.
( 1 ) حفرة وروضة :
مكثنا ثلاثة أيام بلياليها لا يفتح لنا إلامرة في الصباح، وأخرى في المساء لقضاء الحاجة، وفي اليوم الرابع فتحت الزنازين ساعتين نهاراً فالتقينا في الفناء الملحق بزنازين التأديب، ثم بعد ذلك كان يفتح لنا من الصباح وحتى بعد العصر أو قبيل الغروب، ثم بعدها يدخل كل واحد منا إلى زنزانته وحيداً منفرداً...إلا من الله ...حتى الصباح .
.
أذكر أن الحارس اصطحبنى والأستاذ "حسين محمد" في اليوم الثاني للتصوير وعمل بطاقة السجين..... فلما رأيت "حسيناً"وكنت قد افتقدته ليومين كاملين؛ قلت له: لقد افتقدتك كثيراً في هذه اليومين ... فقال الحارس وكان لصيقاً بنا:
فقلت: "يا أخي .. لا داعى لجمعنا في القبر"
فقال: "هو انت خايف من القبر ليه ... ده القبر يا حفرة من حفر النار ... يا حفرة من حفر الجنة".
قلت له: أنت جعلتها كلها حفر ... ليس في الجنة حفر يا أخى ... الحفر هنا في الدنيا ثم بعد ذلك في النار .. أما القبر فهو إما روضة من رياض الجنة ..أو حفرة من حفر النار" ... كل ذلك وأنا أكلمه وأنظر في وجهه وهو ينظر نحوى .... أدركت بعدها أننى كنت أكلم نفسي ..
.
أمثال هؤلاء البسطاء والسذج هم ذراع الطاغوت وأصابعه.... وهم قدماه ونعلاه ..... وهم سيفه وسوطه...
.
تذكرت الحكمة القديمة القائلة :
قل لي من معاونوك ... أقل لك: من أنت !!
.
.
( 2 ) سيد عرفة:
شاب من شباب الإخوان من الفيوم.... كان قد حصل على بكالوريوس التجارة ويعمل بوظيفة محاسب .
تشاجر أفراد من عائلته مع عائلة أخرى فسقط من الأخرى قتيل فجعلوها في عنقه مع أنه لم يحضر ... ولم يشارك ... لكنها براعة المحامين ... ومهارة التلفيق ...وكذب الشهود .... وحكم عليه باثني عشر عاماً سجناً قضى منها ثلاث سنوات مع عتاة المجرمين ..... فكان بينهم بلسماً وشفاءً ..... وطباً ودواءً ..... فلما علمت إدارة السجن أنه رجل صاحب فكرة إسلامية ..... وذو ثقافة إيمانية وأنه قد يأخذ بأيدي الناس إلى الخير ...... وأن المجرمين قد يتوبون على يديه ..... وربما استقاموا ...!!!
لما علمت إدارة السجن ذلك .. جعلوه وحيدا في زنزانة من زنازين الحبس الانفرادي .. والفرق بيننا وبينه .. أنهم قد أمتعوا زنزانته بحمام وصنبور ماء ...
.
أبدله الله بمصابه خيراً .. فأتم في السجن حفظ القرآن .. وحصل على ليسانس الحقوق وماجيستير فى القانون .. كان يتسلل إلينا ليجالسنا فنجد في مجالسته خيراً كثيراً ونسعد بزيارته وكأنما خرجنا فزرنا أهلنا وذوينا ..
كنت كلما رأيته .. تذكرت يوسف بن يعقوب صلى الله عليه وسلم .
.
.
( 3 )رمضان ... "سياسي!!....لا يقرأ ولا يكتب"
شاب صعيدي لم ينل من علوم الدنيا قليلا ولا كثيرا.... عريض المنكبين.... مفتول العضلات ..... فارع الطول ..... من قرية في صعيد مصر ..... كانت قوات الأمن قد قتلت شاباً في القرية بدعوى أنه متطرف..... وكانت سيارات الشرطة بعدها تجوب القرية ...... للترويع ...... والتخويف.
.
خرج رمضان من مزرعته يحمل فأسه ..... فرأى سيارة الشرطة ...... فحدثته نفسه أن يتتبعها ليرى أين تذهب .... من باب الفضول وحب الاستطلاع ..... رآه الضابط في مرآة السيارة فقال للمخبرين .....
.
.
اعتقل رمضان مثلما اعتقلنا ثم أفرجت عنه المحكمة بعد ثلاثة أشهر ..... فلم يرجع واعتقله الوزير ..... ثم أفرجت عنه المحكمة.....ثلاثة عشر قرارا بالاعتقال..... واثناعشر حكماً بالإفراج ..... لكن قرار الوزير يجب حكم القاضي في ما يسمى عندنا في مصر:
.
ثلاث سنوات......ورمضان يرتدي الملابس البيضاء مثل باقي المعتقلين كنظام مصلحة السجون في مصر، بينما الذين حكمت عليهم المحكمة وسجنهم القاضي يلبسون الملابس الزرقاء الكحلى .
.
سئم رمضان من غسيل الملابس البيضاء سريعة الاتساخ، وأراد أن يستبدل بها ثياباً زرقاء تتحمل العرق والغبار وتغسل على أوقات متباعدة...... فحدث الحارس بما فى نفسه وطلب إليه أن يتوسط له في ذلك عند السيد "مأمور السجن"
.
لكن الحارس قال له : "إن هذا لايصلح وهو من رابع المستحيلات "
قال رمضان : "ليه يا عم"
فقال الحارس: "علشان انت سياسي"
.
غضب رمضان.... وانفعل واستنكر.... وشجب واستهجن.... وقال في حدة : "أنا سياسي ...!!! شوف الحكومة بنت الـ .... بتقول عليا اننى سياسي !!!... أنا سياسي ؟؟؟؟؟!!!!! ....."
.
.
.
وابقوا معي؛
هناك 16 تعليقًا:
سيدى الفاضل
تذكرني روياتك بمن يرضي بقدر الله و من قمة الرضا يحول ادوات الماساة الي ملهاه
و تذكرني قصة رمضان بحكاية ايام التجنيد حيث كنت ضابط احتياط و كان في اللواء 4 اشحاص ممن هم تحت مسمي المراقبه لسابق خبسهم سياسيا و الزميل صاحب القصه طبيب يعمل بمستشفي بالاسماعليه و يوم مقتل السادات كانت هناك اخت لصديقه قد ولدت بالمستشفي فقام بتوزيع البيبسي تيمنا بالمولود الجديد فاعتقل و متب علي ملفه اخوان مسلمين و بع التحري اكتشفوا انه يمتلك العديد من العلاقات النسائيه فكتبوا علي ملفه شيوعي و هو في المعتقل هداه الله فكتبوا جماعات اسلاميه وهكذا
تخبط و لا يدرون لما هو معتقل وهو فاقد الهويه
تحياتي
سبحان الله شر البلية مايضحك
معك في انتظار البقية
متابعين معكم إن شاء الله في تسلسل الأحداث...
أجمل المواقف الطريفة هي التي تحدث عندما تكون الأمور جديه... فتكسر حدتة وجدية المواقف الصعبه و تلطفها... وتبقى عالقة في الذاكره لا تنسى...
لم أستطع قراءة البوست السابق للأسف... وذلك بسبب حجم الخط الكبير مما أدي لإلتصاق الأحرف ببعضها... لا أعرف إن كان هذا السبب في جهاز الكومبيوتر لدي أو لا...
فعلا ياما في السجن مظاليم,
جعلها الله ايام في ميزان حسناتكم,
وجنة المؤمن في صدره معه اينما ذهب.
جزاكم الله خيرا يا دكتور على هذه الاطلالات القصصية ذات العبر والفوائد ..نسأل الله ان يرزقك منازل أهل البلاء وانت فى عافيته ونعمائه فهو الغنى عن البلاء .....وهذه القصص بين البلاء والعافية تذكرنى بكلام ابن عطاء الله " بسطك , كى لا يبقيك مع القبض . وقبضك ,كى لا يتركك مع البسط. وأخرجك عنهما , كى لا تكون لشئ دونه." ..."العارفون إذا بسطوا , أخوف منهم إذا قبضوا . ولا يقف على حدود الأدب فى البسط إلا قليل..." ..." البسط تأخذ النفس منه حظها بوجود الفرح . والقبض لاحظ للنفس فيه"...."ربما أعطاك فمنعك ,وربما منعك فأعطاك.." "ومتى فتح لك باب الفهم فى المنع , عاد المنع عين العطاء.."........لا تنسنا من دعائك ...
متبع يا شيخنا الفاضل ..
أكمل بارك الله فيك ..
السلام عليكم
كل مره توضح شئ جديد
اللهم انصر الاسلام والمسلمين وارفع رايه الحق والدين
السلام عليكم
أمثال هؤلاء البسطاء والسذج هم ذراع الطاغوت وأصابعه.... وهم قدماه ونعلاه ..... وهم سيفه وسوطه...
.
تذكرت الحكمة القديمة القائلة :
قل لي من معاونوك ... أقل لك: من أنت !!
ــــــــــــــــــــــــــ
صدقت أستاذنا الفاضل
وكم ذا بمصر من المضحكات///ولكنه ضحكٌ كالبكا
جزاك الله عنا خيرا
ولك وافر التحية
السلام عليكم ورحمة الله
ندعوا الله ان تكون حضرتك بخير
ونتذكر من هذه الكلمات
ان السجون فى مصر (سمك .. لبن ..تمر هندى)
معذرة
وننتظر الباقية
استاذنا الفاضل
السلام عليكم
والله الواحد يضحك وله يحزن؟؟ اللهم فك قيد كل اسير ان كان محبوسا في سجن او قصر او بيت او حتي اسير عقد نفسيه واحزان
الله يقويك يا دكتور ويكف ايديهم عنك
انا لله وانا اليه راجعون... اذكر لمه كنا صغار كنا نسمع انه راح يجي زمن اغبر الظلم راح يعم وكلمه الحق ما تنسمع وعن القتل والدماء كل هذا حصل الله يستر في ايه كمان... انا لله وانا اليه راجعون!!!
سبحان الله ..
امثلة متعددة من السجن تعكس الواقع بداخله
سأقرأ ما فاننى ان شاء الله
جزاكم الله خير ..
الحمد لله اللي عداها لكم على خير ,
فعلا ما حدش يقدر يوصف شعور الحبس و سلب الحرية غير لما يجربه ,
الواحد جرب يتحبس 6 أيام فقط في مكان لا يسمى سجنا و كان هيطق ,
الحمد لله اللي أخرجكم و صبركم على ما ابتلاكم به
وبلادنا تمشى بظهر للوراء
فيكرم القتال والسراق والخوان
ويحكم الغوغاء
ويحاكم الاحرار والابطال والاخوان
ويحاكم الشرفاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استاذى العزيز
انا جديد فى عالم التدوين
وقد بدات فى مدونتى الشعرية
ارجو من حضرتك ان تشرفنى بزياراتها
http://hamdy-manaa.blogspot.com/
اتمنى ان تنال كتاباتى اعجاب حضرتك
جميل متابعين مع حضرتك
السلام عليكم / كان الله عوناً لكم على ما لمستموه وعايشتوه فى هذه المدينة الظالمة جعل الله أيامكم هذه فى ميزان حسناتكم آمين .
السلام عليكم ورحمة الله وبعد
فقد شرفت بكم مدونتى.... وادعوا الله ان يديم مودتنا وان يجعلها خالصة لوجهه الكريم
أحوال الهوى
مصر كلها حكايات اعجب من العجب... حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا.
ماما أمولة
لأن الذى يضحك من البلية.. أكبر منها فهو ينظر إليها من علٍ.... ولو شعر انها أكبر منه ماضحك.
أكون أو لاأكون
هو لطف الله " تخفيف من ربكم ورحمة"
لعلك تغلبت على المشكلة التى فى كمبيوترك....
سلمى محمد
اللهم ارزقنا فى صدورنا جنتك أينما ذهبنا
معاذ عبيد
سبحان القابض الباسط
جمعاوى
وبارك الله فيك
المجاهد الصغير
نفع الله بك
القلم الصغير
كالبكا...أم "كلبك"...ههههههه
بحب كل الناس
تعرفت على سجين اوروبى مسلم فأردت ان أعزيه فى مصابه بالسجن فقلت له: هذا السجن هو مدرسة يوسف.... فرد على بلكنة عربية معجونة بالأوروبية : هذا السجن مدرسة كل الأنبياء.
مارأيك؟
أنت وأنا
قريبا إن شاء الله يرفع الظلم... ونسعد بعدل الإسلام... جعلنا الله وإياكم أهلا لذلك.
لجين ابو الذهب
شكرا لمتابعتكم واهتمامكم نفع الله بكم
TIMMY
لاأعادها الله أياما.... إن شاالله هما اللى يطقوا...
حمدى مناع
أهلا بك مدونا مسلما ملتزما شاعرا....
أعدك بالزيارة كلما سنحت فرصتى... الله معك
قلمى
يسعدنى دوام متابعتكم
حياتى نغم
لقد ساقنا الله إلى الخير من حيث لاندرى....
وساق الخير إلينا من حيث يدرى...
والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
إرسال تعليق