التكليف.... ومقومات النجاح....(1)
أراد الله ان يكلف عباده بالصيام... فكانت المعالجة القرآنية لموضوع: " التكليف".... تتكون من ست آيات، تحتوى على مائة وست وثمانين كلمة تقريباً، لكن التكليف بالصيام والإلزام به... وفرضيته.... أخذ من قوله تعالى: "كتب عليكم الصيام"... ثلاث كلمات هن جزء من آية... فما عمل الآيات الباقية والكلمات التى تحتويها؟!.
لقد علم الله تعالى أن التكليف أمر شاق... وأن النفس لاتقبل على العمل بمجرد الأمر المباشر... والتكليف المحض.
لقد ناداهم أولاً بنداء حبيب إلى نفوسهم يحدد من خلاله الفئة المكلفة، فيستجيش مشاعر الإيمان ويحرك العواطف نحو العمل بما يقتضيه هذا الإيمان.... "ياأيها الذين آمنوا"
إن الطبيب لايسره أن تناديه: "ياباشمهندس"... كما أن المعلم لايسعده أن تقول له: "يادكتور"، إنه يحب أن ينادى باسمه......، وأن يدعى بصفته.
كان الإمام حسن البنا -فى العادة- ينادى تلامذته وإخوانه بأسمائهم المجردة... فإذا أرد أن يعاتب أحدهم... أو يحاسبه... أو يكلفه بأمر فوق العادة؛ ناداه باسمه مسبوقاً بكلمة: "أستاذ"... حتى صار معروفاً عند الإخوان أنه إذا قال: "ياأستاذ فلان".... فلابد أن الأمر جلل.
.
سئل الدكتور" أحمد زويل": من من النالس صاحب الفضل الأكبر عليك؟! فقال: "أمى"، فسألوه لماذا؟! قال لأنها أول من نادانى "يادكتور" بينما كنت ألهو وألعب مع أقرانى من الصبيان،وكانت قد علقت لافتة على باب غرفتى كتبت عليها بخط حسن: "غرفة الدكتور أحمد زويل"... وكانت تكتب اسمى على كراسات المدرسة مسبوقاً بكلمة : "دكتور"؛ حتى أصبح هذا الاسم لصيقاً بى وجزءاً من كيانى، فنشأت حريصاً عليه، متطلعاً إلى معاليه، محققاً لمعانيه.
ادع أولادك بهذه الألقاب الجميلة التى يحبونها وتشعرهم أنهم رجال وكبار وأصحاب مسؤليات...... وبالذات إذا كانت بوادرها قد بدت عليهم.
نقول للأمهات والآباء الذين ينادون أبناءهم وبناتهم بكلمة "زقت"...أو..."حمار" أو....
نقول لهم: لاتعجبوا إذا وجدتم أحدهم فى المستقبل..... "زفت".. أو... "حمار"... أو...
لقد ناداهم: "ياأيها الذين آمنوا" ليرغبوا فى العمل ويجتهدوا فى الأداء... فيستحقوا اللقب بجدارة.
"كتب عليكم الصيام" هذا هو التكليف نقسه.
"كما كتب على الذين من قبلكم"
نعم: إن المرء يستوحش من الوحدة وينفر من الانفراد،ويخشى أن يكون أول السالكين، وفى نفس الوقت يأنس بتجربة غيره، ويفرح بالاقتداء، ويسهل عليه الاقتفاء.
إن القرآن يقدم لنا نموذجاً من التاريخ؛ نموذجاً لأمم خاضت التجربة قبلنا، لنرغب فى التفوق فيها كما تفوقنا عليهم فى غيرها، إذ ليسوا بأفضل منا..... ولسنا بأقل منهم..... إنه يطمئننا من ناحية، ويوقظ فينا الغيرة من ناحية.
فنتنافس.... ونتحدى..... وننجح.
"لعلكم تتقون"
إن الصيام سيصل بكم إلى درجة التقوى، وهى مرتبة عالية من مراتب الاهتداء؛ بل هى أعلاها، تهفو إليها نفوس المؤمنين، وتشتاق إليها أرواح المحسنين.
والنفس بطبيعتها تبحث عن المردود... وتحب المكافئة.
قال صلى الله عليه وسلم: "من صنع لكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تروا أنكم كافأتموه" أخرجه أبوداود.
وجاء الأنصار إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى العقبة يبايعونه على الإسلام والجهاد، وأن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأموالهم، وإن كان فى ذلك هلكة أموالهم وقتل أشرافهم... فسألوا عن المردود... وبحثوا عن المكافئة: "فما لنا إن نحن صنعنا ذلك؟!"، فأجابهم صلى الله عليه وسلم: "لكم الجنة"، فقالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل.
ناد أبناءك... وزوجك.... وعمالك... ورؤساءك... ومرؤسيك.... وخدمك.... بالأسماء التى يحبونها وبالألقاب التى ترفع همتهم وتشعرهم أنهم كبار... ومحترمون... ومسؤلون.
قدم لهم نماذج وأسوات من الناجحين فى شتى المجالات... وبالذات فى المجال الذى هو موضع التكليف.
قدم المكافآت السخية... والأجور الجيدة بطيب نفس وسلامة صدر... مع كثير من الشكر والثناء.
وللحديث بقية
هناك 8 تعليقات:
جزاك الله خير-البوستراكثر من رائع-فعلا نحن فى حاجة الى التهذيب والتغيير.اتمنى ان يستفاد من هذه الروائع الكثير منا لعلنا نرتقى.(ممكن ان تتقبلنى عامل عندك)الله يزيدك علما ويزيدك مكانة ورفعة.شكرا-شكرا الحمدلله الدنيابخيروفيها امثالك اللهم اكتر من هؤلاء الخيرين الطيبين.ودمتم بخير."لاتنسانى من دعائك".
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك يادكتور .. طوفت بنا حول هذه الآيات مستشرفا معاني جميلة تشرق بالنور من بين ثنايا هذه الآيات التي فرض الله بها علينا صيام الشهر الكريم .. معاني جميلة اسأل الله ان يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيراً على هذه المعانى الخلاقة المتجددة باستمرار.. زادك الله ورفع وأمتع بك ونفع.
ولكن لى خاطرة حول آخر جملة ذكرتها فى المقالة ألا وهى (الجنة)وكيف أن الذين لم يدخلوا فى الدين بعد قبلوا العقد حول شىء مجهول! هذا ما نتخيله هو مجهول بالنسبة لنا لكنه ليس مجهولاً بالنسبة لهم فالرسول صلى الله عليه وسلم علمهم ووصف لهم الجنة وكأنهم يرونها حتى وافقوا على شىء لن يروه إلا بعد الموت.لذا فعلينا أن نعلم أن أول طريق الجنة هو أن نعلم ما هى الجنة
جزاك الله كل خير يادكتور توكل...
بكل صدق... بوست راااااائع... ماأن بدأت في قرائته حتى وجدتني منتهيه... ذلك بسبب جمال الأسلوب... والوضوح... أجدت ماشاء الله عليك...
للأسف... شتيمة الأولاد اسلوب سائد... حتى نجد أن الأطفال بدأ أحدهم يشتم الأخر... فإذا بالأم والأب يتسائلون من أين تعلم أبنائنا هذا الكلام... نسوا أنهم من لقنوهم...!
تسلم يادكتور...
المحب لدينه
شكراًلمرورك الكريم
لاتحرمنى من نصائحك...نفع الله بك
عالم حبيب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
نحن نؤمن أن الإسلام منهج حياة وخطة إصلاح ..وليس مجرد أحكام فقهية....ودراسات أكاديمية.
اذكرنى بصالح دعائك
FORALLBODIES
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الإيمان بالله والدار الآخرة هما أصل الإيمان
وهما سر الإخلاص "إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار"
نفع الله بك
أكون أو لا أكون
وجزاكم أيضاً
نحن نؤمن أن القرآن هو سر قوتنا وعماد نهضتنا...وأننا لن نعود سادة إلا إذا تعاملنا معه على أنه منهج حياة... ودستور أخلاق... وخطة إصلاح..
وليس مجرد حسنات... وأجر أخروى... ودرجات فى الجنة... وإن كان هذا كله موجود.... لكن ليس وحده.
دمت بخير وعافية
إرسال تعليق