "سلاما سلاما"، إذ الأولى غير الآخرة، فلربما كانت الأولى سلاما من الملائكة، فبينما يسمعون السلام إذ دخل فريق من ملائكة آخرين فسلموا: "والملائكة يدخلون عليهم من كل باب *سلام عليكم بما صبرتم" سورة الرعد، أو أن السلام الأول من الملائكة والآخر من الله: "سلام قولا من رب رحيم" سورة يس، أو أنها فرق المؤمنين يتوافد بعضها على بعض يتزاورون فيسلم هؤلاء ثم يأتى غيرهم فيسلمون: "وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون" سورة الطور. فإذا أصوات التسليم تتردد فى أرجاء الجنة يمنة ويسرة؛ فسلام المؤمنين بعضهم على بعض، وسلام الملائكة على المؤمنين، ثم سلام الله عليهم أجمعين.









****صيغ تصريفات الأفعال





حتى صيغ تصريفات الأفعال في لغتنا الجميلة لها مدلولاتها!!





فالفعل الثلاثى اللازم يصير متعديا بالهمز أو بالتضعيف، فتقول: نزل الماء؛ أى بنفسه، وتقول: أنزل الله الماء أو نزل الله الماء؛ فلم ينزل بنفسه حتى كان الله هو الذى أنزله أو نزله، لكن بين "نزل" –بالتضعيف- و "أنزل" فرق كبير، فكل فعل تعدى بالهمز أفاد حدوثه مرة، بينما كل فعل تعدى بالتضعيف أفاد تكرار حدوثه.





تجد فى القرآن: "كتاب أنزلناه إليك" سورة ص، وتجد "نزل عليك الكتاب بالحق وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس"سورة آل عمران، فعند الحديث عن القرآن تجد: "نزل" بالتضعيف و "أنزل" بالهمز، فإذا كان الحديث عن التوراة أو الإنجيل لم تر إلا: " أنزل". ذلك أن التوراة والإنجيل أنزل كل منهما نزولا واحدا غير منجم أى غير مفرق، أما القرآن فكان له نزول سماوى من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وهو المتحدث عنه ب: "أنزل" إذ نزل كاملا دفعة واحدة، وله نزول آخر وهو نزول جبريل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم منجما مفرقا حسب الحوادث والنوازل وهو المتحدث عنه ب: "نزل" بالتضعيف.





والآن تدبر هذه الآيات:





"نزل عليك الكتاب بالحق وأنزل التوراة والإنجيل"سورة آل عمران





"ياأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل" سورة النساء





"وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا" سورة الإسراء





"قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق......." سورة البقرة





"إنا أنزلناه فى ليلة القدر" سورة القدر





"إنا أنزلناه فى ليلة مباركة "سورة الدخان





"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"سورة الحجر













وللحديث بقية













والله من وراء القصد

الثلاثاء، سبتمبر 27، 2011

لماذا القرآن....ورد التدبر 10 معانى المفردات

ورد التدبر......2






كل كلمة فى العربية وضعت لمعنى، وصيغت لمدلول لا يدل عليه غيرها، وقد تعبر الكلمتان عن مدلول واحد فتكون هذه لقبيلة وتلك لأخرى وهو الترادف، أو تحمل الكلمة معني عند هؤلاء وآخر عند غيرهم فيكون الاشتراك؛ لكن لاترادف ولا اشتراك عند قوم بعينهم.





إن الكلمة فى العربية ليست مجرد حروف تستطيع أن تستبدلها بغيرها، وإنما هى تعبير عن حدث يستغرق الزمان والمكان والأشياء، إنها صوت تسمعه يسرى فى وجدانك، وصورة تراها تتخلل مشاعرك؛ إن الكلمة فى العربية تحكى مشهدا أوتقص قصة أو تروى رواية، تكاد من خلالها تسمع وقع الأقدام وصليل السيوف وخرير الماء، بل تكاد ترى حبات العرق على الجبين، أو دم المخاض يسبق الجنين؛ وإلا فلم اقشعر بدنك ولان قلبك و دمعت عيناك؟؟!!ألكلمة قيلت!! أم لمشهد تراه و تسمعه !!









****النبط:





الماء الذي ينبط من قعر البئر إذا حفرت، ويستنبطونه: يستخرجونه، وأصله من النبط وهو الماء الذي يخرج من البئر أول ما تحفر،





الاستنباط:





هو حفر البئر للحصول على الماء بعد حاجة الناس إليه، وأول ماء حصل عليه بعد الحفر هو: الماء المستنبط - بفتح الباء-، والذى حفر البئر وأخرج الماء هو: المستنبط - بكسر الباء -.





فإذا تم الحفر واستنبط الماء ورأى الناس صلاحه ووفرته هرعوا إلى دلائهم فأخذوا من الماء حوائجهم، فهم يستخرجون الماء ولا يستنبطونه؛ لكنهم على أية حال سعداء: المستبط المكدود الباذل جهده؛ لأنه تسبب فى رى ظمئهم وبل ريقهم، والمستخرج المعوز القاضى حاجته، وهم شاكرون لفضله مقدرون لجهده.





استعار القرآن هذه الكلمة للتعبير عن استخراج الأحكام من القرآن والسنة عند حاجة الناس إليها: "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" سورة النساء





فانظر إلى كلمة: "يستنبطونه" كيف صورت حاجة الناس إلى معرفة الأحكام فى النازلة، وجهد العلماء فى استباط الأحكام، وفرح الناس برفع الحرج عنهم ببركة هذا الجهد، ثم وجوب شكر العلماء والاعتراف لهم بالفضل إزاء مايبذلون.









ابتدع الأطباء الغربيون طريقة لمعالجة النساء اللاتي لايحملن لعيوب فى أرحامهن: تؤخذ نطفة الرجل وبويضة امرأته فتتلاقحان، ثم تزرع المشيجة فى رحم امرأة أخرى مقابل مال يؤدى إليها، وهو ماعرف بتأجير الأرحام.





هنالك برز سؤال احتار الناس فى الإجابة عليه: لأى من المرأتين ينسب هذا المولود؟؟!! ومن أمه؟؟ أصاحبة البويضة!! أم التى حملته فى بطنها، ثم ولدته واستهل منها صارخا؟؟!!





لم يكن لدى الأطباء جواب، وإنما استنبط الجواب من القرآن علماء المسلمين: "إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم" سورة المجادلة.





فالأم هى الوالدة، وليست مانحة البويضة، وسبحان من سماها: الوالدة، فقال: "والوالدات يرضعن أولادهن" سورة البقرة.









**** الجنف:





رجل أجنف أي منحني الظهر، والجنف عند العرب داء يصيب العمود الفقرى فييبس، ويرى صاحبه قد انحنى ظهره أو تقوس، فلا يكون انحناء العاطفة والحنو، وإنما انحناء المرض والداء، لكن المعافى قد ينحنى لغيره عطفا واهتماما، وحبا وإكراما.





أنزل الله آيات المواريث فأعطى كل ذى حق حقه، ومن ثم منع النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصى لوارث فقال: "إن الله أعطى كل ذى حق حقه فلا وصية لوارث"، لكن بعض الناس قد تسول له نفسه مخالفة الشرع بحجج واهية يزينها له أبالسة الإنس وأحيانا شياطين الجن، فقد يسئ ولد إلى والده بينما يحسن غيره، فيوصى الوالد للمحسن عطاء، أو يوصي بحرمان المسئ، وقد يكون للرجل ولد صاحب حاجة وفاقة بينما الآخرون معافون فيوصى لصاحب البلوى بمال يرفع به حصته من تركته، وقد يحيف فى وصيته فيترك مالا قليلا ويوصى ببعضه لبعض ذوى حظوته فيؤثر ذلك على أنصبة ورثته، أو يوصى بأكثر من الثلث وإن ترك مالا وفيرا.









فالدافع إلى الجور فى الوصية إما أن يكون انتقاما من بعض الورثة ورغبة فى إلحاق الضرر بهم: "إثما"، أو يكون حبا عارما وعطفا زائدا على الآخرين: "جنفا".









فانظر كيف استعار "الجنف" للعاطفة الشوهاء، إنه ليس حنو العاطفة الصافية ولا هى الضمة الحانية، وإنما هو انحناء المريض وتقوس الأجنف.





"فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم" سورة البقرة









****العنت:





كَسْرٌ بعدَ انْجِبارٍ، وذلك أَشَدُّ من الكَسر الأَوّلِ. ويقال للعظم المجبورإِذا أَصابه شيء فَهاضَه: قد أَعْنَتَه.









قال تعالى: "ياأيها الذين آمنوا لاتتخذوا بطانة من دونكم لايألونكم خبالا ودوا ما عنتم" سورة آل عمران





أراد القرآن أن يصور حرص أهل الكتاب على إفساد حياة المؤمنين وإيقاع الاضطراب فى كل نواحيها فأتى بلفظة: "العنت"، إن العنت ليس مجرد مشقة عارضة أو أزمة وقتية، وإنما هى إشكالات متتابعة تؤدى إحداها إلى الأخرى، وأزمات خانقة تتوالد من بعضها، وهو ما تصوره كلمة "العنت" : كسر بعد كسر.





إن أعداء الأمة يرتبون لها مشكلات لاتحل، ويوقعونها فى سلاسل من الأزمات اللانهائية، كل ذلك بطريقة مدروسة ومحسوبة : "ودوا ما عنتم".









****المراودة:





رادت الإبل ترود ريادا إذا احتلفت في المرعى مقبلة ومدبرة وذلك ريادها، ويقال: راد يرود إذا جاء وذهب ولم يطمئن، والرود: المهلة في الشيء، وفلان يمشي على رود أي على مهل.





"وراودته التى هو فى بيتها عن نفسه" سورة يوسف





لقد جمعت هذه الكلمة: "راودته"؛ صورة المجئ والذهاب والإقبال والإدبار كل ذلك فى تمهل غير مطمئن، إن الكلمة هنا حركة وصورة وصوت ومشاعر التقت جميعا لتصور حالة امرأة: "تراود فتاها عن نفسه". ألا ما أجمل القرآن!!!









****الكيد:





صياح الغراب بجهد، ويسمى إجهاد الغراب في صياحه كيدا، وكذلك القيء، والكيد التدبير بباطل أو حق، والكيد الحيض، والكيد الحرب، ويقال غزا فلان فلم يلق كيدا.









"فيكيدوا لك كيدا" سورة يوسف





لقد صورت كيف يدبرون مجتهدين ليخرجوا أسوأ ماعندهم ليلقوه فى طريق أخيهم محاربة له، فليس الكيد موقفا عارضا ولا هو شئ يحدث اتفاقا، وإنما هو مبدأ رسخ، وفكرة انقدحت، وأداء مرتب، وعاقبة منتظرة.




*****ضاق ذرعا




هى وصف للبعيرإذا ثقل حمله فضاقت خطوته، ثم استعير الوصف لكل إنسان ثقل حمله حتى كاد يعجزه، وزاد همه حتى كاد يقعده؛ فلما جاءت الرسل لوطا وخشى قومه الذين لاطاقة له بهم أن يتغلبوا عليهم فيفعلون بهم الفاحشة، فركبه من الهم ماركبه، ونزل به من الكرب ماالله به عليم؛ حتى شعر بالعجز الشديد، فوصف القرأن حاله تلك : "ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا"

















وهكذا تستطيع أن تجمع كثيرا من مدلولات المفردات العربية ومعانيها من "لسان العرب" وغيره لتستمتع بمشاهدة وسماع المشاهد القرآنية: صوتا وصورة ومشاعر وأحاسيس؛ كل ذلك من خلال لفظة عربية وكلمة قرآنية.





وللحديث بقية









والله من وراء القصد

الجمعة، سبتمبر 02، 2011

كتب عليكم الصيام..... 10 التكليف وتهيئة المناخ

التكليف وتهيئة والمناخ





فرض الله على عباده فريضة لا يملكون من خلالها إلا أن يكونوا مخلصين فينجحون نجاحا تاما؛ إنها عبادة لاتعرف الرياء، ولايتطرق إليها الإشراك، لأنه سبحانه يحب لهم النجاح ويفرح بإحسانهم؛ فحملهم على الإحسان حملا:



"أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" حديث شريف



"للصائم فرحتان بفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" حديث شريف





لا يخفى على ذي لب أثر البيئة فى الأخلاق، وأثر الظروف فى السلوك، وأثر الصحبة فى الأداء.



إن المرء مدنى بطبعه: بمعنى أنه لامفر من أن يعيش فى مجتمع يتأثر به، ويؤثر فيه، ويحرص على أن يكون متوائما مع أخلاقه، منسجما مع تطلعاته وآماله، منفعلا بآلامه وشكواه، ولا شك أن عدم التوافق بين طبيعة العمل المراد أداؤه وبين الظروف البيئية المحيطة يؤدى إلى رداءة المنتج، وربما إحباط العامل.





ولعل هذا هو السر الذى جعل آيات القرآن الكريم تشير فى ثنايا الحديث عن الصيام إشارات لطيفة إلى القرآن والدعاء والاعتكاف؛ كما لو كانت تجهزالبيئة أو تهئ المناخ.



إن فى الصيام مجاهدة للنفس وارتقاء بها فوق دواعى الاشتهاء ورغبات الجسد لتحقيق صفاء النفس واستعلاء الروح ونقاء القلب، فيصير الصائم أقرب إلى حال الملائكة منه إلى حال البشر، وكأنما يرنو إلى الآخرة ويقترب من حضرة ربه وهو يسمو فوق الحياة الدنيا ويرتفع، وهل هناك أدل على الحياة وألصق بها من المأكل والمشرب والمباشرة.



ولما كان المرء تتنازعه جواذب الجسد ودوافع الروح فهو أقرب إلى ماغلب عليه منها أراد القرآن أن يهيء له مناخا مناسبا وبيئة صالحة تكون أكثر عونا على السمو؛ فيصعد بلا عناء ويرتقى بلا مشقة، فدله القرآن على القرآن والدعاء والاعتكاف، فإن مشقة التكليف تندفع بحسن الصلة ولذة الوصول.



ورد ذلك كله علي سبيل الإشارة لا الأمر المباشر فقال:



"شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" ولم يأمر بتلاوته.



وقال: "وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى" ولم يأمر بالدعاء.



وقال: "ولاتباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد" ولم يأمر بالعكوف.





إن القرآن يسمو بالروح، وإن الدعاء يحضر النفس حظيرة القدس، وإن الاعتكاف لهو الدليل المادى على أن الصائم قد انتزع نفسه من دنياه وارتقى فوق رغبات النفس وتطلعات الجسد؛ فلم يكتف بترك الطعام والشراب حتى ترك الفراش الوثير والأثاث الوفير، ولم يقنع بمجرد كف نفسه عن قضاء وطره نهارا حتى وصل ذلك بليله، ولم يعد ينشغل بشئ مما ينشغل به بنو آدم من أهل الدنيا سوى مايقيم أوده من اللقيمات، أو يبل ريقه من حسوات، أو يسكن جسده من نوم السويعات، وما خلا ذلك فهو تال ذاكر أو مصل قائم أو داع مبتهل؛ إنها الظروف التى تقود إلى النجاح والمناخ الذى يؤهل للتفوق.





كم من رئيس يكلف مرؤوسيه بأعمال قد لا تعين البيئة على حسن أدائها أو لم تتهيأ الظروف للقيام بها، وقد يعلم ذلك او لايعلمه:



ألقاه فى اليم مكتوف اليدين********وقال إياك إياك أن تبتل بالماء



هيء الظروف التى تعين المكلفين على حسن الأداء، وذلل الصعاب التى تعوق سيرهم، ودعهم بعد ذلك ينطلقون لترى كم من النجاح حققوا.



يقول الأستاذ سيف الإسلام حسن البنا: بينما كنت تلميذا فى المرحلة الابتدائية احتجت أوراقا لأدون عليها بعض دروسى، فأخذتها من درج مكتب والدى رحمه الله، فلما لم يجد فى درجه شيئا وسأل أهل البيت عمن أخذ الورق من درج مكتبه أخبرته أنه أنا، فلم يؤنبنى، ولم يعاتبنى، وإنما اشترى رزمة ورق وقال: ضعها فى درج مكتبك فإذا قاربت على الانتهاء أخبرنى حتى أشترى لك غيرها.