الجمعة، يونيو 10، 2011

لماذا القرآن....6 ورد الحفظ

لماذا القرآن..6



ورد الحفظ:





وهو من الأوراد الواجبة، وإن كان حفظ القرآن وتلاوته عن ظهر قلب فرض كفاية؛ إذا قام به البعض سقط الإثم عن الآخرين، وتحقيق الكفاية يقتضى أن يوجد فى كل قرية وفى كل مدينة عدد كاف من الحفاظ يسد حاجة الناس فى التعليم والفتيا وإمامة الصلاة؛ فمتى احتاج الناس إلى معلم وجدوا، وكلما حانت صلاة وجد إمام متقن مجيد، وإذا نزلت بهم نازلة هرعوا إلى مفت فأفتاهم فاتبعوه، فإذا قصرت الهمم وقعدت العزائم أثم جميعهم؛ كل على قدر طاقته وقدرته واستعداده الذى أودعه الله فيه.





لكن لازال ورد الحفظ واجبا؛ بمعنى أن يبذل كل مسلم جهده واستطاعته لكى يحفظ القرآن، ثم هو بعد ذلك مقيد بقدرته ومحبوس فى طاقته، فمنهم من يقرأ الآية مرة فيحفظها، وقد أتم كثير من العلماء والفقهاء حفظ القرآن من دون أن يجاوز أحدهم التاسعة من عمره، ومنهم قادة وأمراء ملأوا الدنيا جهاداً وعدلاً وعمروها فتوحًا وقسطًا وما جاوز أحدهم قصار السور من المفصل، لقد أودع الله فى خلقه قدرات إذا تجاوزوها فشلوا وقد يهلكون، وإذا أهملوها وقصروا عنها هلكوا بعدما يفشلون.





"ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات" البقرة





"كل ميسر لما خلق له"حديث شريف





لم تكن همتهم من الحفظ مجرد العلم والفقه، وإنما ارتقت مشاعرهم ورقت عواطفهم فى التعلق بالقرآن وحفظه وترديده إلى حد أبعد من العلم والفقه فشغلوا به أوقاتهم و ملأوا به حركاتهم وسكناتهم إلى حد التغني والترنم:



سأل رجل أخاه فى الله: ماذا تحفظ من القرآن!!؟؟ قال قصار السور أصلى بها، فقال الرجل متعجبا:فبم تترنم، فبم تتغنى؟؟!!





إني لأذكر هذا وقلبي الآن ينفطر أو يتفطر، كلما دخلت مسجدًا فى تراويح رمضان أو فى تهجد العشر الأواخر منه رأيت مصحفًا فى المحراب مفتوحًا، وقارئًا ينظر إلى رسمه فيصدح أو يصدع، ثم أعود إلى أواخر السبعينات من القرن المنصرم وأوائل الثمانينات وقد كنا نلتقى قبل رمضان بشهر على الأقل فنقسم الشهر على أنفسنا، ونحن حينئذ أربعة أو خمسة، فيقرأ هذا من حفظه وهذا من حفظه حتى ينقضى الشهر، فإذا انقضى رمضان انصرفت هممنا إلى الحفظ والمراجعة، حتى إذا جاء رمضان من العام التالى كان رصيدنا أعلى وقراءتنا أجود، وهكذا حتى ختم كثير منا القرآن ببركة الإمامة فى تراويح رمضان وتهجد العشر الأواخر منه، وماكنا نقرأ من مصحف المحراب ولا سمعنا عنه ولا رأيناه.





لقد كانت هذه الطريقه دافعة إلى أن نشغل يومنا وليلنا بالقرآن، حتى إن أحدنا ليتخفف من الطعام والشراب فى الإفطار، ثم يقضى الساعة التى بين المغرب والعشاء فى المراجعة والتلاوة، حتى إذا وقف فى المحراب فلا تلعثم فى القراءة ولا تردد فى التلاوة،



أما الذين يصدحون من مصحف المحراب فقد يقضى أحدهم يومه هائمًا ويبيت ليله نائما ويفطر فيمتلئ طعاما وشرابا، ولربما قضى الوقت بعيد الإفطار أمام التلفاز، فإذا حان وقت العشاء أتى المسجد يتمطى ومضى بين الصفوف يتخطى بعدما وضعوا له فى المحراب عودا من الخشب يحمل مصحفا، إذ هو أهون من العود، فلم يقو على حمل القرآن.





وما الذى يحمله على حمل القرآن؟! وأى هم يدفعه إلى الحفظ والمراجعة والاستظهار ومواصلة الليل بالنهار وهو يوقن أن بالمحراب عودًا يحمل مصحفًا، ولو أزالوه لحمل هو الهم فقرأ وحفظ وراجع واستظهر.





إن الدعوة إلى الله هم يثمر أداء مباركا، وليست مجرد أداء، مهما كان هذا الأداء جيدا.





ومقياس جودة الحفظ ضبط المتشابهات؛ ولا أحيلك إلى كتاب، وإنما أحيلك إلى عبقريتك:





قد تتشابه الآيتان فى السورة الواحدة أوفى السورتين وربما فى أكثر من ذلك، فاجعل لذلك ضابطا من اسم السورة، أوضابطا لفظيا فى الآية، أو ضابطا معنويا.





فأما الضابط من اسم السورة فمثاله:



"لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل" المؤمنون 83



"لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل" النمل 68



فالسورة ذات النونين: "المؤمنون" سابقة لذات النون الواحدة: "النمل"



والكلمة ذات النونين: "نحن" جاءت سابقة فى التلاوة لكلمة : "هذا"



ف"المؤمنون" أولا و"نحن" فيها أولا





ومثال ثان:



"فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا" يونس 90



"فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم" طه 78



جاءت "وجنوده" فى "يونس" وكلاهما ذات: "واو"







ومثال آخر:



"ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا" هود 77



"فلما جاء آل لوط المرسلون" الحجر 61



"ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا" العنكبوت 33



"ولما" فى "هود" حيث الواو.



"فلما " فى "الحجر" حيث النقطة.



"ولما أن" فى "العنكبوت" حيث الواو والنون.





وهكذا تستطيع بطويل التأمل -إن لم يسعفك قليله- أن تربط كثيرا من المتشابهات بأسماء سورها.





وأما الضابط اللفظى فمثاله:



"وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحى إليهم" الأنبياء 7



"وماأرسلناك من قبلك من رسول إلا نوحى إليه" 25



جاءت "ماآمنت قبلهم من قرية" الأنبياء 6



وجاءت "هذا ذكر من معى وذكر من قبلى" الأنبياء 24



فكان "قبلهم" و "قبلك" متتاليتين، وكان "من قبلى" و "من قبلك" متتاليتين.





ومثال آخر:



"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهن بالمعروف" البقرة 234



"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهن من معروف" البقرة 240



فى الأولى "بالمعروف" والتالية "من معروف" والباء فى الأبجديات قبل الميم





وهكذا بشىء من التفكر والنظر تدرك كثيرا من العلاقات التى تعينك على ربط المتشابهات ببعض الثوابت والمنطقيات فيثبت الحفظ ويزول اللبس





وأما الضابط المعنوى فيلزمه معرفة باللغة أو بالتفسير أو بأسباب النزول.



ومثال ذلك:



"إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولاتضروه شيئا" التوبة 39



"فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربى قوما غيركم ولاتضرونه شيئا" هود 57



الأولى خطاب الله إلى عباده المؤمنين، والأخرى خطاب نبي الله هود إلى قومه،وشتان بين خطاب الله وخطاب العبد وإن كان نبيا، فلما كان الخطاب من الله كان الفعل: "يستبدل" مجزوما بالسكون، وكان الفعل: "لاتضروه" مجزوما بحذف النون، وكلاهما معطوفان على جواب الشرط: "يعذبكم"، وهو خطاب التهديد الصادر من القادر الفعال لما يريد، ولما كان الخطاب من العبد كان الفعلان: "يستخلف" و "لاتضرونه" مرفوعين إذ هما مستأنفان والنبي مبلغ قومه بسنة من سنن الله فى كونه، وشتان بين خطاب المبلغ وخطاب الفاعل المنفذ.





ومثال ثان:



"وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى" القصص 20



"وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى" يس 20



فكانت تضحية الأول ومخاطرته بنفسه أعظم من الآخر؛ إذ جاء مفشيا سر فرعون وملإه خوفا على موسى، ولو كشف أمره لقتله فرعون، بينما جاء الآخر علانية ناصحا قومه، فكانت الرجولة فى الموقف الاول أبرز منها فى الآخر؛ فقدم وصف الرجولة على بعد المكان أولا وأخرها آخرا.





ومثال آخر:



"ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا" آل عمران 154



"إذ يغشيكم النعاس أمنة منه" الأنفال 11



كانوا فى أحد خائفين بعد ماأصيبوا، وكانت حاجتهم إلى الأمن أعظم منها فى بدر قبل أن يخوضوا معركتهم مع المشركين، فسبق الأمن النعاس فى أحد، وتلى الأمن النعاس فى بدر.





وهكذا بشىء من الدراسة، وقليل من المثابرة، وكثير من التدبر تدرك بعض أسرار المتشابهات فيسهل حفظها ومراجعتها، وهى أولى خطوات المهارة لتلحق بالسفرة الكرام البررة.



















ائت بقصاصة من الورق، واكتب عليها بيدك:





(ورد الحفظ)





وجود الخط قدر استطاعتك، ثم ضعها فى مصحفك، وراقب نفسك وكن بها بصيرًا



فى أسبوع كم حفظت؟! وكم استغرق حفظ جزء من القرآن؟! فإن وجدت خيرا فاحمد الله واستمر واستزد: " وقل رب زدنى علمًا " وإن رأيت تقصيرًا فاستغفر وتب وأعد الكرَّة مرة ومرة ومرة.





والله معك.





وهو من وراءالقصد











هناك تعليقان (2):

أمل حمدي يقول...

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك اللهم أمين


جزاك الله كل الخير وأثابك ونفع بك اللهم أمين

المهـ إلي الله ـاجر يقول...

جزاكم الله خيرا فضيلة الدكتور ونفع بك بهذه الكلمات الرقراقة

الحقيقة انا كنت احد الحضور في لقائك الممتع بمسجد الغفور الرحيم امس الثلاثاء ببورسعيد واستمتعت جداً بحديثك عن مفاهيم حول العلمانية والليبرالية . جزاك الله عنا خيرا وارجو منك تكرار هذه الزيارات النافعة . كما ارجو من حضرتك ان تمدني بمواد صوتية او مرئية لك متعلقة بذات الموضوع . جزاك الله عنا خيراً