السبت، يوليو 18، 2009

إن عـــــادوا.... فعـــــــــد 12 الطاغوت

إن عادوا..... فعد 12



.


.



الطـــــــــــــــــــاغوت



عجبت قديماً من قول بعض علمائنا : إن خير تفسير للقرآن .. هو الدهر.
وعلى الرغم من أننى كنت أسعد كثيراً عندما أقرأ تفسير القرآن؛ فأقف على أسباب نزول الآية, وأعرف معاني مفرداتها وأسرار تركيبها؛ وأنبهر لكيفية معالجة القرآن للواقع الذي نزلت فيه الآية......إلا أن ذلك لم يكن ليخرجنى عن الزمان الذي نزلت فيه الآية أو... بمعنى أنني لازلت أعيش الواقع الذي نزل فيه القرآن منذ أربعة عشر قرناً من الزمان.
فلما انتقلت إلى واقع الناس واطلعت على طبيعة الأنظمة التي تقود حركة الحياة؛ انتقلت الآية إلى زماني الذي أعيش فيه، وأحسست بعمق أن الآية قد نزلت الآن.... ومن أجل هذا الزمان الذى أحيا وتلكم الأحداث اللاتى أعاصر..... وربما هؤلاء الأشخاص الذين تراهم عينى.... وهذه هي النقلة الممتعة من التفسير إلى التأويل، والبون بينهما شاسع.... ولتلك البديعة حديث آخر.


" الطاغوت "

تقرأ في كتب التفسير: الطاغوت: صيغة مبالغة من طغى يطغى فهو: "طاغ"، فإذا اشتد طغيانه وتكرر فهو: "طاغوت" على وزن "فاعوت".... والطغيان هو مجاوزة الحد.

نعم: كنت أقرأ هذا الكلام الجميل المنسق ثم أعود إلى الآية.... "فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى" سورة البقرة آية 256..... فأرى فى الآية عجباً:
.
لقد جعل للنجاة في الدنيا والآخرة شرطين:
1- الكفر بالطاغوت.
2- الإيمان بالله.

إن الإيمان بالله وحده غير كاف للنجاة في الدنيا والآخرة.
.
إن الكفر بالطاغوت شرط سابق أو مصاحب للإيمان بالله.... وإنه هو الضار النافع وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ......

الإيمان بالله: تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح والأركان.
بمعنى أن القلب يصدق ويطمئن ويرتاح ويسكن.... وأن لسانك يعترف بذلك ويقر... ويقول.... ويشرح... ويفصل... ويبين... وأن جوارحك وأعضاءك تنطلق لتحقيق هذا الإيمان في واقعك وواقع الناس من حولك فتصلى وتزكى وتحج وتصدق الحديث وتؤدي الأمانات وتغيث الملهوف وتعين ذا الحاجة وتسعى على الأرملة واليتيم والمسكين... كل ذلك ابتغاء مرضات الله الذي آمنت به.

والناس في هذا الإيمان مراتب ودرجات لا يعلمها إلا الله.... "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".

والكفر كذلك.... ليس مجرد اعتقاد بالقلب.
وإنما هو قلب ينكر.... ولسان بعارض..... وبفند..... وأعضاء تسعى وجوارح تعمل وتقاوم وتتحدى وتجاهد....

والناس في هذا أيضاً مراتب ودرجات لا يعلمها إلا الله...

عرفت "الطاغوت" ليس من كتب التفسير..... وإنما من فراعنة أمن الدولة وحجز قسم شرطة الدحيلة... وحجز مينا البصل... وطرة و....

الطاغوت: خصم ... وحكم ... وجلاد.
الطاغوت: ثلاث سلطات تدار بعقل واحد... ويد واحدة... بل هو سلطة واحدة في الواقع... لكنها على الورق ثلاث... السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية.
الطاغوت: عندما يكون الأمراء فوق العلماء.... والحكام فوق القانون... بل رغبة الحاكم هي القانون.... ووزير الداخلية فوق القاضي.

الطاغوت: عندما يكون قرار وزير الداخلية مبطلاً وملغياً وجاباً لحكم القاضي.... فإذا نودي على السجين بعد ثلاثة أشهر من الحبس ليبلغ بأنه قد صدر قرار بالإفراج عنه ظل مبهوتاً حتى يعلم جهة القرار.... فإذا كان القرار لوزير الداخلية تهلل وجهه واستنار وجاء الناس مهنئين وانتظره أهله وأعدوا الزينات.... والولائم.

أما إذا كان القرار حكم محكمة وقرار قاض .... نكس المسكين رأ سه..... وطأطأ الناس رؤوسهم..... وخيم الإحباط وسرت روح الخيبة وجاء الناس يعزون صاحبهم ويشدون من أزره ويجتهدون ما استطاعوا لانتشال نفسه من وهدة اليأس التى سقطت فيها... وبلغ ذلك أهله فحزنوا وخابوا وخسروا.

نعم هذا هو...... مجاوزة الحد الذي تتكلم عنه كتب التفسير لأنها كتب "نفسير".... أما الواقع الذي وضعته بين يديك فهو التاأويل وهذا لا يدرك من الكتاب ولكن يدرك من الواقع ومن الدهر.

هذا الطاغوت ينبغى أن يكفر به لتتم النجاة في الدنيا والآخرة.

أقول ينبغى أن "يكفر به" كما قال القرآن: "يكفر بالطاغوت" ولا أقول ينبغى تكفيره كما يصنع أدعياء العلم وأدعياء الدعوة..... بل إن قضية كفره أو إيمانه هي قضية لا تشغلنى أصلاً ولا ينبغي أن تشغلنى.... والكفر به أعظم أثراً وأبلغ عمقاً من مجرد تكفيره..... وماذا كسب الناس من أن يقولوا له: أنت كافر، .... ثم ينصرونه... أو يسكتون عنه.؟؟؟!!!


الكفر به يعنى رفضه....... وتحديه و مقاومته وملاحقته ومصابرته وتوسيع دائرة حربه وجمع الناس على خلعه وإسقاطه وإزهاقه وإرغام أنفه....

أدركت الآن أن من أعظم القربات إلى الله ....... مقاومة الاستبداد السياسي والاجتماعى...... وهي التى سماها القرآن "الكفر بالطاغوت"....

.

.

وللحديث بقية