الخميس، أغسطس 07، 2008

أحبوا الموت ....(1)الموت بداية

أحبوا الموت .... (1)


إهداء إلى أخي" أبو نظارة" في يوم وفاة والده ....( رحم الله والدي ووالدك )

الموت قدر الله، لا تستقدمه شيخوخة، ولا بعجله سقم، ولا تؤخره طفولة أو صبا، ولا تدفعه عافية.
والحياة هبة من الله ونعمة، لا تحفظها الأسباب، ولا يبقيها الفرار من الموت ..
قال الله تعالى : " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم .... "

( سورة البقرة - الآية :243)

فروا من الموت .. فأماتهم الله .. ليعلمهم أن الموت قدره وقضاؤه ، ثم أحياهم .. ليعلمهم أن الحياة هبة من الله ومنة منه وفضل ..


..


أحبوا الموت
فالموت بداية ... وليس هو النهاية


أما إنه بداية للأموات:

فالصالحون يبدءون حياة جديدة في جنة عرضها السموات والأرض .. قال الله تعالى : " ولا تحسبن اللذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ً بل أحياء عند ربهم يرزقون ...." (سورة آل عمران – الآية: 169)


وأما غيرهم فيبدءون في سعير وجحيم ولظى وزقوم ..
قال الله تعالى : " النار يعرضون عليها غدوا ً وعشيا ً...." (سورة غافر- الآية: 46)

دفن النبي صلى الله عليه وسلم جنازة وأمر الناس ألا ينصرفوا حتى يستغفروا لأخيهم ويسألوا الله له التثبيت .."فإنه الآن يسأل" رواه أبو داود والحاكم .
وقال : "إنه يسمع قرع نعالهم" رواه الشيخان .
ولما حضرت عمراً بن العاص الوفاة كان مما أوصى به :"فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور و يقسم لحمها , حتى أستأنس بكم , و أنظر ماذا أراجع به رسل ربي" .

ومر النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى المشركين في بدر بعدما ألقوا في القليب ومرت عليهم ثلاثة أيام بلياليها فناداهم بأسمائهم وأسماء آبائهم.. "هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ً ، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا ً"
فتعجب عمر وقال : أتخاطب قوما ً قد جيفوا ؟؟
فقال صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا" رواه مسلم

ومفهوم مما سبق أن الموتى يسمعون ويعرفون من يخاطبهم ولكن الذي تعطل عندهم هو جهاز الإرسال "لا يستطيعون أن يجيبوا" أما جهاز الاستقبال فهو يعمل بكل كفاءة ولقد كنت أعجب من هذا زمنا ً طويلا ً حتى مررت بهذه التجربة :

"شريف الحمراني" من بلاد السودان . رجل دمث الأخلاق رقيق الطباع خفيض الصوت حيي الطرف . دخل المستشفى يوما ً لإزالة حصوات بإحدى كليتيه ، ذهبت لأعوده فوجدته قد خرج لتوه من غرفة العمليات وأدخل إلى العناية المركزة ، استأذنت أهله في زيارته فقالوا : لم يفق بعد ، قلت : أراه بعيني .. فأذنوا لي .
وقفت إلى جواره وهو جثة هامدة لا تطرف له عين ، وضعت يدي على جبهته ودعوت له "اللهم رب الناس أذهب البأس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما" ...ثم انصرفت بعد ما سلمت على مرافقيه .

بعد يومين .. ذهبت إلى المستشفى لأعود "شريف" ، استقبلني بفرح شديد وترحاب وأغاريد وقال بالحرف الواحد : "جزاك الله خيرا ً ، زرتني بعد خروجي من العمليات مباشرة وسمعت صوتك وعرفت أنك أنت الدكتور توكل وسمعت دعاءك كله وكنت أحاول أن أفتح عيني لأراك فما استطعت"


سبحان الله .. جهاز الاستقبال يعمل
ولكن .. جهاز الإرسال قد توقف تماما ً


أليست هذه حالة قريبة من حالة الموتى ؟!

" ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا "


وأما إنه بداية للأحياء :

شيع الحسن البصري جنازة فلما قفل راجعا ً نظر إلى أصحابه وقال لهم : ماذا كان يود أحدكم لو كان هو صاحب الجنازة ؟
قالوا جميعا : كنا نود أن نرجع فنعمل صالحا ً .
فقال : ها أنتم راجعون.
قال صلى الله عليه وسلم : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعو له"

هيا أيها الولد الصالح ... ابدأ من الآن.. من بعد موت أبيك .. ابدأ حياة جديدة بالدعاء لوالدك الذي ربما لم تدع له في حياته... ابدأ الآن .
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله سائل فقال: يا رسول الله! (هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما).
هيا أيها الولد الصالح..... ابدأ الآن بعد وفاة أبيك: صل عليهما، استغفر لهما ، أنفذ عهدهما، أكرم صديقهما، صل أرحامهما.

جاءني شاب ..
قال : مات أبي ..
ثم أردف : كثيرا ً ما دعاني في حياته إلى الصلاة ولكني كنت مدللا ً فعصيته ، ولم يظهر غضبه علي ولا قاطعني ، ولا فارقته ... إنما كان يدعوني ويلح علي وأنا أتعاظم عليه وأستكبر دلا ً فقد كنت وحيده .. حتى كان يقول لي : أريد أن أراك يوما ً وأنت تصلي فتقر بك عيني ، ثم يقول مرة أخرى : ألا تدخل علي السرور بصلاتك يوما ، لكنه ظل لطيفا ً معي ورفيقا ً بي إلى أن مات.

وكان أول يوم أدخل فيه المسجد وأول مرة أتوضأ فيها وأصلي يوم صليت عليه ، ولم أنقطع يوماً عن المسجد وما تركت صلاة الجماعة بعدها .
وكلما صليت ندمت وبكيت .... كيف ضيعت الفرصة ولم أدخل السرور على أبي حتى مات !!


مات وما قرت عينه بابن يصلي


قلت : لعل الله يغفر لك ما فات .. وقد بدأت والحمد لله .. نسأل الله لك الثبات .
قال : ولكني أتيت لأسألك عن شيء .
قلت : وما هو ؟؟
قال : هل من الممكن أن يشعر أبي الآن بعد موته أنني صليت ، وهل يبلغه ذلك فتقر عينه ، وهل سيسعد بي وهو في قبره ؟؟!!
قلت : أدعو الله أن يبلغ أباك ذلك وأن يجعل صلواتك واستقامتك في ميزان حسناته" فالدال على الخير كفاعله" رواه مسلم .
"ومن دعا إلى هدى كان له مثل أجور فاعليه" رواه مسلم .


********************


كان لأبي وجدي أرحام ُ ُ من أبناء عمومتهم ، لم يكونوا يتواصلون لخلافات قديمة ونزاعات موروثة ، وبعد موت جدي ومن بعده أبي كنت أصلهم وأهب ثواب صلتهم لهما ، فرأيت يوما ً فيما يرى النائم أني أزورهما ، وأنهما فرحا بقدومي وقال لي أبي بالحرف الواحد : لقد أتعبناك كثيرا ً ووصلتنا هداياك جميعها ً .
فأدركت بعدها أن الأموات يشعرون بالأحياء وتبلغهم أعمالهم ، وأن الأرواح تتواصل ، وتمنيت لو لقيت هذا الشاب فأخبره بذلك ، أو لعله يلقاني فيخبرني بأنه لقي أباه وسعد به بعدما بلغه أن ابنه قد صلى .... وكثرت إلى المساجد خطاه .
لو نطق هذا الوالد لقال: ليتنى مت منذ زمن بعيد، لقد بدأ ولدى بموتى حياة جديدة.....







لذا أقول لكم:أحبوا الموت......


وللحديث بقية...

هناك تعليقان (2):

م/ أحمد مختار يقول...

جزاك الله خيرا يا دكتور على المقالة الرائعة ...
واسال الله لابي وابيك ووالد اخونا ابو نظارة الجنة والفردوس الاعلى والمغفرة والرضوان منه سبحانه وتعالى اللهم امين

abonazzara يقول...

أستاذنا الدكتور توكل
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ولا حرمنا الله منكم أبدا ولا من دعواتكم الغاليه ومقالاتكم الرائعة
لا يمكن مهما سقت يا سيدي من الأدلة والبراهين أن يحب أحد الموت ، وقد راعى الإسلام أن بغض الموت والفرار منه غريزة انسانية
فسمى الله عز وجل الموت بمصيبة الموت كما جاءت في سورة المائدة الآية 106
ثم ان الثقافة السائدة الآن بين الشباب حتى الذين يفترض أنهم من خيرة شباب الحركة الإسلامية هي ثقافة الحياة الدنيا وزينتها فقط والجميع ينظرون الى القدوات فيجدونهم في مراكز مرموقه ومساكن فاخرة وسيارات جميلة وحياة وادعة ، أفلا يقتدون بهم في حياتهم هذه ولو قلت لأحدهم ابق ولا تسافر من أجل الدعوة لربما سمعت منه ما تكره من قبيل "اشمعنى أنا ما إنتوا سبتوا فلان يسافر ..."
ثم بعد أن يضحي الواحد منا بزهرة شبابه من أجل جمع المال لتأمين مستقبل العيال وامهم وشراء مسكن يرضاه ووضع اجتماعي جيد قد اشترى معظمه ولم يكتسبه هل تتوقع سيادتكم بعد كل هذا الانغماس في مباحات الدنيا أن يتركها مختارا ليحب الموت ؟ وتخيل لو خالط كل هذه المباحات بعض الحرمات أو حتى الشبهات
نحن يا سيدي في مرحلة الغثائية التي يملا فيها الوهن قلوب المسلمين الا من رحم ربي وكما فسره الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأنه حب الدنيا وكراهية الموت
وسوف أنتظر باقي الموضوع وأكيد أن هناك الكثيرون مثلي سينتظرونه أيضا
وأنا أعلم أنني أثقل على سيادتكم كثيرا بطلباتي ولكن هذا لثقتي في سيادتكم
ولسيادتكم خالص التحية والاحترام