الاثنين، يناير 23، 2012

لماذا القرآن 20 ورد التدبر ..تدبر المتشابهات

تدبر المتشابهات


وأعنى الآيات اللاتى تتشابه ألفاظها أما تشابها تاما وإما تشابها جزئيا.

فأما التشابه التام فهو مجيئ الآية بألفاظها وحروفها؛ هى هى فى أكثر من موضع، فهما آيتان متطابقتان حرفا حرفا.


فمثلا:

"تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم ولاتسألون عما كانوا يعملون" سورةالبقرة الآيتان 134 ، 141

أما الأولى -134- فخطاب لبنى إسرائيل المعاصرين للنبى صلى الله عليه وسلم؛ بعدما ذكرهم بآبائهم إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب، وأنهم كانوا على الإسلام لا على غيره، وأنها كانت آخر وصية وصى بها يعقوب حين حضره الموت، فقال: "تلك أمة قد خلت لها ماكسبت" يعنى آباء بنى إسرائيل الذين عاشوا وماتوا على الإسلام "ولكم ماكسبتم" أيها اليهود المناوئون لمحمد صلى الله عليه وسلم.

وأما الآخرى 141 – فخطاب للؤمنين من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؛ بعدما بين لهم تخاذل بني إسرائيل عن دين آبائهم، وادعائهم الكاذب بأن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى، فقال: "تلك أمة قد خلت لها ماكسبت" يعنى أمة بنى إسرائيل، "ولكم ماكسبتم" ياأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فهو مبدأ ثابت لا يتغير أن كل أمة من الناس وكل جماعة مسؤولة عن كسبها لا عن كسب غيرها. أما إنه ليس فى القرآن تكرار؛ يتشابه اللفظ ويتجدد المعنى...... فسبحان من هذا كلامه.

مثال ثان:

"ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ماكانوا به يستهزئون" سورة الأنعام 10 وسورة الأنبياء 41

فأما الأولى؛ الأنعام 10 فتبين كيف حاق بالمكذبين المسهزئين خزى الدنيا وعذاب الاستئصال حتى قال لهم بعدها: "قل سيروا فى الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين" الأنعام 11

وأما الأخرى؛ الأنبياء 41 فتبين كيف حاق بالمكذبين المستهزئين خزى الآخرة وعذاب جهنم حتى قال قبلها: "لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون* بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون" الأنبياء،39 ، 40

فالآيتان تبينان أن المكذبين حاق بهم استهزاؤهم فى الدنيا كما حاق بهم فى الآخرة أيضا، هنا بنصر المؤمنين عليهم، وهناك بشى وجوههم وظهورهم؛ فلا تكرار هناك ولاإعادة ولاتغنى إحداهما عن الأخرى فهذه معنى وتلك معنى آخر.....فسبحان من أنزله.

مثال آخر

"فبأى آلاء ربكما تكذبان" سورة الرحمن الآيات 13 ، 16 ، 18، 21 ، 23 ،25 ،28 ، 30 ،32 ، 34 ، 36 ،38، 40 ،42 ، 45 ،47 ، 49 ، 51 ، 53 ، 55 ، 57 ، 59 ، 61 ، 63 ، 65 ، 67 ، 69 ، 71 ، 73 ، 75 ، 77.

وردت كلمات هذه الآية إحدى وثلاثين مرة فى سورة الرحمن، وفى كل مرة تفيد معنى جديدا يحتاج إلى وقفة وتأمل.

فكلما ذكر الله آية ومن بها على البشر أنكر عليهم تكذيبهم بها فأشار إلى تلك الآية بعينها فقال: "فبأى آلاء ربكما تكذبان" فليست الآلاء مبهمة مطلقة، ولكنها فى كل مرة محددة معينة بماذكرته الآية أو الآيتان أو الآيات قبلها....... فسبحان الله ...ولا بأى من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد.


والله من وراء القصد


وللحديث بقية

الأربعاء، يناير 18، 2012

لماذا القرآن..... 19 ورد التدبر القراءات المتواترة



القراءات المتواترة





القراءات المتواترة تزيد المعنى وضوحا أو تثبت حكما، وليست قراءة منها بأولى من الأخرى.





"تكاد السموات يتفطرن" بالتاء



"تكاد السموات ينفطرن" بالنون



والجملة جزء من آيتين وردتا فى سورة مريم الآية 90، وفى سورة الشورى الآية 5





أما قراءة "يتفطرن" بالتاء فهى من الفعل "تفطر" على وزن "تفعل"وهى صيغة تفيد تكرار الفعل أو حدوثه على فترات، فكأن تفطر السماوات وهو تشققها وتكسرها حدث المرة بعد المرة أو أن ذلك تكرر أو أنها تهدمت قطعا ومزقت إربا، لكن قراءة "ينفطرن" بالنون من الفعل "انفطر" على وزن "انفعل" وهى صيغة تفيد حدوث الفعل بسهولة ويسر وبلا كلفة أو معاناة وتسمى صيغة "المطاوعة" وتفيد أن انشقاق السماء وانكسارها حدث مرة واحدة وبلا مشقة أو عنت، فإذا ضممت القراءتين أدركت أن السموات قد تهدمت وتشققت لكن دفعة واحدة وبلا مقدمات.... إنه الانهيار.



************************



"ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن" بطاء ساكنة وهاء مضمومة.



"ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن" بطاء وهاء مشددتين، والأصل يتطهرن فأدغمت التاء فى الطاء.



والآية فى سورة البقرة 222



فأما قراءة "يطهرن" بسكون الطاء وضم الهاء فتعنى: انتهاء الحيض وانقطاع الطمث وتوقف نزول الدم من المرأة ، وأما قراءة "يطهرن" بطاء وهاء مشددتين فتعنى: أن تغتسل المرأة بعد انقطاع الدم، وهنا يحل لزوجها أن يأتيها، وهو الواقع لأنه لا يأتيها بعد انقطاع الدم إلا إذا تطهرت بالاغتسال؛ فقد أفادت الكلمة المعنيين.



*******************



"ويوم تقوم الساعة ادخلوا أل فرعون أشد العذاب" بهمزة الوصل.



"ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" بهمزة القطع.



والآية فى سورة غافر 46



فأما قراءة "ادخلوا" بهمزة الوصل فتعنى: صدور الأمر إلى آل فرعون بدخول أشد العذاب، وأما قراءة "أدخلوا" بهمزة القطع فتعنى: صدور الأمر إلى الملائكة بإدخال آل فرعون أشد العذاب. وكأنهم لما صدر إليهم الأمر بالدخول امتنعوا وتراجعوا لما رأوا من الهول الذى لا قبل لأحد به، فصدر الأمر إلى الملائكة بإدخالهم؛ وهم الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون فأدخلوهم، عياذا بالله من ذلك، إن القراءتين لتصوران مشهدا من مشاهد يوم القيامة ما كانت قراءة منهما لتقوم به وحدها؛ إنه مشهد الخوف الشديد والرعب الرعيب الذى ينتاب آل فرعون عند معاينة النار وأمرهم بدخولها فيفزعون ويرجعون القهقرى، فتؤمر الملائكة بذلك فتحملهم إليها حملا وتلقيهم فيها إلقاء.



**************************





"فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب" بفتح ياء "يدخلون" بناء للمعلوم.



"فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب" بضم ياء "يدخلون" بناء على ما لم يسم فاعله.



والآية فى سورة غافر 40



فأما قراءة "يدخلون" بفتح الياء فمعناها: دخولهم بأنفسهم، وأما قراءة "يدخلون" بضم الياء فمعناها: أن غيرهم أدخلهم، تكريما وتشريفا - كما يدخل الرجل ضيفه بيته، ولله المثل الأعلى - أما الذى أدخلهم فقد يكون ربهم: "ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها" سورة المجادلة 22، وقد تكون الملائكة يدخلونهم الجنة لما وقفوا ببابها ولم تكن لهم هما، وإنما كان همهم لقاء ربهم؛ إذ هو مقصودهم ومبتغاهم، فأدخلتهم الملائكة حتى يحين موعد اللقاء.



*******************



"فلما تبين له قال اعلمْ أن الله على كل شىء قدير" بهمزة الوصل فعل أمر مجزوم بالسكون



"فلما تبين له قال أعلمُ أن الله على كل شئ قدير" بهمزة القطع؛ فعل مضارع مرفوع بالضمة



والعبارة جزء من آية فى سورة البقرة 259



تحكى الآية قصة عزير؛ إذ مر على قرية قد هوت أشجارها وخوت جذوعها، فظن أنها لا تحيى إلا بعد دهر طويل، ظانا أنها لا تحيى إلا بأسباب من حر ث أرض وبذر بذر وسقيا ورعاية، فأماته الله مائة ثم أحياه، فأراه طعامه لم يلحقه أدنى تغير، وأحيى له حماره الذى كان قد تحول إلى كومة من العظام البالية، كل ذلك أمام ناظريه فى لحظة، ليعلم أن الله لا تعوزه الأسباب لأنه هو مسببها ولا تعمل الأسباب إلا بحوله وقوته سبحانه .



فأما قراءة "اعلمْ" بهمزة الوصل ففيها الزجر له، حتى لا يعود إلى الركون إلى الأسباب مرة أخرى، وأما قراءة "أعلمُ" ففيها إقراره بقدرة الله من غير حاجة إلى أسباب؛ وكأن عزيرا زجر فأقر، وعُلم فتعلم.



********************



"أو من يُنَشؤ فى الحلية وهو فى الخصام غير مبين" بالبناء على مالم يسم فاعله.



أو من يَنْشؤ فى الحلية وهو فى الخصام غير مبين" بالبناء للمعلوم.



والآية فى سورة الزخرف 18



والآية تتحدث عن أبرز خصال المرأة وأخص طبائعها؛ والتى تستطيع المرأة من خلالها أن تؤدى دورها فى المجتمع؛ فلا تصطدم به ولا يخسرها؛ الأولى: حبها للتزين والتحلى ورغبة مجتمعها من حولها فى ذلك، والأخرى: ضعف أدائها فى مواطن اللجج والخصومة.



فأما قراءة "يُنَشؤ" بالبناء على مالم يسم فاعله: فتفيد أن غيرها ينشؤها على حب التزين والتحلى، وقد يكون هذا الغير أما أو أبا أو خالة أو عمة؛ بل كل مجتمعها يحب ذلك ويحثها عليه. وأما قراءة "يَنْشؤ" بالبناء للمعلوم: فتفيد نشوءها بنفسها وفطرتها على حب التزين والتحلى، وإن حرمت من أم تعلم وتربى أو أب يوجه ويحث، أو نشأت فى مجتمع لا يبالى بها ولا يلتفت إليها؛فإن حب الزينة والحلى أمر فطرى فى كل امرأة غريزى فى كل أنثى، وإن ساهم مجتمعها فى إنمائه وتوجيهه الوجهة السليمة التى لاتنحرف بالفطرة عن مسارها.



والله من وراء القصد





وللحديث بقية





الجمعة، يناير 13، 2012

لماذا القرآن.....18 ورد التدبر السورة والتى تليها




إدراك العلاقة بين السورة والتى تليها




القرآن وحدة واحدة - كأنه قطعة واحدة - وإن كان سورا بلغ عددها مائة وأربع عشرة سورة ، موضوعه واحد وهو الهداية والرشاد، ووسيلته واحدة وهى التحدى والإعجاز، ونتيجته واحدة وهى سعادة الدنيا والآخرة، قد يفصل بين سوره البسملة لكن تتصل معانى السورتين المتتاليتين كأنك لم تغادر الأولى، أوكأنك لم تبدأ الأخرى، فهى رحلة واحدة متصلة الخطوات ليس بينها مسافات.







"واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" سورةالحجر آخر آية




"أتى أمر الله فلا تستعجلوه" سورة النحل أول آية




فى آخر آية من سورة النحل أمر ربانى إلى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم أن يستمر فى عبوديته لربه حتى الموت؛ طالت الحياة أم قصرت، وألا يصرفه عن ذلك صارف من إيذاء عدو أو تلهى بشيء من زخرف الدنيا ومتاعها، ولما كان الموت غير معلوم الأجل، وربما استبطأ بعض السامعين ذلك فاستبعد دنوه واستثقل المهمة واستوحش من طول الطريق وقلة الرفيق؛ جاءت الآية الأولى فى سورة النحل لتعلمه بأن كل آت قريب، وأن هذا المستبعد قريب، وأنه يوشك أن ينزل بك الآن أو بعيد قليل فقال: "أتى أمر الله" بل إنه فعلا أتى، وأن بين حياة أحدنا وموته نفس قد يدخل فلا يخرج... إنه الشهيق الذى بين آخر سورة الحجر وأول سورة النحل.




******







"إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون"سورة النحل آخر آية




"سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا" سورة الإسراء أول آية




فى آخر سورة النحل أمر بالدعوة والموعظة الحسنة، واختيار أفضل الوسائل للمجادلة والمحاجة؛ فإذا فرض حدوث إيذاء ثم تمكن من المعاقبة فلا ينبغى أن تزيد العقوبة عن الجريمة، ثم يتلوا ذلك دعوة إلى الصبر وترك المؤاخذة، ثم الاستعانة بالله على ذلك، ثم تختم السورة بأن ذلك هو التقوى بعينها وهو الإحسان نفسه، وأنه إذا فعل ذلك فليبشر بمعية الله له،"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين*وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين*واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولاتك فى ضيق مما يمكرون*إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون"، ثم تكون أول آية فى سورة "الإسراء" التى تلى سورة "النحل" نموذجا لهذه المعية وبيانا عمليا لها فى صورة لم تحدث لمخلوق من قبل محمد صلى الله عليه وسلم، ولن تحدث لأحد بعده؛ إذهى آية ربانية ومعجزة إلهية خص بها محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ جمع الإحسان من أطرافه كلها، ودانت له التقوى حتى ضمها فى صدره وضمته فى حناياها - بأبى هو وأمى - صلى الله عليه وسلم "سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله" سورة الإسراء أية 1




*******




"قل ياأيها الكافرون لاأعبد ماتعبدون" سورة الكافرون




"إذا جاء نصر الله والفتح" سورة النصر




بين السورتين أعوام عديدة، لكن القرآن ذكرهما متتاليتين ...الأولى تعنى استعلاء الإيمان، ورفض الذوبان، والإصرارعلى الإسلام كدين مستقل متميز، وعدم الرضا بالحلول الوسط فيما يتعلق بقضايا الاعتقاد أو أمور العبادات، كما أنها تعنى ألا نقف فى منتصف الطريق.




والأخرى تشير إلى حالة النصر التى من الله بها على المسلمين حتى دخل الناس فى دين الله أفواجا، وصار الإسلام قبلة العالمين وواحة الأمان للخائفين الوجلين، لكن هذه الحالة لم تحدث إلا بعد الأولى، وكان النصر يأتى بعد التحدى والثبات، وبعد الإصرار والتصميم على التميز ورفض الذوبان والتميع، فالأولى تؤدى إلى الآخرة، والآخرة ثمرة الأولى.




***********







والله من وراء القصد







وللحديث بقية




الأربعاء، يناير 11، 2012

لماذا القرآن....17 ورد التدبر تذييل الآيات



ادرك العلاقة بين الآية وتذييلها





"ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله، والله رؤوف بالعباد" البقرة 207



لقد باع أناس أنفسهم للشيطان فصاروا أتباعا له وجنودا، أو صار الشيطان لهم تبيعا، فكان إفسادهم فى الأرض وإهلاكهم الحرث والنسل فوق الوصف وأكثر من أن يحتمله الناس، بل قل إنه بلغ حدا شقت به الحياة وتعست معه المعيشة، فكان أن هيء الله لهؤلاء أناسا آخرين باعوا أنفسهم لله، فنذروا حياتهم لدينه، وبذلوا دماءهم رخيصة، فأزهقت أرواحهم، وجادوا بأنفسهم لإيقاف سيل الفساد وإنهاء مسلسل الإهلاك، ليستأنف الناس بعد موتهم حياة جديدة ومعيشة كريمة، فكانوا رحمة من الله بعباده ورأفة من الله بخلقه، كأن الله أراد أن يرأف بالناس فقيض هؤلاء الأفاضل لأولئك الأوغاد، فقضوا جميعا فسعد الآخرون. إن رأفة الله بعباده لا تتنزل عليهم فى صورة ملائكة، وإنما فى صورة بشر يؤثرون الموتة الكريمة على الحياة المهينة، ويرغبون فى الحياة الباقية فلا يبلغوها حتى يضحوا بالفانية، كم هو كريم سبحانه حتى يجعل من بعض عباده موضعا لرحمته ورمزا لرأفته.





*



"ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" البقرة 251



إنها كتلك التى سبقتها: يدفع الله المفسدين بالمصلحين، ويدفع الظلمة بالعدول، ويدفع الجهال بالعلماء، ويدفع المستكبرين بالمخبتين، ولولا ذلك الدفع بأولئك الربانيين لسرى بالأرض فساد عريض تأسن معه الحياة وتتكدر فلا تعرف الصفو، لقد صار أولئك الربانيون فضلا من الله على عباده، أرأيت كيف يصير العبد الضعيف علامة على فضل الله، بل صار هو على فقره وحاجته فضلا من الله على الناس.





"لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا" سورة النساء



ليست شهادتنا لمحمد صلى الله عليه وسلم تدعيما له وتوثيقا، ولا إقرارنا بصدق ما جاء به تشريف له وتكريم؛ فقد أغناه الله عن شهادتنا بشهادته سبحانه ثم بشهادة الملائكة الكرام، ثم أغناه حتى عن شهادة ملائكته بشهادته وحده سبحانه: "وكفى بالله شهيدا" وماذاك إلا لننتفض ونهرع إليه ونستجديه أن يقبل شهادتنا ويعتمدها، إذ نحن بحاجة إلى ذلك، إن شهادتنا بصدق محمد صلى الله عليه وسلم وبأنه مبلغ عن ربه وأن هذا القرآن الذى بين أيدينا هو كلام الله المنزل عليه ؛ إن هذه الشهادة شرف لنا وتكريم وعز لنا وتقويم، ليس محمد صلى الله عليه وسلم بحاجة إليها فقد كفى بشهادة ربه، وإنما نحن المحتاجون المتذللون الواقفون بالباب نقول: يارب اقبلها منا واكتبها لنا عندك..... واجعلنا من الشاهدين.





والله من وراء القصد





وللحديث بقية





*



السبت، يناير 07، 2012

لماذا القرآن.... ورد التدبر ....16 الآيات المتتاليات

ورد التدبر....16


إدراك العلاقة بين الآيات المتتاليات




"ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون" سورة الحديد 16-17





ورد فى صحيح مسلم عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: "ماكان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية "ألم يأن ..." إلا أربع سنين.



وإن كنت لا أميل إلى القطع بهذا، فإن القرآن المكى لم يشنع على أهل الكتاب، وإنما ذكرهم بوصفهم "أهل الكتاب" وبوصفهم "الذين أوتوا العلم" وإنما كان التشنيع عليهم فى القرآن المدنى لما ظهرت عداوتهم للإسلام والمسلمين، ولما نقضوا عهودهم وغدروا بالنبى صلى الله عليه وسلم وبمن معه من المؤمنين.



لقد عاتب القرآن المؤمنين على كثرة المزاح والضحك لما ترفهوا بالمدينة، واستبطأ الله قلوبهم وهم أحب خلقه إليه، فإن الله يغار على قلوب المؤمنين إذا تشاغلت بغير ذكره، أو زاحمت زخارف الدنيا حقائق الآخرة فى نفوسهم. ثم استنهض هممهم واستثار عزائمهم وأحيا الأمل فى نفوسهم بسهولة العودة إليه سبحانه فانتقل بهم إلى نموذج من واقع السنن الكونية والحقائق الحياتية "اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها" فإذا كان الله يحيى الأرض بعد موتها فإن القرآن يحيى القلوب بعد موتها فإذا بها يقظانة بعد غفلة، ومثمرة بعد جدب، ورطبة بعد يبوس، وباشة بعد عبوس.



كان الفضيل بن عياض يقطع الطريق، وكان قد عشق جارية فواعدته ليلا، فبينما هو يرتقى الجدران إليها إذ سمع قارئا يقرأ: "ألم يأن للذين آمنوا...." فرجع القهقرى وهو يقول: بلى والله قد آن، فآواه الليل إلى خربة وفيها جماعة من السابلة، وبعضهم يقول لبعض: إن فضيلا يقطع الطريق. فقال فضيل: أواه.... أرانى فى الليل أسعى فى معاصى الله وقوم من المسلمين يخافوننى، اللهم إنى قد تبت إليك، وجعلت توبتى إليك جوار بيتك الحرام.









***********************



"ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا، ويشهد الله على مافى قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد * وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد * ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله، والله رءوف بالعباد" سورة البقرة 204- 207





أن القرآن يحدثنا عن صنف من بنى البشر لا هم لهم إلا تزويق الكلام وتنميق العبارات، ثم هم يحشدون أبواق الدعايات وينظمون الهتافات التى تنطلى على العامة وتخدع الدهماء، ثم لايكتفون بهذا؛ بل يلبسون مسوح الرهبان وطيالسة القديسين ويقسمون على ورعهم وتقواهم بالله رب العالمين، وقد يدعمهم فى ذلك من لاخلاق له من أشباه العلماء وأنصاف المتعلمين وكسور الدعاة والمرتزقة من الواعظين، فإذا وضع هذا الصنف من بنى البشر على المحك فتولى قيادة أو كان ذا سلطان؛ إذا به يفسد فى الأرض فيجعل ليلها نهارا، ويجعل من النهار ليلا، فيرفع كل خسيس ويضع كل رفيع، يستأمن الخوان ويخون الأمناء، فيحكم الرعية جهال، ويقضى بين الناس فساق، ويحمى اللصوص الثغور، ويرعى الذئب الغنم والشياه؛ عندها يستنوق الجمل، ويرمى الضأن لحما للكلاب بعدما قلدت ذهبا، والأسد فى الغابات تموت جوعا بعدما كلت مخالبها وأسقط منها كل ناب. فإذا ذكرته بالله وخوفته منه أرغى وأزبد، وثار وفار، وانتفخت أوداجه نارا واحمرت عيناه لهبا وشررا، فأهلك الناصحين، وسفك دماء الواعظين؛ بعدما انفرد بالقرار وسلموا له مقاليد الأمور.



أى داء هذا الذى نزل بالناس، وأى بلاء هذا الذى قد حل بهم....



ولكن أليس لكل داء دواء ؟؟!! ولكل معضلة حلا؟؟!!



لقد بين القرآن دواء ذلك الداء وحل تلك المعضلة فى الآية التالية مباشرة عندما قال: "ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله" البقرة 207



إن الحل يكمن فى أن يتصدى لأمثال هؤلاء أناس آخرون باعوا أنفسهم لله ووقفوا جهدهم على طاعته ودعوته ونذروا أرواحهم فداء لدينه، فعاشوا متعبين مكدودين يصلون الليل بالنهار، فاقتحموا على هؤلاء أوكارهم فأقضوا مضاجعهم وأزعجوا أحلامهم وأرقوا نومهم، فعاشوا كراما وعزت بهم أمتهم، أو ماتوا شهداء لتسعد من بعدهم أمتهم، وماكان لهم من أنفسهم حظ ولا نصيب.... فقد باعوها "يشرى نفسه"



قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهداء حمزة ثم رجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله"، ولما سمع عمر رضى الله عنه قارئا يتلوا هذه الآيات فهم المراد منها فقال: :سبحان الله قام الثانى إلى الأول فقتله" أى قام ذلك الذى باع نفسه لله إلى الألد الخصام فقتل ذلك الألد عبدالله المؤمن....يالها من ميتة كريمة ماتها، بل يالها من حياة كريمة بدأها .... "ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" آل عمران 169







وللحديث بقية