الخميس، أغسطس 14، 2008

أحبوا الموت...(3) أحيل إلى المعاش فأبى ان يركن إلمعاش

أحبوا الموت.....(3)


أحيل إلى المعاش فأبى أن يركن إلى "المعاش"، فعمل بائعاً للصحف والكتب والمجلات.
يطوف على المحال التجارية والمقاهى يعرض ما يعرض من مؤلفات ومطبوعات ، يكسب جنيهات قليلة لا تزيد على البضع .

سألته يوماً : لماذا اخترت هذا العمل ؟؟!!
قال : الفراغ مفسدة، ومكث الرجل فى بيته يثقل على أهله، وقد يؤدى إلى نشوء المشاكل والخلافات، ثم إننى أنشر الثقافة الإسلامية، وأغذى الناس روحياً وفكرياً، وأكسب بضع جنيهات. نعم هى قليلة، ولكنها حلال، والبركة خير من الكثرة.
ظل هكذا حتى انحنى ظهره، وضعف بصره، ونحل جسده نحولا ًشديدًا، وكنت أعجب لهذه العزيمة وتلك الإرادة.
كان يزورنى فى عيادتى قبل الظهر فأبتاع منه كتابا أو مجلة ثم نتناول الشاى، فإذا سمع أذان الظهر قال: هيا نصلى، فأساله: هل ترغب فى الوضوء؟؟ فيقول: إننى على وضوء منذ خرجت من بيتى. وهكذا فى كل مرة، لم يحدث يوماً أن تخلفت عنه هذه العادة، وكنت أدهش لذلك، فسألته: أنت دائما على وضوء!!! فابتسم وقال: نعم ،كلما انتقض وضوئى توضأت.
لم يكن يتكلم إلا فى المفيد النافع، وكان دائماً يتحدث عن الشهادة وعن شهداء الدعوة، ولكنى كنت أشعر أنه ليس مجرد حديث عن شيء سمعه أو قرأه أو أحبه، وإنما هو يتحدث عن تجربة خاضها أو حقيقة عاشها، وكنت أعجب من رغبته فى أن يموت شهيداً!!! وكيف تبلغه الشهادة أو يبلغها وهو يبيع الجرائد والمجلات فى شوارع العجمى وميادين الإسكندرية، وقد جاوز الثامنة والسبيعين.



ذات يوم دخلت عيادتى فرأيت الدموع فى عيني موظفة الاستقبال، ولما سألت عن السبب أخبرتنى أنه منذ قليل كان بالشارع حادث مروع وأن سيارة صدمت رجلاً، وكان الدم ينزف من رأسه وجسده بغزارة،وأنه حمل فى سيارة الإسعاف بين الحياة والموت.


بعد قليل اتصل بى أحد إخوانى وقال لى: "عم محمد البركة فيك ..والجنازة ظهر اليوم من مسجد العمرى"
قلت: كيف ومتى؟؟؟ قال: كان يعبر الشارع أمام عيادتك فصدمته سيارة. فأدركت أنه هو.

سبحان الله... كان على وضوء... وخرج يسعى مجاهداً فنال الشهادة التى كان يتمناها.
ذهبنا إلى المقابر وأنزلوا الجثمان من سيارة نقل الموتى، وأودعناه فى أول مقبرة على يمين الداخل، لم نحمله أكثر من ثلاثين متراً، ولم نشعر أننا سرنا فى جنازة، وفى لمح البصر أهيل عليه التراب..... وتقبل أهله العزاء.
ونحن فى الطريق خارج المقابر مال على أذنى أحد أخوانى وقال: عاش خفيفاً ومات خفيفاً.

لم يتكلف لأحد ولم يتكلف له أحد فى حياته ، ولم يكلف أحداً ولم يتكلف له أحد عندما قضى نحبه .
أبى أن يكون ثقيلا ًعلى أحد فى حياته فأراد الله ألا يكون ثقيلاً على أحد عند موته ودفنه .
كم من الدروس والعبر فى حياته وموته .


كم من الأخفياء الأتقياء إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا ..


هناك 6 تعليقات:

غير معرف يقول...

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله عز وجل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: الفقراء المهاجرون الذين تُسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيوهم؛ فتقول الملائكة : ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؟ قال: إنهم كانوا عبادًا يعبدونني، ولا يشركون بي شيئًا، وتسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره، لا يستطيع لها قضاء، قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك، فيدخلون عليهم من كل باب (سلامُ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار )
ابراهيم ملوك

abonazzara يقول...

أستاذي الفاضل
لقد كتبت التعليق على التدوينة السابقة قبل أن أقرأ هذه التدوينة لذلك ورد فيها تشبيهات دارجة في تشبيه الموت على الفراش بموت البعير والموت في حوادث المركبات بموت القطط والكلاب ثم بعد ذلك قرأت هذه التدوينة ووجدت فيها ما قد يظن معه أني قصدته بتلك التشبيهات وأنا إذ أستغفر الله من هذا الخطأ وأعتذر الى سيادتكم عن هذا اللبس غير المتعمد أبدا اترك لسيادتكم حرية حذف التعليق على التدوينة السابقة اذا رأيتم فيها ما قد تفهم منه اساءة ولن يكون على سيادتكم أي حرج أو لوم في الحذف
اكرر لسيادتكم اعتذاري
وتقبل تحياتي واحترامي

فليعد للدين مجده يقول...

أخي د. توكل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا علي تدوينك الرقيق المفيد
وأشهد الله أني أحببتك في الله من قبل أن أراك
تقبل الله منك وسدد خطاك

فليعد للدين مجده يقول...

رحم الله أخانا الشيخ محمد وألحقه بالشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا

د.توكل مسعود يقول...

أخى أبونظارة
غفر الله لى ولك وأشكرك على رهافة حسك ورقة مشاعرك


تعليقك كما هو


"إنما الأعمال بالنيات"

د.توكل مسعود يقول...

أخى الدكتور إيهاب

شرفت مدونتتى بمرورك وتعليقك

وإنى افى شوق لأن أتشرف بلقائك


عسى أن يكون قريباً