الخميس، سبتمبر 11، 2008

فى الحفظ ....والصون

فى الحفظ و......الصون
المكان: الإسكندرية
الزمان: صيف عام 1942
فى غضون الحرب العالمية الثانية - ترام الإسكندرية يتوقف عن العمل الساعة السادسة مساءً، وتقريباً كل وسائل المواصلات تفادياً لغارات جوية محتملة.
وبينما كان جدى "الشيخ مسعود" رحمه الله عائدًا من عمله في شركة "كرموز" للغزل والنسيج وقد ركب الترام من أمام الشركة، وفي كل محطة ينزل بعض الركاب حتى بلغ الترام المحطة الأخيرة (البورصة)، هنا يتوقف الترام، ويدخل إلى الجراج (المخزن).
ينظر جدى إلى عربة الترام فيجدها خاوية من الركاب تماماً إلا من امرأة معها طفلان؛ تحمل أحدهما وتمسك يد الآخر؛ يصرف بصره عنها ولكن سرعان ما يجدها تنتقل من مقعدها إلى المقعد المجاور. يرتاب منها ويقوم من مقعده.....ويتجه نحو باب الترام..... حتى إذا توقف الترام نزل مسرعاً.....مشي خطوات ثم نظر إلى الوراء فرأى المرأة واقفة تلتفت يميناً ويساراً فلم يعبأ بها ....... سار خطوات أخرى ونظر إلى الوراء مرة ثانية فرآها فى مكانها لم تغادره.
الطريق خال تماماً من المارة ومن السيارات، والترام قد آوى إلى بيته. يدق قلبه ولا تقوى قدماه على الاستمرار في السير ...لابد أن هناك أمراً ؛ يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويقرأ الفاتحة والمعوذتين ثم يعود إليها .
:السلام عليكم .
:وعليكم السلام .
:خيراً إن شاء الله.
:أنا تائهة!
:كيف؟
:أتيت من بورسعيد منذ يومين لأزور أخي الذي يعمل هنا في الإسكندرية، ونزلت بعد ما ذهب أخي إلى عمله في وردية المساء لأتنزه مع ولدي.... ولكني ضللت طريق العودة إلى البيت
:ما اسم أخيكِ؟
:محمد حشيش .
:أين يعمل؟
:في البوليس (الشرطة) .
:في أي قسم بوليس؟
:لا أدري.
:وعنوان بيته!
:لا أدري .
:أي معلومات عنه
:هذه أول مرة أزور فيها الإسكندرية، نحن أصلاً من بور سعيد.

أخرج بطاقته العائلية وقال: أنا اسمي مسعود محمد مسعود، أعمل في شركة الغزل والنسيج، متزوج... ولي ثلاثة من الأولاد، بيتي على بعد ساعة من هذا المكان سيراً على الأقدام؛ تعالي معي... سأترككِ في البيت مع زوجتي وأولادي.... ولن أعود إلا ومعي أخوكِ...... وافقت على الفور .
حمل جدي ولدها الكبير؛ وتكفلت هي بالصغير.... وسار أمامها وسارت وراءه... حتى بلغ البيت في منطقة المتراس غرب الإسكندرية . استقبلتها جدتي بحفاوة وترحاب وقدمت لها ما توفر لديها من طعام متواضع وواستها قدر ما استطاعت، وفي نفس الوقت لم يطأ جدي رحمه الله ساحة البيت بل انطلق يبحث عن محمد حشيش في جميع أقسام الشرطة التي يعرفها بدءاًً بنقطة الورديان... ثم قسم مينا البصل... ثم قسم كرموز... واللبان.... والجمرك.... كل ذلك على قدميه، وكل مرة يدخل إلى القسم فيسأل عن الضابط النوبتجي، ثم يسأل عن محمد حشيش، ثم يضطر إلى حكاية القصة قبل أن يجيبه الضابط بأنه غير موجود عندنا ولا نعرف أحداً بهذا الاسم.
بلغ قسم شرطة الميناء.... وبعد عناء شديد استطاع أن يعبر بوابة الجمرك، وهناك سأل عن محمد حشيش.... وسُئِلَ عن قصته فرواها.... وبعدها أخبروه؛ نعم عندنا محمد حشيش برتبة مساعد أول.... يسكن فى 12 شارع الإمام الأعظم كوم الشفافة الدور الثالث.
كان صوت المؤذن قد انطلق داعياً المؤمنين إلى صلاة الفجر، صلى جدي رحمه الله صلاة الفجر في المصلى الملحق بقسم الشرطة، ثم انطلق إلى العنوان المذكور فبلغه مع شروق الشمس.وقف أمام البيت.....، نعم هو المنزل 12 . هذا هو الباب... ولكنه مغلق، نظر إلى أعلى... إلى نوافذ وبلكونات الدور الثالث ونادى بأعلى صوته: يا محمد أفندي ... يا "ابوحشيش".
فتحت إحدى النوافذ ونظر منها رجل يبدو ضخم الجثة، غاضب الوجه ربما لم ينم طوال الليل...: :نعم ...من أنت؟
:أنا الشيخ مسعود.
:وماذا تريد ؟
:أريد الأستاذ محمد أبو حشيش.
:هو أنا.
:الأمانة بتاعتك عندي.
كاد الرجل يقفز من النافذة ، وبعد بضعة ثوان كان على باب البيت- صافح جدي وعانقه وسأل عن أخته فعلم أنها في الحفظ والصون وأنها بخير وعافية... انطلق مع جدي إلى البيت بالمتراس، دق جدى الباب... فتحت جدتي وتنحت جانباً.... قال جدي: تفضل.... أختك بالداخل .
قامت المرأة مسرعة إلى الباب فعانقت أخاها وعانقها وبكيا.... وظل جدي رحمه الله واقفاً على بعد أمتار منهما يرقب المنظر ويبكى.... ويردد: الحمد لله.. الحمد لله... الحمد لله .
الحمد لله ...الحمد لله...الحمد لله

هناك 29 تعليقًا:

عالم حبيب يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخ الحبيب الدكتور توكل

هذه أول زيارة لي لمدونتك الكريمة .. وما شاء الله وجدت في كتاباتك عبق الماضي بكل ما يحمه من خير .. مع روح الشباب فالكلمات تصل الى القلب

القصة التي ذكرتها تدل على الخير الذي كان يحمله الماضي وكيف أن جدك الشيخ مسعود العائد من عمله لم تكتحل عيناه بالنوم يومين من أجل ايصال هذه الأمانة .. وكيف حفظها وصانها

ابدي لك احترامي وتقديري .. ونتواصل على خير ان شاء الله

محب الخير لك : حبيب

أكون أو لا أكون يقول...

د. توكل مسعود...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

في البدايه... أشكر لك الإهداء الغالي... لا تعرف كم أقدر لك ذكر هذه القصه لي ... والتي تشبه إلى حد كبير موضوعي...
ومجرد منحك لي مساحه في مدونتك العزيزه... أعتبره دافع قوي من حضرتك لي...لتخطى ترددي قبل أن يقودني إلى الندم بعد أن يفوت الأوان ... أو يقود غيري للندم علي...

أشكرك كثيراً... وأشكر لك حرصك على الموضوع... وكم تمنيت أن يكون حريصاً ومهتما بنصف ما فعلت حضرتك...

أشكر لك تشريفك مدونتي المتواضعه... وأشكر لك الكلمات الراقيه... المليئه بالأمل... والتفائل...
أدام الله عليك الصحه والعافيه... وجزاك الله كل خير...

Unknown يقول...

اية رأيك تشرفنا بالتواجد معنا يوم السبت؟ 13/9 هنتقابل فى مستشفى ابو الريش الساعه 3 عصرا للتبرع للاطفال
؟؟؟
وباقى التفاصيل عندى بالمدونة

د.توكل مسعود يقول...

عالم حبيب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أسعدك الله كما أسعدتنى.

أسأله أن بنفع بك ، وأن يجمعنا على الخير حتى نلقاه.

د.توكل مسعود يقول...

أكون أو لا أكون

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

القرآن يقول:"وسارعوا" ومرة أخرى يقول:"سابقوا" والنبى صلى الله عليه وسلم يقول "بادروا"

والشاعر يقول:
فبادر بخير إذا ما كنت مقتدراً
فليس فى كل وقت أنت مقتدر.

أشعر أن زائرى مدونتك الكريمة حريصون جداً على المرور والتعليق....وأعتقد أنهم مشغولون أيضاً بصاحبة المدونة....

لينك تكتبين المرة القادمة فى البشريات والآمال والطموحات....أحسب أن ذلك سيسعدهم كثيراً.

والله معك.

د.توكل مسعود يقول...

نهر الحب

كم كنت أتمنى ذلك ولكن الواجبات أكثر من الأوقات


أشكرك على مرورك وأدعو لكم بالتوفيق

tarek alghnam يقول...

الدكتور الكريم توكل
ماشاء الله قصه رائعه
بارك الله فيك وفى جدك الكريم
مااجمل ان نرى فرح الناس وان نعمل له
فقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنه لمن يقضى حاجه الناس وبتفريج كربه من فرج كبربه من قرب الناس
بارك الله فيكم
تقبل تحياتى
ودمت بحفظ الله

ميرام يقول...

د. توكل ..
قصه رائعة بمغزى أروع
كل تقديري ..

لكل الناس يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

د/توكل مسعود
أما بعد
أشكر لك ترسيخ بعض قيم الماضى فى زمن اللا قيم وإن كنا نحاول.
وأشكر لك الإهداء الجميل للمدونة وإن كنت أعلم أن لك نقداً بناءاً فحضرتك لم تنتقد شيئاً فأنا أستحلفك بالله أن تحاول أن تصحح معى المسار سواء فى اللغة أو صلب المواضيع.
وجزاكم الله خيرا

غير معرف يقول...

هذاالشبل من ذاك الاسد رحم الله أبيك وجدك رحمةواسعةآآآآآآمين لو أن كل فردأخذبيد أخيه ليبلغه مأمنه ويسدحاجته-لكانت الدنيابخير-وحكومتنابخير-وإقتصادنابخير.ولكن لانيأس الخير فى أمتناإلى يوم القيامة.وأخيرادعائى لك(الله يحميك).

د.توكل مسعود يقول...

أستاذ طارق الغنام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد

جزاك الله خيراً

فى انتظار توجيهاتك.

د.توكل مسعود يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
د.توكل مسعود يقول...

ميرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكراً لمرورك

نفعنا الله جميعاً بذلك

د.توكل مسعود يقول...

FORALLBODIES

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

هو زمن القيم إن شاء الله فليكن بنا ..وإلا كان بغيرنا

د.توكل مسعود يقول...

المحب لدينه

رجال الإسلام كلهم أسود....

وأشبال الإسلام كلهم...أشبال

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم...إن التشبه بالكرام فلاح

صانعة الحرية يقول...

استاذى الفاضل
دكتور توكل
سعيده جدا ان من الله على بمعرفة هذه المدونة الطيبه
عجبنى البوست جدا
غفر الله لجدك
ليت هذه االشهامةتعود مرة اخرى
ابنتك
صانعة الحرية

د.توكل مسعود يقول...

صانعة الحرية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كل عام وأنت طيبة ..وبالصحة والعافية
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا

أشكر لك مرورك الكريم وتعليقك المبارك

نفع الله بك دائماً

اخواني وبحب بلادي يقول...

اخلاق الاسلام نتعلمها من الاجداد

Unknown يقول...

قصة من الزمن الجميل
عن قيم اختفى الكثير منها عن عالمنا
لكنها تدل على مدى
خلق ذلك الزمان وشهامة اهله
تحياتى لك

كريم مصطفي سيد يقول...

د.توكل مسعود السلام عليكم ورحمه الله وبركاته كل عام وانت بخير سعدت بالمدونه وهذه اول زياره وقصه جميله وربنا يتقبل

أحمد رشاد يقول...

استاذي الفاضل

ما أجمل أن يتحلى المرءبمثل هذه الأخلاق أخلاق الإسلام التي نفتقدها في مجتمعنا الحالي و كم من اناس يبكيون من المعاملة التي يجدونها من بعضهم البعض

ومهما تكن عند امرئ من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تعلم

أحمد بسام يقول...

استاذنا الفاضل
انها الشهامة متمثلة فى شخص جدكم الكريم

Beram ElMasry يقول...

ان كنت ممن يتذوقون الشعر العامى والزجل ، ارجو زيارة مدونتى والتفضل بالنقد والتعليق ، فالنقد كالنصح ، والدال على الخير كفاعله
كلنا نقدس مصر ، ولكن اليس من حقنا ان نغضب اذا ما انحرف المسار

Beram ElMasry يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
د.توكل مسعود يقول...

إخوانى وبحب بلادى،
نهر الحب:
كريم مصطفى سيد:
أحمد رشاد:
أحمد بسام:

جزاكم الله خيراً على زيارتكم الكريمة، يقول صلى الله عليه وسلم: "الخير فى وفى أمتى إلى يوم القيامة"

لسنا بأقل من السابقين...هم رجال ونحن رجال ...فلنعمل مثلما عملوا ولن نعدم العون من الله..ثم التاييد من الناس.

د.توكل مسعود يقول...

BERAM ELMASRY

أهلاً بك زائراً

أعدك بالزيارة

أحمد القبرصي يقول...

خيار من خيار من خيار

د.توكل مسعود يقول...

أحمد القبرصى

غفر الله لى ولك

لسنا هؤلاء.. ولسنا هناك

من ذا الذى ماساء قط
ومن له الحسنى فقط؟!

Anas mahrous يقول...

ربنا يخليك لينا يادكتور بجد احنا عايششين ببركتكو وانا شايفان احنا لو فضل فى حياتنا ناس زى جد حضرتك لتحولنا من المجتمع المفترس الى مجتمع يعيش فى الامن الاجتماعى نحن لا نحتاج لدراسه تنميه البشريه ولا للامن الاجتماعى ولكن نحتاج لدراسه انفسنا واجدادنا لكى نتعلم منهم حقيقه تنميه البشريه
اخوك فى الله :انس محروس