الأربعاء، يونيو 22، 2011

لماذا القرآن...8 ورد الإنصات

ورد الإنصات



لا ريب أن المقصود الأعظم من تلاوة القرآن تدبر آياته، وأن المرء قد يصرفه عن كمال التدبر انشغاله بضبط التلاوة وتحقيق مخارج الحروف وصفاتها وإتقان الحركات وإشباع المدود والغنن، لكن الإنصات إلى التلاوة قد خلا من تلك الشواغل كلها، فقد ألقى سمعه واطمأنت نفسه بعدما سكنت جوارحه، فلم يبق إلا التدبر.


"مثل القارئ والسامع كمثل الحالب والشارب" حكمة قديمة لا أدرى من الذى أُلهمها، لكنى أعتقد أن الله هو الذى ألهمه إياها.


لقد عبر القرآن عن هذا المعنى مرات عدة:


مرة وهو يقول: "إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد"سورة ق


وكأن التذكر لا يتأتى إلا بهذه الشروط: قلب حى لم تلوثه آفات اللسان، ولم تقتله كبائر الآثام، ولم يلفه ران الإصرار على مافعل. وسمع ملقى أى: أذن صاغية نحوالصوت تريد أن تتلقاه صافيا خاليا من المشوشات. بعدما سكنت الجوارح وتوقفت كل الحركات واتجهت كل المشاعر نحو الصوت تريد أن تتدبره.



ومرة وهو يقول: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" الأعراف


والتعبير ب: "لعل" يفيد الرجاء القريب الحصول السهل المنال، فيكفيك أن تستمع وتنصت ثم دع الرحمات تتنزل.والأصوب أنها عامة فى الإنصات لكل قرآن كان فى صلاة أو فى غيرها.



ومرة وهو يحدثنا عن الجن: "وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا: أنصتوا، فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين* قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسي مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم" الأحقاف



وأخرى عن الجن أيضا: "قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا* يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا* وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا*" الجن


ومن حديث الجن عن القرآن تدرك بركة الإنصات:


1- استيعاب كامل للرسالة


2- إدراك كامل لكونه كتابا معجزا "قرآنا عجبا"


3- معرفة سليمة بغاية إعجازه "يهدى إلى الرشد"


4- انطلاقة دعوية ذاتية: "ولوا إلى قومهم منذرين"


وهى انطلاقة لايدفع إليها ولا يحث عليها سوى معرفة بالله ويقين به وثقة بوعده وتصور صحيح لليوم الآخر ورسوخ مشاهده فى النفس، ثم إدراك الضعف الذى جبلت عليه المخلوقات والذى لا يجبره إلا ركون إلى الله يتمثل فى إجابة داعيه: "ومن لايجب داعى الله فليس بمعجز فى الأرض وليس له من دونه أولياء" الأحقاف



إن الإنصات للقرآن لياقة تحتاج إلى تمرس مستمر، ومهارة ينميها التدرب الدؤوب الذى لايتوقف؛ حتى يصل أحدنا إلى حد الاستجابة الفورية والتأثرالإيجابى الفعال الذى يولد ذاتية الحركة، وهو الأمر الذى بذل كثير من المربين جهودهم لتحقيقه فأخفقوا، وابتدعوا أفكارا وخططا لإيجاده فلم يصلوا، بينما كان الإنصات المتأمل فكرة قرآنية وطريقة ربانية، يصوغها القرآن فى عبارة سلسة وأسلوب رشيق:


"فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين" الأحقاف



والقرآن إذ يقول: "فاستمعوا له وانصتوا" يبين أن الاستماع مرحلة أولية لبلوغ الإنصات والذى هو حالة من الخشوع الذى يلف الجوارح والسكينة التى تملأ النفس والطمأنينة التى تجوب القلب.



إن السماع وظيفة من وظائف الأذن، لكنه وظيفة سلبية؛ أى أن الأذن تؤديها دونما تدخل من صاحبها: إعمالا أو إهمالا، فكل ماحولك من الأصوات يبلغ سمعك؛ وإن لم تقصده بذاته، فإذا قصدته كان استماعا، فإذا طال بك زمانه حتى ألقيت سمعك وانتبهت إليه وملت نحو مصدر الصوت فلم تنشغل الجوارح بل كان السكون سمتها كان إصغاء، فإذا طال الإصغاء ودام الاستماع حتى فرغت النفس هى الأخرى من شواغلها وحتى أدركت مرامى الحديث وغايات الكلام وعقدت العزم على أن تعمل بمقتضى ماسمعت كان إنصاتا.


فهى مراحل متتابعات لايمكنك الوصول إلى أخراها دون المرور على أولاها:


السماع: مرور الصوت على الأذن وتمييزه دون قصد منك.


ثم الاستماع: قصد الصوت والرغبة في سماعه.


ثم الإصغاء: فراغ الجوارح من العمل بعد إلقاء الأذن إلى الصوت.


ثم الإنصات: فراغ النفس من الشواغل حتى لا يبقى فيها إلا المسموع.



لذا كان الصبر مطلبا، والديمومة مأربا، وكان المران على الإنصات عبادة، إذ هو مهارة وفن لا يتوصل إليه بقليل العمل أو بالمنقطع منه، وهل يحب الله من العمل إلا أدومه؟؟!!



تستطيع أن تنصت إلى القرآن مرتلا فى إذاعة مبجلة، أو من قرص مضغوط على الحاسوب، كما تستطيع أن تنصت إلى زوجك، أو ولدك، أو إلى أخ حبيب كما أنصت حبيبك مرة إلى ابن مسعود، أو أن تكون أُبيا حين أنصت إلى هذا الحبيب.



ائت بقصاصة من الورق واكتب عليها بيدك : "ورد الإنصات" وجود الخط قدر استطاعتك، ودعها تتنقل بين أوراق مصفحك، واستمر والله معك.



وهو من وراء القصد








هناك تعليق واحد:

أمل حمدي يقول...

جزاك الله كل الخير اللهم أمين
شرح واف جعله الله في ميزان حسناتك
كل التقدير لحضرتك