الخميس، أغسطس 14، 2008

أحبوا الموت...(4) ليس الموت نهاية الطريق

أحبوا الموت...(4)
بينما كنت أقلب بعض أوراقى القديمة:

ليس الموت نهاية الطريق
كنت أحب أبي، وكثيرا ً ما خصني ببعض الأخبار أو الأسرار أو المعلومات، وقد خصني بدعوة أخبرني بها، وأوصاني وأوصى إخوتي في حالة وفاته بأن أغسله وأكفنه وأصلي عليه، على الرغم من وجود من هم أكبر مني سناً.

كنا قريبين قرب الصديقين، حبيبين كالأخويين، وكنت دائما ً تحدثني نفسي بأن أقبل يد أبي اعترافا ً بفضله وقياما ً بحقه، ولكن نفسي لم تطاوعني ليس استكبارا ً ولاترفعا ً، ولكن ربما لأنها ليست عادتي ولم أنشأ على ذلك.

مات أبي قرابة السبعين من عمره، وكنت قد جاوزت الأربعين لتوى-ولم أنعم بتقبيل يده ولو لمرة واحدة- ويومها عرفت معنى الندم وتذوقت الحسرة والألم، ولم يدم ذلك إلاريثما حضرالأهلون والأقربون، ورأيت عمي بينهم فأسرعت إليه وصافحته وقبلت يده ولأول مرة، وبكيت بكاء ً شديدا ً ليس لموت أبي، ولكن ألما ً على ما فاتني من الخير، وفرحا ً أني وفقت إلى شيء من البر،" فإن عم الرجل صنو أبيه" (أخرجه أبو داود). ثم انطلقت إلى أمي وصافحتها وقبلت يدها -ولأول مرة في حياتي- ويومها صارت فرحتي لاتعدلها فرحة.

لقد كان يوم موت أبي يوما ً تحولت فيه تحولا؛ ً غلبت نفسي وأرغمت شيطاني وهزمت ضعفي وقهرت عادتي وطبعي ....،

ظللت أقبل يد عمي كلما زارني أو زرته، وأخبرته أني أصنع ذلك عوضا ًعما فاتني من أمر أبي، ومات عمي وواريته التراب.

ثم انطلقت بعدها إلى أبناء عمومة أبي في بلدة بعيدة كنت أسمع عنهم ولم أرهم، ولم أدخل بلدتهم في حياة أبي، وما كنت أعرف الطريق إليهم . تعرفت عليهم وتعرفوا علي؛ كنت أرمق وجوههم ولاأمل النظر إليهم وأرى في وجه كل واحد منهم وجه أبي.

ذات يوم رأيت فيما يرى النائم أني أزور أبي في بيته وكأنه في حياته، فلما رآني أقبل علي وصافحني وعانقني وقال: "لقد أتعبتك كثيرا ً ووصلتنى هداياك جميعها".

كنت أزور أمي وأقبل يدها في الدخول وعند الخروج، وكانت تزورني وتقضي معي أياما ً فأقبل يدها عند الصباح وإذا عدت من عملي وإذا خرجت وإذا دخلت وإذا أيقظتها من نومها، وكنت أجد في ذلك لذة عجيبة ومتعة غريبة وراحة لم أجدها في متع الدنيا وملذاتها.... ولا في بعض العبادات والقربات.

مرة أخرى رأيت فيما يرى النائم أني أصافح أبي، فلما صافحته انكب على يدي فقبلها، فاستحييت من ذلك حياء ً شديدا ً وخررت على قدميه أقبلهما مرات عديدة، فلما وقفت مرة أخرى أخذ بيدي وقبلها ثانية

قمت من نومي فحمدت الله وسجدت على الأرض؛ لعلي قد وفقت، وأدركت شيئا ً مما فاتني، ولعل الله جبر بعض كسري.


اللهم اغفر ذنبي ...واستر عيبي... وطهر قلبي... وحصن فرجي.


.. ودبر أمري... وأحسن عاقبتي ...وخلصني مما لا يرضيك عني.



كم في الموت من آيات ،وكم في ذكره من عبر وخيرات




والله من وراء القصد

هناك 6 تعليقات:

فليعد للدين مجده يقول...

د. توكل
متابع لهذه السلسلة الرائعة
لعل الله يشاء فننتفع بذكر الموت ويرحمنا فوق الارض وتحت الارض ويوم العرض

د.توكل مسعود يقول...

أخى : الدكتور إيهاب
جزاك الله خيرا ً على متابعتك ، ونسأل الله أن ينفعنا بذلك ونتشرف بمتابعتك للسلة القادمة والتي ستتعلق برمضان وصيامه وزكاة فطره وعيده :)

abonazzara يقول...

أستاذي الفاضل
لا أستطيع أن أقول لك دع القلوب تقر
فإن في كل سطر مما تكتبه فائدة عظيمة لي ولغيري
جزاكم الله خيرا وتقبل منا ومنكم
لسيادتكم خالص التحية والاحترام

أحمد بسام يقول...

جزاك الله خيرا

أكون أو لا أكون يقول...

ابكاني هذا البوست...

د.توكل مسعود يقول...

الأخوين الكريمين :
أبو نظارة
أحمد

الأخت الكريمة:
أكون أو لا أكون

جزاكم الله خيرا ً ومعذرة لأني لم أر تعلقياتكم إلا اليوم عند اطلاعى على الإيميل :)

ووالله ما أردت إلا أن تقر القلوب وتدمع العيون من خشية الله ومن ذكر الموت فإن ذلك يصلح الحياة ..

لكم تحياتي جميعا ً