الاثنين، ديسمبر 28، 2009

الهجرة النبوية 3 ومن يسلم وجهه إلى الله وهومحسن

.

.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


.
.
كل عام وأنتم بخير.. كنت في مثل هذه الأيام من العام الماضي قد بدأت كتابة موضوعات عن "الهجرة النبوية " .. نشرت بعضها في حينها ثم حالت المقادير دون إتمامها .. واليوم إن شاء الله أبدأ في إتمامها .. وحتى تكتمل الفائدة .. وتتواصل الفكرة .. إليكم روابط الموضوعات التى نشرت في العام الماضي .
.
.






.


.








.

.


.


الهجرة النبوية 3


.
.
.
بين التوكل على الله ... والأخذ بالأسباب
.

.

أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوكل على الله وأن يأخذ بأسباب النجاة .... والنجاة بحساب البشر وظن المخلوقين : ألا يصل المشركون إلى الغار .. وألا يدركوه صلى الله عليه وسلم في الطريق ... لكنهم يصلون إلى الغار ...... ثم يكتب الله له النجاة ليس بأسباب اتخذها صلى الله عليه وسلم ولكن:


.
.


.

"أيده بجنود لم تروها " التوبة 40


.
.

ثم في الطريق : صخر ينشق ويبتلع قوائم فرس سراقة ....

.
.
.لولا أن الله كتب النجاة لنبيه صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة الربانية التى لا دخل للبشر ولا لقدراتهم ولا لأسبابهم فيها ... لولا ذلك لاعتقد الناس أن النجاة كانت بسبب حذر النبي صلى الله عليه وسلم وحيطته الشديدة وفطنته وذكائه وتخطيطه ...و...و...
.
.
.
ولو فعلوا ذلك فتعلقوا بالأسباب وأغفلوا التوكل على الله لهلكوا ولكن الله كما حفظ نبيهم صلى الله عليه وسلم .... حفظهم .
.
.
.
ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج هكذا متوكلاً على الله بغير أسباب لتواكل الناس وأهملوا السعي ... أو سعوا بلا فكر ولاروية ولا تدبير ولا تخطيط ... ولأغفلوا العلاقة بين السبب والنتيجة وبين المقدمات والنهايات ... فما عمرت دار ولا استقر قرار ولخربت الدنيا وقد أراد الله عمارتها .
.
.
.
ارجع بنا إلى القرآن ليلخص لك كل مافات بل قل إن شئت ليشرحه لك ويزيدك عليه ولكن في كلمات معدودة:
.
.

.
"ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور" لقمان 22
.
.
.

والله إنى لأعتقد أنك عرفت الآن ومن الآية أكثر مما عرفت من مقدمتي الطويلة وأنك فهمت من هذه الكلمات القليلة أكثر مما فهمت من ألفاظي وعباراتي..... وتلك عظمة القرآن وسر حلاوته أن كلماته القليلة قد تشرحها كتب ضخمة ثم تعود إلى كلماته فتراها أعذب من كل كلام والأغرب من هذا أنها لا تزال تشرح لك وتقذف في نفسك من المعانى مالا تحمله الكتب والمجلدات ...
.
.
.


1- " يسلم وجهه إلى الله "


.
.
يتوكل على الله حق توكله .. واثقاً في قدرته .. مطمئناً إلى حلمه وعلمه .. يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه .. وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له .. ولو اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضروه بشيء قد كتبه الله عليه ... ثم يرضى بما قسم الله له . ويطمع في مثوبة الله وعاقبة الأخرى أكثر من طمعة في ثناء الناس وعاجلة الدنيا ... ثم يعلم أن الدنيا متاع وأن الآخرة قرار وأنه من أجهل الجهل أن يحلم بالقرار في دار المتاع ثم يعلم أيضاً أن الدنيا دار عمل ولا جزاء وأن الآخرة دار جزاء ولا عمل وأنه من أحمق الحمق أن يتوقع الجزاء وهو في دار العمل .
.
.
.


2- "وهو محسن"

.
.
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " رواه البخارى ... ومعلوم أن رؤية العامل لصاحب العمل ومراقبة صاحب العمل للعامل تدفع إلى إحسان العمل وإتقانه وضبطه ... على هذا جبلت نفوس البشر ... ولله المثل الأعلى ..
.
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " رواه مسلم
.
.
.
والحديث يختار نموذجاً غريباً للإحسان ... ألا وهو إحسان القتل والذبح وما من عاقبة لهما إلا الموت وإزهاق النفس ويدلك على أسباب ذلك من إحداد الشفرة وإراحة الذبيحة .
.
.
.

وقد يقول ميكافيللي النزعة : طالما أن النتيجة هى الموت فلا علينا أن نبلغها بأي طريق ... فليعلم أن الإسلام أمرنا بالإحسان حتى فيما نبلغ به الموت .. فلا أقل من الإحسان فيما نبلغ به الحياة .
.
.

فقوله "وهو محسن" يعنى الأخذ بالأسباب الكفيلة بإخراج عمله في أحسن صورة مما تعارف عليه البشر ودلت عليه تجارب الحياة وخبرات المجربين .
.
.
.


3- "فقد استمسك بالعروة الوثقى"

.
.


العروة الوثقى : حبل السلامة وطوق النجاة .
.
.

النجاة من الكفر ... من الفقر ... من الأعداء ... من الظالمين ... من الفشل ... من الهلاك ... من العقوق ...
.



وهل يشغلك إلا النجاة ... وهل تريد غيرها ...!!؟؟
.
.
.


4- "وإلى الله عاقبة الأمور"
.
.



وهذا مربط الفرس.

.
.

ذلك أن أحدنا يعتقد أن الأسباب تؤدي إلى نتائج بعينها فيذاكر مثلاً ... ويجتهد ويتوكل على الله ليتجح ويتفوق ويدخل كلية الطب مثلاً.
.
.

فيذاكر فعلاً ويجتهد حقاً ويتوكل على الله صدقاً .. ثم ينجح وقد يتفوق أولا يتفوق ثم لايدخل كلية الطب ...
.
.


أخي : إن الله لايريدك طبيباً : هو يريدك مهندساً أو عالماً أو مدرساً ... أو صانعاً أو تاجراً .. وفي هذا نجاتك ونجاحك وفلاحك وإن كانت خلاف ما أردت وتوقعت ... لأن عاقبة الأمور إلى الله وحده وليست إليك.
.




علىّ طلب العز من مستقره *** ولا ذنب لي إن خالفتني المقادير


.


..
أخى : توكل على الله وكأنه ليست هناك أسباب . ثم خذ بالأسباب إلى أقصى درجة تبلغها إمكاناتك وقدراتك المتاحة في حدود ما أحل الله ومن غير أن يطغى ذلك على حقوق الآخرين أو حريتهم أو كرامتهم .
.
.

فإذا فعلت ذلك فقد ضمن الله لك النجاح والفلاح "استمسك بالعروة الوثقى "
.
.

ولكن هل ستصل إلى ذات النتيجة وعين العاقبة التى كنت تظن أن أسبابك توصل إليها ... أم أنك قد تصل إلى نتيجة أخرى مخالفة تماماً لما كنت تتوقع وإلى عاقبة أخرى لم تكن في حسبانك .
.
.



هذا ليس إليك ... هذا إلى الله

.
.



"وإلى الله عاقبة الأمور"
.
.
.


الأخذ بالأسباب فرع ... بينما التوكل على الله أصل .

.
.

إذا انقطعت الأسباب لم ينقطع مسببها

.


.




الأسباب لا تعمل بنفسها لكن رب الأسباب يعمل بنفسه


.
.



وإليك هذا المثال الصارخ

.
.


"هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين" يونس 22
.
.
.

ليتك ترجع إليها في القرآن ... ثم ترى ماذا قال فيها العلماء والمفسرون وإنى لفى انتظار إفادتك وردك "
.
.



والله معك ويرعاك؛

الاثنين، ديسمبر 21، 2009

عادوا ... وعدنا ....

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله ..
.
وبعد ؛
.

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


.


شكر الله لكم أيها الزائرون الكرام والأحبة علي الدوام ....


شكر الله لكم زيارتكم وبارك لي ولكم فيما قرأتم وفيما كتبتم وتركتم من رأي ونصح أسأل الله أن ينفعني وينفعكم به.
.
أما بالنسبة لهذه الفترة الماضية التي قضيتها في سجن الغربينيات بمدينة برج العرب بالإسكندرية . فلا أراها إلا هبة من هبات مولاي ونعمة أنعم بها علي لأري كثيرا من آلائه ماكنت لأراها إلا بتقديره وأنعم بعظيم آياته التي شاء أن يكون مكانها هناك وزمانها هناك ورجالها هناك ؛ أتي الله بهم من داخل مصر من الشرقية والسويس وسيناء والعريش ورفح ومن الإسكندرية من رملها والسيوف ومن ورديانها والقباري ومن رأس التين فيها والأنفوشي ومن خارج مصر من غزة ومن فلسطين .......جمع الله كل هؤلاء علي غير أرحام ولا أموال ولا مصالح يتعاطونها إلا أنه سبحانه جمعهم علي قضية واحدة وهي حب وطنهم والتفاني في خدمة أمتهم والرغبة في إخلاص العبودية لله وحده والشوق إلي التأسي والاقتداء برسوله صلي الله عليه وسلم ......
.

ووالله لوخيرت بين خروجي من محبسي وخروج أحد من إخواني لاخترته واستبقيت نفسي ولوكان ذلك التخيير بيني وبين مسلم غيري في مشارق الأرض أو في مغاربها لاخترته طالما كان له في الإسلام نفع وكان فيه للمسلمين خير وكان له في الأعداء بأس شديد ونكاية بها يكيد .. ووالله ما أنا بفرح بخروجى بشيء من الدنيا إلا أن يكون قربة إلى مولاى أو عز يعز به المسلمون أو سبيلا إلى الموت في سبيل الله .
.

ووالله ما أنا براء فرقاً بين أحد من ذويِّ وبين غيرهم من المسلمين حتى لكأن كل أبناء المسلمين أبنائي وكل بناتهم بناتي وأمهاتهم أمي وكل شيوخهم وعجائزهم أجدادي وجداتي وكل نسائهم محارمى وأخواتي وحتى لكأني صرت وكيلاً عنهم جميعاً ونائباً أتحدث بلسانهم وأبث إلى الله شكواهم وأرفع إليه حوائجهم وقضاياهم وأفرح لخير نالهم وما نالنى منه شيء وأحزن لهم أصابهم وما أصابني منه إلا بلوغ الخبر ... ولا أجدني فى ذلك كله إلا أدناهم يسعى بذمتهم كما أخبر بذلك الصادق المصدوق والحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم " المسلمون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ...." . رواه ابن ماجة
.

وما أرى إلا أننى أخرجت من سجن صغير إلى سجن كبير "الدنيا سجن المؤمن" وما أحببت في دنياي إلا إخواني وما ملأ على دنياي إلا دعوتى وما كنت أعود إلى بيتي إذا جن المساء إلا أنه بقية دعوتي وجزء من فكرتي وإلا لأعد نفسي وروحي للقاء إخوانى والتحرك بدعوتي في الصباح فإذا خرجت كان ذلك كل همي ومبعث حزني أو غمي أو سر فرحي وسرورى حتى أعود في المساء إلى بيتى ... وما رأيت زنزانتى إلا مثل بيتي أدخلها حين يحين وقت دخولها في المساء فيغلق بابها على من فيها فأعد نفسي وروحى للقاء إخوانى ودعوتى في الصباح فإذا التقيتهم أخذوا بيدي وأخذت بأيديهم وأقالوا عثراتي وأقلت عثرتهم ومازحونى ومازحتهم وشاركتهم الطعام والشراب والصلاة والدعاء وقاسمونى الفرح والسرور وشاطرتهم الهم وأحزان المسلمين في غزة وفي فلسطين ودارفوروالسودان والهند وكشمير وماندينو والفلبين وأحزان ليبيا ومآسي المصريين وكوارث العراق وما حملت والحمد لله هم طعامي وشرابي يوماً ... أو بعض يوم .
.

وكذلك بيتي فما عدت يوما وأنا أفكر في الراحه أو النوم وما خطر علي قلبي يوما أنى أجالس أهلى وولدى لأتسلي بهم وإنما أحمل هم هدايتهم واستقامتهم وماحملت يوما هم طعامهم ولاشرابهم .
.

وما أري إلا أني خرجت من ميدان جهاد صغير محدود بجدران وأسوار إلي ميدان أكبر لايعلم حدوده ولا يدرك منتهاه إلا الله .. ومن لقاء إخوان أعرف عددهم وأسماءهم جميعا إلي لقاء ألوف لا يحصيها إلا الله لا أعرف من أسمائهم إلامن قدر لي أن أتعرف عليه .. ومن مهمة الدعوة إلي الله في محبس صغيرإلي مهمتها في بقاع قد وطأتها من قبل وقد أطأها لأول مرة .. ومن صبر مع الإخوان إلي صبر معهم ومع غيرهم .. وزادي في ذلك كله كتاب الله وقدوتي رسول الله صلي الله عليه وسلم وعدتي الصبر وأملي الاحتساب ورجائي أن يرضي الله عني وخوفي أن يحبط عملي عجب أو رياء .
.




والله من وراء القصد ؛


الثلاثاء، ديسمبر 08، 2009

اكتمال الصورة ............. (4)جد متروك

اكتمال الصورة (4)

.

.


جد........... " متروك "

.

.


أتت امرأة من الأنصار إلى النبى صلى الله عليه وسلم فسألته عن أشياء تتعلق بأمور النساء مما قد تستحى المرأة أن تسال عنه ، فأجابها النبى صلى الله عليه وسلم ، وكانت السيدة عائشة رضى الله عنها ترقب الحوار .... تسمع سؤال المرأة ... وتنصت إلى جواب النبى صلى الله عليه وسلم ، فسرت رضى الله عنها بذلك فقالت " نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين " .

.


والسيدة عائشة رضى الله عنها تثبت هنا أن الحياء عندهن وأنهن متصفات به وأنه قد تم وكمل فيهن فلم يمنعهن أن يتعلمن دينهن .... وهذه العبارة خير من عبارة بعض الناس " لا حياء فى الدين " ..... إذ الدين كله حياء .... وربما يقصدون " لا حياء فى تعلم الدين " ..... ولا تزال العبارة غير صحيحة فالحياء كله فى تعلم الدين والنبى صلى الله عليه وسلم يقول فى الحديث ... الحياء والإيمان قرناء فإذا وجدا ... وجدا جميعا ، وإذا رفعا ... رفعا جميعا ..... ولو أننا قلنا لاحرج فى الدين لكان أولى لقوله تعالى :" ماجعل عليكم فى الدين من حرج" آخر سورة الحج.

.


أذكر هذه المقدمة .... وأذكر نفسى وأذكركم بها ..... لأننى ربما استحييت أن أقص هذه القصة ..... ولكن لما رأيتها نافعة ..... ولعلها تصحح مفاهيمنا وتصوب افعالنا وسلوكنا .... لما رأيت ذلك لم يمنعنى الحياء من ذكرها .....وأود ألا يمنعكم الحياء من قراءتها بإمعان ....... .

.

.

زارنى يوما رجل مسن لإجراء بعض الفحوص المتعلقة بالصحة العامة ووظائف الكبد والكلى والقلب ...
الرجل شيخ هرم اشتعل رأسه ولحيته شيبا ، قد انحنى ظهره واعتمد على عصاه فصارله ثلاث سيقان .... لكن نتائج الفحوص كانت مبهرة .... فالرجل كأنه شاب فى العشرين أو الثلاثين .... وظائف أعضائه تنم عن صحة وعافية .... سألته : كم مضى من عمرك ..؟!

قال: ثمانون .... هنأته على العافية ودعوت له بمزيد من السلامة والمعافاة ...
اقترب الرجل وهمس فى أذنى : هل عندك علاج لــ .... وأشارة بإصبعه إشارة .... فهمت أنه يريد علاجا لعضوه ...... المرتخى .
هششت في وجهه وبششت .. وقلت :
لا .. ليس عندي.
شكرنى الرجل وانصرف .. ولكن نفسي لم تنصرف عنه
" رجل مسن في الثمانين، شعره كتان أبيض .. وظهره قد تقوس وانحنى .. ولازال مشغولاً بما ينشغل به الشباب والمراهقون .. كان أولى به أن ينشغل بقرب أجله .. ويستعد للموت .... و .... و ... و ...... "


.


بعدها بعدة أيام .. كنت ذاهباً لزيارة أخى وصديقي الدكتور ممدوح جابر غريب أخصائي الأمراض التناسلية ..رأيت الرجل خارجاً من عيادته قد اتكأ على عصاه وأمسك باليد الأخرى " تذكرة طبية" ... سلمت عليه ورد علي السلام وانصرف .. ولكن نفسي لم تنصرف عنه ... "رجل مسن في الثمانين ..... و ..... و ....... "

.


بعدها ببضعة أشهر انتقلت إلى مسكن آخر في الحي المجاور لسكنى القديم .. وترددت على المسجد المقابل لبيتي .. فكنت ألقى هذا الرجل هناك .. فأدركت أنه يسكن قريباً من بيتي .... .


كان لنا جار " أبو متروك " يصلى معنا في المسجد .. تعرف عليّ وتعرفت عليه وأحبني وأحببته وزارنى وزرته وتعرفت زوجتى على زوجتيه وبناته وكان بيننا ود وصلة يغبطنا الناس عليها .
.
و
ذات يوم عادت زوجتى لتقول :
والله غريب أمر هؤلاء النسوة : رجل في الثمانين من عمره قد انحنى ظهره ودنا أجله وهن يحتجبن منه ... لما دخل وسمعن صوت قدميه والعصا ... أسرعت كل واحدة منهن إلى خمارها فغطت رأسها ووجهها ... واختفت ... قلت لهن : هذا رجل من "غير أولى الإربة " ... هذا رجل في الثمانين من عمره .. وقد بلغ به الكبر مبلغه ... وأنتن تحتجبن منه ... عجيب أمركن ... "
فردت إحداهما : هذا الرجل لم يتزوج قط .
فقالت زوجتى ببراءة : حتى ...... ولو .......
.
قلت : أي رجل تقصدين ؟! قالت :
جد "متروك " ... هو ليس جده مباشرة ... هو عم أبيه .... هذا الرجل الذي يصلى معكم في المسجد ذو اللحية البيضاء والشعر الأبيض ...
أدركت أنه ربما يكون هو .... وأدركت أن في الأمر سراً ....
.
لقيته بعدها في صلاة العصر ... صافحته وسألته :
أنت جد "متروك " ؟!
قال : نعم .. قلت : أنت لقيتنى يوماً في المستشفى وسألتنى عن دواء لـ ..... وأشرت باصبعى كما أشار هو لى أول مرة .. فقال :
نعم .. وهل عندك دواء ؟!
.
قلت : أحب أن أعرف الحكاية من أولها .. فإذا كان عندى دواء أرسلته إليك مجاناً
فقال:
بارك الله فيك ومتعك بالصحة والعافية ... حدثت لى حادثة وأنا شاب صغير .. خرجت منها والحمد لله سليما ً صحيحاً .. وبكامل عافيتى ... إلا من هذا .. وأشار باصبعه كما أشار أول مرة ... لم يكن عندنا وقتها طب ولا دواء ... فلما تغيرت الأحوال وجاءنا الأطباء والصيادلة منذ بضع سنين ... قلت لنفسي : لعل الله يعيد إليك ما فقدته منذ ستين سنة .. كنت أتمنى أن تكون لى زوجة أحتضنها وتحتضننى ولو ليلة واحدة قبل أن أموت .. ولكن قدر الله وماشاء فعل "
.
دارت بي الدنيا .. ودارت رأسي .. فلم أقو على القيام ولا على الكلام ....

استأذن الرجل وقام ... وانصرف .. ولكنى لم أقم .. لم تحملنى قدماي ....
.

آه ..... "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ..... "
(سورة إبراهيم :34 )
.
كم من النعم نحن نتقلب فيها بالليل والنهار .. وقد حرم غيرنا منها .. ونحن لاندرى .. لا ندرى أنها نعمة .. ولا ندرى أن غيرنا محروم منها .
.
كم من الناس نلومهم على تصرفاتهم بدعوى أنها لاتناسب سنهم أو مركزهم أو وجاهتهم أو ... ونحن لاندرى دوافعهم ومبرراتهم والمصائب الكامنة ..... وراءهم .
.
كم مرة أسأنا الظن ... ثم أسأنا القول ... ثم أسأنا الفعل والسلوك ثم اكتشفنا أننا أخطأنا في ذلك كله ......
.

.



"يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن " (سورة الحجرات :12 )



السبت، نوفمبر 21، 2009

سلام .. بشرى .. وهدية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.
.
زوار المدونة الكرام :
.
كل عام وأنتم إلى الله أقرب ..
.

لكم عندى سلام وبشرى وهدية
.
أما السلام .. فهو من أبي يرسله لكل واحد منكم مغلفاً بدعوات صادقات :)
.
وأما البشرى .. فهي الحكم باخلاء سبيل الدكتور توكل مسعود ومن المنتظر أن ينفذ هذا الحكم خلال عشرين يوما
.
وأما الهدية .. فهى مقالات "ليشهدوا منافع لهم "
.
.
.
.
ولا تنسونا من دعوة صادقة .. جزاكم الله خيراً
.
.
إسراء توكل مسعود

الاثنين، نوفمبر 02، 2009

اكتمال الصورة .....(3) الحر والبرد

.


3- الحر والبرد
.
.

كنت أطالع كتاباً في الرقائق يتحدث عن التخويف من النار والتعريف بأهوال يوم القيامة. قرأت الكتاب من أوله حتى منتهاه فلم أر فيه جديداً . إلا أن مؤلفه جمع آيات القرآن الكريم الواردة في وصف القيامة وأهوال جهنم أعاذنا الله منها وجيش عدداً ضخماً من الأحاديث النبوية الشريفة التي تتناول نفس الموضوع .. وإن كانت مثل هذه الكتابات لا تستهويني كثيراً لأنها نوع من السرد وتحصيل الحاصل..أو بتعبير جدتي رحمها الله (توفيت عن ثمانين عاماً سنة 1970 ) "دق المية في الهون"

إلا أنها أحياناً تكون فيها فائدة .
.
.
عثرت في آخر الكتاب على هذا الحديث النبوي الشريف :
"إذا كان يوم شديد الحر وقال العبد:لا إله إلا الله ما أشد حر هذا اليوم ، اللهم أجرنى من جهنم ومن حر جهنم ، قال الله لجهنم : إن هذا عبد من عبادي قد استجار بي منك وإنى قد أجرته ، وإذا كان يوم شديد البرد قال العبد: لا إله إلا الله، ما أشد برد هذا اليوم ، اللهم أجرنى من جهنم ومن زمهرير جهنم ، قال الله لجهنم : إن هذا عبد من عبادى قد استجار بي منك،وإنى قد أجرته" رواه البيهقي

.

وجدت في هذا الحديث راحة كبيرة،ذلك أن الحر والبرد من الظواهر المناخية المتكررة طوال العام ، وقليلة هى البلاد التى تتمتع بمناخ معتدل .

.

ومع الحر الشديد أو البرد الشديد يجد الإنسان نفسه مضطراً لأن يقول شيئاً... فإما أن يعبر عن استيائه من الحر أو البرد .. أو يعبر عن تألمه فيتأفف .. ويشكو ولكن ..... لمن؟! أو قد يكون مجاراة للناس من حوله، إذ هم لا يتكلمون إلا في الحر والبرد ،وكأن كل مشاكل الدنيا قد حلت ... ولم يبق إلا الحر .. والبرد . وكأن كل واحد من الناس يريد أن تكون الدنيا على مقاسه وحجمه وظروفه ... .

.

وكان الصالحون قديماً إذا تأفف الناس من الحر .. أو البرد : يصححون لهم مشاعرهم وأحاسيسهم فيقولون"على مراده" بمعنى "هو ملكه يصرفه كيف يشاء حراً أو برداً "

.

وجدت في هذا الحديث سلواي : إذ أستطيع أن أعبر عن استيائي من الحر ، ولكن بذكر الله وليس بكلامى الذي كما يقولون "لايودى ولا يجيب"، وثانياً لأنى أشكو الحر .. والبرد ولكن لخالق الحر والبرد، فالشكوى هنا لله وليست للناس ، كما أننى فهمت من الحديث إن الحر والبرد يذكرانى بحر جهنم وبردها ....

فأقول لنفسي: حر الدنيا ... ولاحر الآخرة

وبرد الدنيا ... ولا برد الآخرة.
.

كما أننى فهمت من الحديث أن الإجارة من جهنم ومن حر جهنم أو من بردها تعنى :

الإجارة منها في الآخرة ... يوم القيامة .
.

ولبثت ما شاء الله لى أن ألبث ... بهذا الفهم .
.

وبعد سنوات أخرى : كنت أقرأ في كتاب "سير أعلام النبلاء" للحافظ الذهبي.

ومررت بسيرة علي بن أبي طالب رضى الله عنه فقرأت : "كان علياً لا يبالي أن يلبس ملابس الشتاء في الصيف أو أن يلبس ملابس الصيف في الشتاء ، فلما سئل عن ذلك قال: ‘إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لي فقال " اللهم قه الحر والبرد" .
.

كنت أقرأ هذا الحديث وأقول في نفسي " يا بختك يا علي"

ومرة أخرى أقول "يا بختك يا أبا الحسن"
.

وقيت الحر والبرد في الآخرة لأنك من العشرة المبشرين بالجنة

ووقيت الحر والبرد في الدنيا بدعوة مخصوصة من النبي صلى الله عليه وسلم

.

ولبثت ماشاء الله لى أن ألبث بهذا الفهم ،حتى وقعت على هذا الحديث:

"اشتكت جهنم لربها فقالت: رب أكل بعضي بعضاً ... فأذن لها بنفسين : نفس في الصيف فهو أشد ما تجدون من حر الصيف .. ونفس في الشتاء فهو أشد ما تجدون من برد الشتاء ..."
.
.
فقلت: سبحان الله : إن حر الصيف هو نفس من أنفاس جهنم

وإن برد الشتاء هو نفس من أنفاس جهنم


حتى كان يوم من أيام الحر اللافح وتذكرت الدعاء : لا إله إلا الله ما أشد حر هذا اليوم .. اللهم أجرني من جهنم ومن حر جهنم " فإذا بها تقفز أمامى :

الإجارة ليست فقط " من جهنم" وإنما " من حر جهنم"

هذا الحر الذي أنا فيه" هو حر جهنم" .. هو نفسها الذي تتنفسه في الصيف
.

أنا الآن لا أسأل الله شيئاً واحداً .. أنا أسأله شيئين :

الإجارة من جهنم .. في الآخرة

والإجارة من حر جهنم .... في الدنيا
.

والله سبحانه إذا استجاب دعائي فأجارني فقد أجارنى من الإثنين:

من جهنم .... في الآخرة

ومن حر جهنم ... في الدنيا
.

اذن : المسافة بيني وبين "علي" ليست بعيدة ، وليس البون شاسعاً.

.

أما على : فقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته مستجابة.

وأما أنا : فأدعو لنفسي ... ودعوتى قد تكون مستجابة .
.
يعنى : إذا اجتهدت في الدعاء ... وأخلصت .. وكان كسبي ومطعمى حلالاً ودعوت بيقين وتضرع .. وخضوع .. وخشوع .. وخفية .. وهي شروط استجابة الدعاء ... إذا صنعت ذلك ممكن أكون مثل " على " رضي الله عنه .
.

إذا صنعت ذلك أجارنى الله من جهنم يوم القيامة ..... مثل " على "

وأجارنى من حرها وبردها في الدنيا ...... مثل "على"
.

إذن المسافة ليست كبيرة ؟؟؟؟ ........................ بل إنها كبيرة جداً

المسافة هى : الصدق
.

سئل الإمام أحمد : كم هى المسافة بيننا وبين عرش الرحمن ؟!

فقال رحمه الله : دعوة صادقة .
.

أصبحت لا أبرح هذا الدعاء في الحر أو في البرد ... حتى والله وجدتنى لا أتألم ولا أتأفف ولا أنزعج من حر .. ولا من برد.
.

ولكنني ألبس في الصيف ..... ملابس الصيف

وألبس في الشتاء .... ملابس الشتاء

الأحد، أكتوبر 25، 2009

اكتمال الصورة .......(2)إسناد القفا

.

إسناد القفا
.

.

الإسلام أعظم من أن يحيط به مخلوق ، والعلم أوسع من أن يجمعه رجل ، والفقه أجل من أن يختزل في عالم .

كان جدي رحمه الله قد درس الفقه المالكي ، وكانت كل آرائه في العبادات والمعاملات هي آراء مالكية .

كان رحمه الله إذا صلى وقف مستقبل القبلة .. منتصب القامة .. معتدلاً تمام الاعتدال .. ينظر دائماً إلى الأمام .

.

وكنت أرى الناس يصلون فيحنون رقابهم ؛ ينظرون إلى مواضع سجودهم ، كما يفتيهم بذلك العلماء إذا سألوهم : أين أنظر وأنا أصلى ؟

: في موضع سجودك .

.

وسألت جدي ذات يوم : لماذا لا تنظر في موضع سجودك وأنت تصلى ؟! لماذا تنظر دائماً إلى الأمام ؟!

فقال رحمه الله : أنا آخذ برأي مالك رضى الله عنه .

.

هل كان جدي رحمه الله مقلداً صرفاً ؟! أم كان يعرف دليل مالك وأدلة الآخرين واقتنع أن مالكاً هو صاحب الرأي الصحيح ... أو على الأقل .. صاحب الرأي الراجح ؟!!

هذا مالا أعرفه ، ولم أسأل عنه ، ولم يخبرني .
.

وتوفي جدي رحمه الله ... وعرفت بعد ذلك مجالس العلماء ، وخطوت نحو العلم خطوات .. وتصفحت مراجع الفقه وكتب التفسير .. فوقعت ذات يوم عليها .

.

إن مالكاً رضى الله عنه يرى أن النظر في موضع السجود هو اجتهاد من بعض الصحابة أو التابعين ، وهو يتنافى مع تمام القيام الذي أمرنا الله به حيث قال : "وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد " الأعراف 29

وقال: "وقوموا لله قانتين " البقرة ، وقال: "خلقك فسواك فعدلك " الانفطار7

فتمام القيام وكمال الاعتدال يقتضيان النظر إلى الأمام واستقامة العنق مع الظهر
.

وغيره من الأئمة يقول: إن النظر في موضع السجود أقرب لإدراك الخشوع الذي هو روح الصلاة ، وبعض أصحاب هذا الرأي تجده يقول بعدها : ولا شك أن تمام القيام والنظر إلى الأمام أفضل لمن يقدر عليه .

.

ومرت شهور .... وسنون وبينما كنت أقرأ في كتاب من كتب الرقائق يذكر فضل قيام الليل إذ وقعت على هذا الحديث :

"وقيام الليل شرف المؤمن ... ومطردة للداء عن الجسد " رواه الترمذي

ووقفت طويلاً عند كلمة "مطردة" فوجدتها تعنى أمرين ؛ أولهما : أن الداء قد يزحف أو يتسلل إلى الجسد وقيام الليل يطرده، وثانيهما : أن الداء قد يكون فعلاً في الجسد ... وقيام الليل يطرده .
.

إنه وقاية .... وعلاج

.

ولكن : كيف ؟ وما العلاقة بين الصلاة التي هي قرآن ودعاء وخشوع وبين الأدواء التي تبرح الإنسان ؟!

.

ولكني سلمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصدقت بحديثه ، وتناولته بكمال الرضا ... إذ العبادات توقيفية ، وقد لا يعقل معناها ، وقد لا ندرك الحكمة من ورائها .
.

" وفوق كل ذى علم عليم " يوسف 76
.

ومنذ ثلاث سنوات وأنا أقرأ في كتاب "وحي القلم" للأديب المسلم البارع الفيلسوف الحكيم بلا منازع : مصطفى صادق الرافعي ، وفي رائعة من روائعه بعنوان : العجوزان .

.

يحكي قصة رجلين : كانا صديقين حميمين ... افترقا في سن الأربعين والتقيا وهما في سن السبعين ، فأما أحدهما فقد انحنى ظهره ، ولم تكفه ساقاه فاعتمد على ثالثة هى العصا ، ومشى يجر رجليه ، فإذا أراد القيام أو القعود : نظر إلى الناس من حوله ثم أشار إلى أحدهم قائلاً : "خذ بيدي من فضلك "

.

وأما الآخر فهو لايزال معتدل القامة ، رشيق القوام ، واسع الخطوة ، يصافحك فتشعر بعافية يده في يدك فتقول في نفسك " من منا العجوز " ؟!

.

ثم يبحث الرافعي ببراعة في حياة كل منهما ليخلص إلى أن سبب العجز والشيخوخة في الأول هو عادة طأطأة الرأس وانحناء القامة ، وأن سر الشباب والفتوة في الثانى هو عادة رفع الرأس وانتصاب القامة .

.

ويسميها الرافعي :
.

" إسناد القفا"
.

ومعناه أن تسند قفاك إلى ياقة قميصك أو معطفك ، فإن الذين اعتادوا "إسناد القفا " هم أشفى الناس ، وآخر من يعرف الداء طريقهم . فلما تمثلتها ... وجدتنى أنظر إلى الأمام وقد استقامت عنقي مع ظهري ......

.

ثم استمعت منذ عام إلى الدكتور / عادل عبد العال - أستاذ الطب البديل- وهو يتحدث عن فضيلة اعتدال القامة فيقول :

ان اعتدال القامة يشد عضلات العنق والظهر والفخذين والساقين ، فتظل هذه العضلات قوية مفتولة مما يضمن سلامة العمود الفقري والمفاصل ويضمن سلامة الجهاز التنفسي ويمنع ترسيب الدهون وتراكمها ... فإنها تتراكم فوق العضلات المترهلة ....
.

فقلت : سبحان الله .... صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

غفر الله لجدي ...... ورضى الله عن الامام مالك

ورحم الله الرافعي ..... وحيا الله الدكتور عادل عبد العال


وصلى الله وسلم وبارك على معلم الخلق أجمعين وعلى الرحمة المهداة للناس أجمعين.
.
.

اكتملت هذه الصورة في نحو أربعين سنة
.
.

الجمعة، أكتوبر 16، 2009

اكتمال الصورة ..........(1) البر لا يبلى




اكتمال الصورة .... (1)
.
.


1- البر لا يبلى
.
.


كنا نسكن في ضاحية من ضواحي الإسكندرية ، وكنا ربما لا نرى "وسط البلد" إلا لشراء مستلزمات المدارس والعيد وخصوصاً الحذاء من أجل ضبط المقاس .


.


ووسط البلد هو ميدان "المنشية" أو بالأحرى "ميدان محمد على باشا" ... ميدان فسيح تتوسطه حديقة ، ويتوسط الحديقة تمثال ضخم بأكبر من الحجم الطبيعي أقيم على قاعدة ضخمة ارتفاعها يقترب من ثلاثة طوابق ، والتمثال لمحمد على باشا وقد امتطى ظهر جواده وامتشق سيفه .


.


وكنت أسأل أبي: من هذا الرجل ؟! فيقول : محمد على باشا ... لايزيد على ذلك ، حتى كانت السنة السادسة الابتدائية ، وكان مما درسناه تاريخ الدولة العثمانية ، وبالذات في الفترة التى كانت مصر يحكمها "محمد على باشا" والذي يعتبرونه "مؤسس مصر الحديثة ".


.


وكنت أقول لنفسي : ما نسبة تمثال محمد على باشا ... إلى محمد على باشا ..


.




كلما رأيت سيارة أخى وصديقي المهندس / محمود خليل "الفولفو volvo "تذكرت هذه اللقطة من طفولتى .


.


فولفو volvo قديمة جدا .. لم يبق فيها مايدل على أنها فولفو volvo إلا كلمة volvo المكتوبة على جسم السيارة ، كلما رأيتها أقول لنفسي : إن نسبة هذه السيارة إلى السيارة volvo كنسبة تمثال محمد على باشا إلى محمد على باشا .


.


وكنت أحيانا أمازح المهندس / محمود خليل فأقول له : والله إن هذه السيارة فعلا فولفوvolvo ولكنها فولفو بك ، ولولاك ماكانت فولفوvolvo أبداً .... ثم أمازحه مرة أخرى فأقول له : "البركة بالسكان ... وليست بالمكان" .


.


ذات يوم وبينما كان محمود عائداً من عمله في الساحل الشمالي ، وبالتحديد عند منطقة "سيدي عبدالرحمن" ، وفي فصل الصيف القائظ وقت الهاجرة ... أبصر محمود شاباً على الطريق يشير بيده إلى السيارات المتجهه نحو الإسكندرية ، محمود يفكر في التوقف ... يهديء من سرعة سيارته .. يتوقف بعد مسافة ليست بالقصيرة .. والشاب خلفه هناك .. لازال يشير بيده ... ولكن أحداً لا يتوقف .


.


محمود يرجع بسيارته في الاتجاه الآخر، ثم يدور ، ويقف أمام الشاب ويفتح له باب السيارة الفولفوvolvo ويقول له : تفضل ... اركب .


.


يركب الرجل ويتجاذبان أطراف الحديث .. الصيف .. الحر .. المواصلات .. السياسة .. غلاء الأسعار .. زلزال اليابان .. حتى ظهرت معالم مدينة الاسكندرية .. فقال محمود للرجل : أنا ساكن في العجمى .. فقال الرجل : وأنا ساكن في الدخيلة بعدك بقليل ، سأنزل في العجمي وأركب أي سيارة أجرة للدخيلة .


.


سيارة محمود الفولفوvolvo لا تتوقف إلا في الدخيلة ، ويبلغ محمود بالرجل قريبا من بيته ، فيتزل الرجل شاكراً ممنوناً ، ويدعو محمود إلى الغداء ... الشاى ... حاجة ساقعة ... ولكن محمود يشكره ويعتذر .. ويعود إلى بيته بالعجمي .....


.


مر ما يقرب من ستة أشهر على هذه الواقعة .... وبينما كان محمود راجعاً من عمله في الساحل الشمالى وفي يوم عاصف ممطر مرعد مبرق ... تعطلت سيارة محمود الفولفو volvo عند "سيدي عبد الرحمن" .


.


محمود "مهندس مدنى"وكل علاقته بالسيارة : الجلوس أمام عجلة القيادة ، وتموين السيارة بالوقود من المحطة ،وملء مبرد الموتور بماء التبريد ، وتغيير الإطار الاحتياطى إذا لزم الأمر .


.


نزل محمود مستعيناً بالله ، ورفع غطاء الموتور ، وظل يتأمل في أحشاء السيارة المتهالكة .. أسلاك .. أنابيب .. مواسير .. مروحة ضخمة ... وكتل من الحديد لا يعرف بدايتها من نهايتها..


.


وبينما هو منكفيء تحت الغطاء يكاد يبكى من الحسرة والألم ... إذ سمع صوتاً يقول : مرحبا ياباشمهندش ... فرفع محمود رأسه : مرحبا بك ..


- خير ياباشمهندس


- تعطلت سيارتى هنا منذ عشر دقائق .. ولا أدرى ماذا أصنع


- تفضل يا باشمهندس ..ضع المفتاح .. ودور السيارة .


- هو انت بتشتغل إيه ؟


- كهربائي سيارات


.


يجلس محمود على مقعد القيادة ويدير المفتاح .. وصاحبنا يقول : تمام .. لا .. ارجع ... دوس بنزين .. دور تانى ... حتى دارت السيارة .


.


فتح الرجل باب السيارة وجلس على المقعد المجاور لمقعد محمود فشكره محمود وأثنى عليه ودعا له بخير .


- خيرك سابق ياباشمهندس


- هو احنا اتقابلنا قبل كده ؟!


- نعم كنت أقف على الطريق هنا في الصيف الماضى ... وحملتنى بسيارتك هذه إلى الدخيلة .. وانت بالأمارة ساكن في العجمى .


.


فقال محمود : سبحان الله ، كنت أظن أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم "البر لا يبلى " معناه أنه لا يضيع أجر فاعله عند الله ، وأن الله يحفظ أجره ويصونه حتى يوم القيامة .. لكن اليوم اتضحت الصورة واكتمل فهمى للحديث ... فإن البر لا يبلى في الدنيا أيضاً .. وها هو البر الذي صنعته في يوم من الأيام لم يبل ، وقد رده الله إلى في وقت أنا أحوج ما أكون إليه .. وظل محمود يتحدث مع صاحبنا حول هذا الحديث النبوي الشريف المبارك حتى وصلت السيارة الفولفو volvo إلى الدخيلة وأراد الرجل النزول ...


فقال له محمود: يا أخى أنا لم أتشرف بالتعرف عليك حتى الآن .. أنا أخوك محمود خليل مهندس مدنى بالساحل الشمالى


فقال له الرجل : وأنا أخوك جوزيف .. كهربائي سيارات


يقول محمود: لقد ازدادت الصورة الأن وضوحا.....إن البر لايتعلق بديانات الناس ولا بجنسياتهم... إن البر هو الإحسان إلى الإنسان حيث هو إنسان لاغير... أو لم يقل الله:" لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم .." سورة الحديد !!!!!
.
.


اكتملت الصورة في ستة أشهر





************************






تنويه واعتذار:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




زوار وزائرات المدونة الكرام .. أعتذر لكم في تأخرى عن وضع تدوينات جديدة في الفترة السابقة - منذ شهر تقريباً - فما كنت لأغفل عن أمانة تركها لى أبي ولكن أنا أنتظر حتى تأتيني التدوينة من أبي "سجن برج العرب" .. وما شغلنى عن الكتابة إلا كما يقال " الشديد القوي" .. فالواجبات أكثر من الأوقات .. وفقط


.


إسراء توكل مسعود

السبت، سبتمبر 19، 2009

إن عادوا ..... فعد (15) تواصل الأجيال

تواصل الأجيال

.

.


بعد شهر كامل من الاعتقال زارنا أهلونا في سجن طرة وكانت زيارة مباركة أسعدتنا زوْراً ومزورين .
.
نقلت زوجتي إلىّ تحيات ودعوات أهلى وإخواني وجيراني ... وسألتها : هل من رسالة من أبي ؟!
قالت: نعم ... ولكنها شفهية ... هو يقول لك : "من المؤمنين رجال ....."
قلت:
هلا أكمل الآية ؟!
قالت:
سألته ذلك .. فقال أنت أدرى بها .... أنت تكملها ....
فقلت :
نعم ... "من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً " سورة الأحزاب
.
.
جلسنا ساعتين نجتر الذكريات ونسأل عن القاصي والداني حتى قفزت صورة تفتيش بيتي إلى مخيلتي ....
سألت زوجتى :
كان الضابط قد عثر على ورقة اهتم بها كثيراً ولكنه نسيها إلى جوار حقيبة إحدى البنات ..
قالت :
نعم ... وأنا كنت أرقبه .. فأسرعت إلي الموقد فأحرقتها ..
قلت :
متى؟؟
قالت:
قبل أن تغادروا الشقة ... والله لو ذكرها عند الباب فعاد إليها لما وجدها .
قلت :
ماكان فيها ؟!!
قالت : والله ما أدري ولا نظرت فيها ... وهل كان الوقت وقت قراءة واطلاع !!!
.
ودعنا أهلنا وحملنا أمتعتنا إلى الزنازين بعدما قام رجال المباحث بالسجن بتفتيشنا وتفتيش كل ما وصلت إليه عيونهم وأصابعهم ... وبينما كنت أرتب ثيابي التي حملوها إلي في الزيارة إذا بقصاصة ورق صغيرة تسقط من بين الملابس ... فقرأتها :
.
.
أبي الحبيب:

السلام عليكم ورحمة الله
وبعد،

فقد وحشتنى كثيراً ... وكلما فتحت درج الكمودينو ونظرت إلى صورتك يكاد يغلبني البكاء ... ولكني أتشجع وأقول لنفسي : إن أبي يجاهد في سبيل الله والحق وسوف ينصرنا الله في يوم من الأيام
.

ابنتك إسراء
.
.

لا أدري كم مرة قرأت هذه الرسالة ربما عشرات المرات ... حتى إنني من فرط تعلقي بها عددت كلماتها فوجدت " أربعين كلمة " ولكنها توفر عليك قراءة أربعين كتاباً فقد استوعبت كثيراً من القضايا والمفاهيم التى لم يستوعبها بعد كثير ممن تجاوزوا الأربعين بينما كانت إسراء في ذلك الوقت قد أتمت العاشرة لتوها فقد كان مولدها يوم 12 فبراير 1988 وكان اعتقالنا في التاسع من فبراير 1998 .
.
حمدت الله على التوفيق وأعددت رداً موجزاً على رسالة إسراء .... كتبته وأودعته أوراقي في زنزانتى ... ولم أحفظ كلماته ...

الحمد لله تواصلت أجيالنا ... هاهو صوت أبي يبلغني في رسالة مع زوجتي يدعوني إلى الثبات والمصابرة ... وهاهو صوت ابنتي يبلغني في زنزانتي ...وإنه في الحقيقة لصدى صوتي .... ومرآة حقيقتي ...
.
إن ديناً يحمله الناس بهذا الإصرار .... لا يكون إلا الذي يرضاه رب العالمين ... وإن أناساً يحملون الدين بهذه العزيمة لجديرون أن ينصرهم الله ....

.
.
"في يوم من الأيام " ............ على حد تعبير إسراء
.

.

ذات يوم فتشوا حقائبنا وأوراقنا فعثروا على الرسالتين : رسالة إسراء .. ورسالتي التي ترد عليها ... وكنت أود أن تبلغها .. فحزنت في البداية ثم رجعت إلى نفسي .. وقلت سبحان الله ... لكأن الله أراد لهم أن يقرأوا رسالة بنت العاشرة وأن يقرأوا جواب أبيها عليها .
.
.
لعل أحدهم يقرأهما فيتغير حاله ويهتدى ويرق قلبه وتهذب نفسه لما فيهما من حب وشوق وعاطفة بين بنت وأبيها ... فإن لم تكن هذه فلتكن الأخرى ... ولعل ما فيهما من العزيمة والإصرار وتواصل الأجيال والتعاهد على الاستمرار ... لعل ذلك كله يفت في عضده فتنهزم نفسه ... ثم من بعد ذلك تنهزم إن شاء الله دولته ..
.
.
بعد حوالي ثلاثة أشهر أفرج عنا وعدنا إلى أهلينا ودعوتنا سالمين غانمين ولعلنا أن نكون إن شاء الله "مأجورين غير مأزورين " ...
..
لقيت أبي فعانقني وعانقته وبكى فرحاً لرؤيتي وطرباً بعودتي ودعا لي بالسلامة والعافية ... ثم قال: ... أريدك أن تقص على كل ماحدث معك ومع اخوانك منذ أخذوك من المسجد وحتى عدت إليّ الآن ... ولا تبخل عليّ فإني أسر بسماع أخبار الرجال وأحب أن أطمأن على الأبطال ... وكلي آذان صاغية .
قلت : الوقت ضيق ... والحكايات كثيرة ...
قال : أعطنى يوماً من صياحه وحتى المساء والغداء عندي .
.
.
ذهبت صباح اليوم التالي ... فقصصت عليه كل ما قصصته عليك في هذه السلسلة التي بلغت حتى الآن خمس عشرة مقالة من الصباح وحتى المساء فلم يقطع حديثي معه إلا القيام للصلاة أو كوب الشاي أو موعد الغداء فلما قضيت مأربي ... وارتويت من عينى أبي .... وغذيت من بشاشة وجهه وإنصات جوارحه وأردت الاستئذان عند المساء ... قام أبي رحمه الله إليَ فعانقني وقبلني ونظر إليّ نظرة عميقة أدركت أنها نظرة تحريض .... وقال بهمة وإصرار
.
.

"إن عــــــــــادوا .... فعــــــــــــــد..... "

.
.
مات أبي رحمه الله بعدها بعام واحد ..
وعادوا ..... والحمد لله ... وعدت ..... بفضل الله ....
وفي كل مرة أذكر وصية أبي ... وأتذكر قول الله تعالى : "إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم " يس
وأقول : هذا أثر من آثاره ..... رحمه الله رحمة واسعة ...

.

.

الأربعاء، أغسطس 26، 2009

إن عادوا .... فعد (14) عبدالطاغوت... و...وعر الطاغوت



عبد الطاغوت .... أو .... عبدالمأمور (2)

.

.

.


والأصل في كلمة "العبد" عند العرب ... من الطريق "المعبدة"
.
إن الطريق "المعبدة" طريق سهلة لينة تطؤها الأقدام فترتاح ... ويسهل المشي عليها .
.
أما الطريق "الوعرة" .. "غير المعبدة" فإنها لا يسهل وطؤها ، وسيتعرض سالكها لكثير من المشاق .. وسيتعثر في كل خطوة .
.
فلا تكن " عبد الطاغوت " وكن:
" وعر الطاغوت "
.
نموذج :

.
ضابط أمن الدولة يستدعي شاباً بالجامعة ويسأله عن بعض الشخصيات العامة الذين ليس فيهم قاتل ولا مجرم ولا هارب من تنفيذ حكم قضائي ... كلهم صاحب رأي ... ثم يخرج له صوراً لأشخاص آخرين فينكر الشاب معرفته بالأسماء وبالصور ...
.
ثم يفاجأه الضابط بصورة امرأة عارية مع رجل عارٍ في وضع جنسي شاذ .... ربما لم ير هذا الشاب مثل هذه الصورة في حياته .... إلا في .....أمن الدولة .
ثم يقول الضابط للشاب : أتعرف هذه ؟! فيجيب الشاب: لا .
فيقول الباشا : هذه أمك !!

.
ولكن الشاب الذي تربى على العزة والكرامة والإباء يقول له وبهدوء شديد يجعله يفقد أعصابه وتوازنه وعقله ، وكل ما بقي عنده من آثار الإنسان .... إن كان هناك إنسان .
يقول له : إنها تشبهك كثيرا ... يبدو أنها أمك .
.
فهنا يرميه بكل ما على مكتبه من أوراق وأدوات وأقلام وتليفون ويجن جنونه ويفقد صوابه .... ويستدعي الزبانية ليؤدبوا هذا الشاب لأنه : قليل الأدب .
.
ثلاثة أيام بلياليها .... يضربونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق أطعموه وسقوه ... ثم ضربوه حتى يغشى عليه .... وهكذا .....
.
.
أين الإنسان في هذا الإنسان ..... الإنسان الذي فيه جسده ورجلاه ويداه وعيناه وأذناه ولون بشرته ... أما القلب والعقل والنفس والأخلاق والآداب فقد مسخت جميعاً فصارت شيئاً آخر عطفه الله على القردة والخنازير وسماه
"عبدالطاغوت"
.
الجسد جسد انسان ، والقلب قلب قرد ، والنفس نفس خنزير ، ألا فليعلم "عبدالمأمور" ...... أنه قد رضي بالمسخ وأنه تحول عن الإنسان الذي كان فيه إلى مخلوق جديد اسمه في القرآن "عبدالطاغوت " .. وفي عرف الناس "عبدالمأمور" ... وتحية من أعماق قلبي لكل من كان
" وَ عَرَ الطاغوت " ...
.
.
.
.
.

الاثنين، أغسطس 17، 2009

إن عادوا ..... فعد (13) عبدالطاغوت او عبدالمامور

بداية .. أعتذر لكم أني تأخرت في نشر التدوينة ... ولكن كما يقال الواجبات أكثر من الأوقات ... لذا اعذروني ... وأعدكم بعدم تكرار ذلك ... انتظروا على "بلاوطن " تدوينة جديدة كل اسبوع إن شاء الله :)



.إسراء



إن عادوا .... فعد (13)
.
.

عبد الطاغوت ...... أو ...... عبد المأمور(1)

.
.

فإذا انتقلت إلى عجيبة أخرى من عجائب القرآن وهي قوله تعالى :
.
" قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ" .........
المائدة (60)
.
.


"جعل"
تفيد التحويل .. أي أنهم كانوا بشراًفحولهم الله إلى شيء آخر قردة وخنازير وعبد الطاغوت .
التحول إلى قرد وخنزير هنا مسخ الهيئة والصورة والشكل واللون .
.
أما التحول إلى " عبد الطاغوت " فهذا مسخ النفس والقلب والأخلاق والآداب ولكنه على كل حال : لون من ألوان المسخ والتحول عن البشرية السوية والإنسانية الراقية إلى مخلوق جديد ، ليس من جنس البشر الذين نعرفهم ولا من جنس الإنسان الذي نأنس به .
.
"عبد الطاغوت " الذين يحبونه وبنتمون إليه ويدافعون عنه ويسيرون في ركابه .
.
"عبد الطاغوت " هم ذراعاه وأصابعه وقدماه ونعلاه ... هيئتهم هيئة البشر وخلقتهم خلقة الإنسان ... لكن النفس صارت مسخاً والقلب صار قلب قرد أوقلب خنزير .... لا يرى ذلك ولا يدركه إلا ذوو البصائر وأولوا التمييز .
.
ما كان لك أن تدرك هذا المعنى وترى الآية مائلة أمامك ناطقة بمدلولها إلا إذا رأيت "عبد الطاغوت " في الفراعنة ... وسجن طرة ... وشديد الحراسة ... وحجز الدخيلة ... وحجز مينا البصل ...
وكم فيهم من فضلاء أخيار... كانوا يشدون من أزرنا ويثبتوننا ونرى الدمع في أعينهم ونلمس الصدق في حديثهم ولهذا حديث آخر .
.
.

وكما كان الأمر في الكفر بالطاغوت "إنه ليس تكفيراً " ولكنه إعلان رفض ومقاومة وتحدى وعصيان ، وتصميم على خلعه وإزهاقه وإسقاطه وإرغام أنفه ....
.
.

كذلك ليس "عبد الطاغوت " معناه التكفير .
لأن كلمة عبد بمدلولها اللغوى لا تعنى التكفير .
ولكن تعنى أنه صار ذليلاً خاضعاً لطاغوته ... وتعنى أنه صار هيناً ليناً في يديه يأمر فيأتمر وينهى فينتهى .... ليس لدى المسكين أي اعتبار إلا رضا مولاه : " الطاغوت " ، وليس عنده أي قيمة إلا راحة سيده "الطاغوت " .
حتى سمى نفسه ... وسماه الناس : "عبدالمأمور " ، وسماه القرآن : "عبد الطاغوت " .

.


وللحديث بقية

الأحد، أغسطس 09، 2009

لقد عادوا ... لذا كان لابد أن يعود

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة .. وبعد

أحبتي في الله :
شاء الله العلي القدير أن أخرج مرة ثانية من وراء الستار لأصبح بينكم .. لفترة لا يعلمها إلا هو .. فلقد اعتقل أبي ليلة أمس .. ومعه سبعة آخرون .. هنا الخبر
ويشهد الله أنى لم أغب عنكم فأنا متابعة جيدة جدا لكل جديد تدونونه بأقلامكم القوية .. ولكن يشغلنى عن الكتابة إليكم ما يشغلنى من عمل ودراسة ..
سأكون بينكم .. ولكن بقلم أبي .. فقلمي لم يحن وقته بعد .. سأكمل ما بدأه .. وسأنقل لكم "إن عادوا ... فعد " .. ولا أظن إلا أن أبي قد عاد ..
أدعوكم لقراءة " الطاغوت " مرة أخرى ... وأهديها لـ " طاغوت " الأمس ...
جزاكم الله خيراً .. ومرحباً بتعليقاتكم هنا أو على البريد الالكتروني dr_tawakul@hotmail.com

إسراء توكل

السبت، يوليو 18، 2009

إن عـــــادوا.... فعـــــــــد 12 الطاغوت

إن عادوا..... فعد 12



.


.



الطـــــــــــــــــــاغوت



عجبت قديماً من قول بعض علمائنا : إن خير تفسير للقرآن .. هو الدهر.
وعلى الرغم من أننى كنت أسعد كثيراً عندما أقرأ تفسير القرآن؛ فأقف على أسباب نزول الآية, وأعرف معاني مفرداتها وأسرار تركيبها؛ وأنبهر لكيفية معالجة القرآن للواقع الذي نزلت فيه الآية......إلا أن ذلك لم يكن ليخرجنى عن الزمان الذي نزلت فيه الآية أو... بمعنى أنني لازلت أعيش الواقع الذي نزل فيه القرآن منذ أربعة عشر قرناً من الزمان.
فلما انتقلت إلى واقع الناس واطلعت على طبيعة الأنظمة التي تقود حركة الحياة؛ انتقلت الآية إلى زماني الذي أعيش فيه، وأحسست بعمق أن الآية قد نزلت الآن.... ومن أجل هذا الزمان الذى أحيا وتلكم الأحداث اللاتى أعاصر..... وربما هؤلاء الأشخاص الذين تراهم عينى.... وهذه هي النقلة الممتعة من التفسير إلى التأويل، والبون بينهما شاسع.... ولتلك البديعة حديث آخر.


" الطاغوت "

تقرأ في كتب التفسير: الطاغوت: صيغة مبالغة من طغى يطغى فهو: "طاغ"، فإذا اشتد طغيانه وتكرر فهو: "طاغوت" على وزن "فاعوت".... والطغيان هو مجاوزة الحد.

نعم: كنت أقرأ هذا الكلام الجميل المنسق ثم أعود إلى الآية.... "فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى" سورة البقرة آية 256..... فأرى فى الآية عجباً:
.
لقد جعل للنجاة في الدنيا والآخرة شرطين:
1- الكفر بالطاغوت.
2- الإيمان بالله.

إن الإيمان بالله وحده غير كاف للنجاة في الدنيا والآخرة.
.
إن الكفر بالطاغوت شرط سابق أو مصاحب للإيمان بالله.... وإنه هو الضار النافع وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ......

الإيمان بالله: تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح والأركان.
بمعنى أن القلب يصدق ويطمئن ويرتاح ويسكن.... وأن لسانك يعترف بذلك ويقر... ويقول.... ويشرح... ويفصل... ويبين... وأن جوارحك وأعضاءك تنطلق لتحقيق هذا الإيمان في واقعك وواقع الناس من حولك فتصلى وتزكى وتحج وتصدق الحديث وتؤدي الأمانات وتغيث الملهوف وتعين ذا الحاجة وتسعى على الأرملة واليتيم والمسكين... كل ذلك ابتغاء مرضات الله الذي آمنت به.

والناس في هذا الإيمان مراتب ودرجات لا يعلمها إلا الله.... "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".

والكفر كذلك.... ليس مجرد اعتقاد بالقلب.
وإنما هو قلب ينكر.... ولسان بعارض..... وبفند..... وأعضاء تسعى وجوارح تعمل وتقاوم وتتحدى وتجاهد....

والناس في هذا أيضاً مراتب ودرجات لا يعلمها إلا الله...

عرفت "الطاغوت" ليس من كتب التفسير..... وإنما من فراعنة أمن الدولة وحجز قسم شرطة الدحيلة... وحجز مينا البصل... وطرة و....

الطاغوت: خصم ... وحكم ... وجلاد.
الطاغوت: ثلاث سلطات تدار بعقل واحد... ويد واحدة... بل هو سلطة واحدة في الواقع... لكنها على الورق ثلاث... السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية.
الطاغوت: عندما يكون الأمراء فوق العلماء.... والحكام فوق القانون... بل رغبة الحاكم هي القانون.... ووزير الداخلية فوق القاضي.

الطاغوت: عندما يكون قرار وزير الداخلية مبطلاً وملغياً وجاباً لحكم القاضي.... فإذا نودي على السجين بعد ثلاثة أشهر من الحبس ليبلغ بأنه قد صدر قرار بالإفراج عنه ظل مبهوتاً حتى يعلم جهة القرار.... فإذا كان القرار لوزير الداخلية تهلل وجهه واستنار وجاء الناس مهنئين وانتظره أهله وأعدوا الزينات.... والولائم.

أما إذا كان القرار حكم محكمة وقرار قاض .... نكس المسكين رأ سه..... وطأطأ الناس رؤوسهم..... وخيم الإحباط وسرت روح الخيبة وجاء الناس يعزون صاحبهم ويشدون من أزره ويجتهدون ما استطاعوا لانتشال نفسه من وهدة اليأس التى سقطت فيها... وبلغ ذلك أهله فحزنوا وخابوا وخسروا.

نعم هذا هو...... مجاوزة الحد الذي تتكلم عنه كتب التفسير لأنها كتب "نفسير".... أما الواقع الذي وضعته بين يديك فهو التاأويل وهذا لا يدرك من الكتاب ولكن يدرك من الواقع ومن الدهر.

هذا الطاغوت ينبغى أن يكفر به لتتم النجاة في الدنيا والآخرة.

أقول ينبغى أن "يكفر به" كما قال القرآن: "يكفر بالطاغوت" ولا أقول ينبغى تكفيره كما يصنع أدعياء العلم وأدعياء الدعوة..... بل إن قضية كفره أو إيمانه هي قضية لا تشغلنى أصلاً ولا ينبغي أن تشغلنى.... والكفر به أعظم أثراً وأبلغ عمقاً من مجرد تكفيره..... وماذا كسب الناس من أن يقولوا له: أنت كافر، .... ثم ينصرونه... أو يسكتون عنه.؟؟؟!!!


الكفر به يعنى رفضه....... وتحديه و مقاومته وملاحقته ومصابرته وتوسيع دائرة حربه وجمع الناس على خلعه وإسقاطه وإزهاقه وإرغام أنفه....

أدركت الآن أن من أعظم القربات إلى الله ....... مقاومة الاستبداد السياسي والاجتماعى...... وهي التى سماها القرآن "الكفر بالطاغوت"....

.

.

وللحديث بقية

الخميس، يوليو 09، 2009

إن عـــــــادوا...فعــــــد 11 زمن الخيبة 2

أحــــــــاديث المجــــــــــالس 2

.

.


زمـــــــــن الخـــــــــيبة...(بقية)

.

.




الزبون : جرح أذنى بالموسى



.



شنكل : ماذا أصنع ؟!.... هو أصلع.... والموسى تزحلق على صلعته


.
فشكل يتجه نحو ولده غاضبا يريد أن يصفعه على وجهه...... ولكن شنكل يتفادى اليد المرتعشة فتسقط يد فشكل على وجه الزبون فيكون قد جرح أذنه، وصفع وجهه....... شنكل جرحه.... وفشكل صفعه... يعتذران للرجل ويضعان ضمادة على جرحه.... ويقدمان له.... "حاجة ساقعة"وينصرف الزبون

.

.


الزبون : ياريتك يا عم فشكل انت اللى تحلق لى
.


فشكل : لا.... الولد كويس..... وشاطر.... ده تربية إيدى.... وأنا اللى معلمه..... هو الزبون اللى مناكف.... بس أنا قلت عديها.
.


يعود فشكل إلى قهوته ومجلته.... فيأتيه الصراخ مرة ثانية.


.



.



فشكل: ماذا حدث ؟



الزبون: الحقنى يا عم فشكل .... ابنك دبحنى



شنكل: ماذا أصنع .... قلت له: آخد لك دقنك عالناشف.... قال: لا.... لابد من الكريم والصابون.... والصابون زحلق الموسى... فجرحه

.

.



فشكل يسارع إلى المكنسة خلف باب المحل ويرفعها إلى أعلى لينزل بعصاها على رأس شنكل ولكن شنكل يتفادى العصا المرتعشة.... فتهوى العصا على رأس الزبون فتجرحه..... جرحا عميقا نازفا.....

.

.



يصرخ الزبون... ويجتمع الناس.... شنكل جرحه فى عنقه بالموسى....... وفشكل أدمى رأسه بعصا المكنسة

.

.



يخفف الناس من مصاب الرجل..... ويجاملون شنكل وفشكل.... بسيطة..... سهلة.... ولا حاجة.... ده خربوش....... وإيه يعنى.... المسامح كريم..... قدر ولطف...... قضا أخف من قضا..... احمد ربنا اللى جت على قد كده.......

.


يحتسى الزبون كوب الليمون البارد وينصرف شاكرا... ممنونا... يكاد عند انصرافه يعتذر لفشكل ويتأسف لشنكل

.

.




ثم جاء دور الأخير:



.



.



الزبون: اسمح لى يا عم فشكل..... أنا تأخرت كثير.... وعندى موعد... سآتى غدا إن شاء الله
.


فشكل: لا يا بنى...... بسرعة.... خمس دقائق إن شاء الله.... ماكينة ولا مقص ؟؟!!

.


الزبون: مقص ... يا عم فشكل
.


فشكل: خلاص يابنى هيحلق لك شنكل.... وهنطلب لك قهوة.... على ماتبرد القهوة.... يكون شنكل حلق لك.... قهوتك ايه؟؟؟!!


.
الزبون: مضبوطة ياعم فشكل.... بس ياريت انت اللى تحلق لى

.



فشكل: لا يابنى.... أنا بتاع الماكينة.... وفشكل بتاع المقص...... النظام كويس يا بنى

.



الزبون: طب خلى القهوة سادة ياعم فشكل.... شنكل ممكن يدبحنى

.



فشكل: والله لو عملها..... ماله عندى إلا ضرب النار فى أم رأسه وهذا مسدسى....

.
.


فشكل يخرج الطبنجة من جيبه ويضعها على المنضدة الى جوار القهوة والمجلة

.

.



الزبون : أمرى إلى لله...... هيا يا شنكل


.


شنكل: شعر ولا ذقن ؟

.



الزبون : شعر يا بنى.... استعن بالله يا شنكل..... وتمهل ولا تتعجل... الوقت معانا... لسنا مستعجلين...... واللى تقدر عليه اعمله..... واللى ما تقدرش عليه... سيبه ... لما اروح البيت أكمله.... أو بكرة تكمله لى

.



شنكل : ولا يهمك يا عم الحاج

.

.


وبعــــــد قليـــــــل:

.

.



الزبون: أنا ليه حاسس ان فى حاجة دافية ماشية على قفايا......

.



شنكل : ده دم يا عم الحاج

.



الزبون: ينظر إلى المسدس على المنضدة: " ومن أين يا بنى الدم "

.



شنكل: ودنك اتقطعت يا عم الحاج

.



الزبون: يعنى ممكن تتخيط يا بنى؟؟!!

.





شنكل: انا لفتها فى الفوطة........ خدها معاك وانت ماشى واتصرف فيها... مش عايز وجع دماغ !!!

.



الزبون: ينظر إلى فشكل..... طب وطى صوتك يابنى.... وماتخليش أبوك يشوفنى.... أبوك شافك يابنى !!!

.





شنكل: لا يا عم الحاج

.



الزبون: أيوه يابنى... الله يسترك.... أوعى أبوك يشوفنى .

.

.

انتـــــــهت.

.


وابقوا معى

.0

.

.

السبت، يوليو 04، 2009

إن عادوا فعد (10) أحاديث المجالس زمن الخيبة1

إن عــــــادوا .... فعــــــــد .... (10 )

.

.


أحاديـــــث المجـــــــــالس ... (2)

.

.



"زمن الخيبة "

.


صار للخيبـــــــة جذورا عميقة وأثمرت ثمارا عفنة....وتوارثتها الأجيال حتى أصبحنا نستغيث بخــــــــائب من خــــــــائب .... ونهرب من خــــــــائب إلى أخــــــــــيب... ونصفق للأخــــــــــيب لأن خــــــــــيبته أهون من خـــــــيبة المخــــــــــيوب ... ونفرح بالمخــــــــيوب إذ هو أخف وطأة من الخــــــــيبان....
.


.
هذا كله فى نظر "الخيــــــــُّــــب" .... الذين لا يحسنون تقدير المصالح والمفاسد، ولايفرقون بين الضار والنافع... وإلا فإن الفقه العميق يأمر بتحمل أدنى المفسدتين لتفوبت أعظمهما... إذا كان لامناص من إحداهما.... هذا كلام العلماء والفقهاء.... فإذا أراد الرجال أن يطبقوه فهموا أن أدنى المفسدتين أن يضحى الرجل بنفسه وماله فيسيل دمه وتزهق روحه وهو يطيح بالخائبين كليهما أدناهما وأعلاهما.... فيكون قد تحمل المفسدة الصغرى.... وهى جريان دمه وزهوق نفسه لتفويت المفسدة الكبرى..... وهى تسلط خائب ومخيوب وخيبان.
.


.



أما إذا تلقاه القاعدون الجبناء فهموا أن خيبة الخايب أدنى من خيبة الخيبان... فصفقوا للخايب ورحبوا به.... فلما تمكنت الخيبة وصار لها قواعد وأصول وفنون ومناهج وقيادات ورموز ومنظرين..... ثم بعد ذلك جيوش تحميها وطائرات تصونها ومدافع تدك أعاديها ..... صار القاعدون الجبناء لا يميزون بين مراتب الخيبة ولا يعرفون أعلاها من أدناها فصفقوا لكل خايب، وامتدحوا كل مخيوب، وأحنوا رؤوسهم لكل خيبان.... ولا عزاء للفقهاء ولا للعلماء..... إن لم يكونوا فى أول صف من صفوف الرجال الذين يفعلون مايقولون... ويأمرون الناس بالبر ولاينسون أنفسهم...


.


.


"فَشْكَل": حلاق قديم ... كبر سنه ... ووهن عظمه .... وصارت يده ترتعش إذا أمسك مقصاً أومشطاً... فلا تدري أهي ذاهبة لقص شعر رأسك ... أم أنها في طريقها إلى أهداب عينيك ....

هرب الناس من "فَشْكَل" لأنه يوما ً... يجرح... ويوماً ... يذبح ...

.

"شَنْكَل":ولده الوحيد ... دللهـُ كثيراً ...وأفسده أكثر .... فما أفلح الولد في مدرسة ... ولا استطاع أن يتقن حرفة ... أو يحسن صنعة ... حتى صنعة الحلاقة ... فشل في تعلمها.

.

خيم على دكان "فَشْكَل" السكون والهدوء ... فلم يعد يسمع فيه صوت المقص ولا همس المَسَنّ ..... وعاد "شنكل" يكنس المحل آخر اليوم فلا يجمع إلا كومة من تراب بعدما كان يجمع كل يوم كيساً من الشعر .

.


"المشهد الأول"


.

جلس"شَنْكَل" إلى أبيه "فَشْكَل" وحادثه .
.
شنكل: أرأيت يا أبي ما وصل إليه حالنا!ّ!
.
فشكل: نعم يا شنكل .. ماذا أصنع وأنا رجل مسن ... وهذا حالي
.
شنكل: أنا عندى اقتراح !!!
.
فشكل: قل يا شنكل
.
شنكل: نجدد المحل ... ونغير اللافتة ... فنرفع اسم "فشكل" ونضع اسم "شنكل" ... ونعلن عن افتتاح ضخم ... ونعلق الزينات ... ونصم آذان الناس بالموسيقى والأغاني
.
فشكل: على أن تكون البداية بالقرآن الكريم .... يا ولدى
.
شنكل: نعم يا أبي هذا أمر لا خلاف عليه
.
فشكل: وكيف يسير العمل داخل المحل يا شنكل؟
.
شنكل: كل حلاقة فيها موسي ومقص ستكون من نصيبي... وكل حلاقة بالماكينة فهي موكولة إليك
.
فشكل: نعم الرأي يا شنكل
.
.

"المشـــــــهد الثــــاني"

.

.

الموسيقى الصاخبة ... تصخب بعدما قرأ القاريء .... والأغاني الهابطة تصم الآذان ... والناس ..... تغدو وتروح وتبارك الافتتاح الجديد للمحل وتشد على يد شنكل وتصافح فشكل ويبشرونه بمستقبل مشرق على يد شنكل بن فشكل ولم لا... وهو خير خلف لخير سلف ... وهذا الشبل ... من ذاك الأسد.

.

جاء ثلاثة رجال ... كل منهم يريد أن يقص شعره بالمقص وأن يحلق ذقنه بالموسي ... وأن يحف شاربه ... قام شنكل يمارس مهمته ... وجلس فشكل يحتسي القهوة .... ويتصفح المجلات القديمة... ويستمتع بصوت المقص تضرب أصابع فشكل فكيه ... وكأنما هو العزف لا قص الشعر.

.

.

وبينما هو يرفع الفنجان إلى فيه إذ سمع صوث صارخ فالتفت لينظر الخبر..... ارتعشت يد فشكل واضطرب الفنجان فى يده فأحرقت القهوة شفتيه وانسكبت على ثيابه....

.

.

.

وللحديث بقية


.

.

ونلتقى على الإيميل