السبت، يناير 07، 2012

لماذا القرآن.... ورد التدبر ....16 الآيات المتتاليات

ورد التدبر....16


إدراك العلاقة بين الآيات المتتاليات




"ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون" سورة الحديد 16-17





ورد فى صحيح مسلم عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: "ماكان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية "ألم يأن ..." إلا أربع سنين.



وإن كنت لا أميل إلى القطع بهذا، فإن القرآن المكى لم يشنع على أهل الكتاب، وإنما ذكرهم بوصفهم "أهل الكتاب" وبوصفهم "الذين أوتوا العلم" وإنما كان التشنيع عليهم فى القرآن المدنى لما ظهرت عداوتهم للإسلام والمسلمين، ولما نقضوا عهودهم وغدروا بالنبى صلى الله عليه وسلم وبمن معه من المؤمنين.



لقد عاتب القرآن المؤمنين على كثرة المزاح والضحك لما ترفهوا بالمدينة، واستبطأ الله قلوبهم وهم أحب خلقه إليه، فإن الله يغار على قلوب المؤمنين إذا تشاغلت بغير ذكره، أو زاحمت زخارف الدنيا حقائق الآخرة فى نفوسهم. ثم استنهض هممهم واستثار عزائمهم وأحيا الأمل فى نفوسهم بسهولة العودة إليه سبحانه فانتقل بهم إلى نموذج من واقع السنن الكونية والحقائق الحياتية "اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها" فإذا كان الله يحيى الأرض بعد موتها فإن القرآن يحيى القلوب بعد موتها فإذا بها يقظانة بعد غفلة، ومثمرة بعد جدب، ورطبة بعد يبوس، وباشة بعد عبوس.



كان الفضيل بن عياض يقطع الطريق، وكان قد عشق جارية فواعدته ليلا، فبينما هو يرتقى الجدران إليها إذ سمع قارئا يقرأ: "ألم يأن للذين آمنوا...." فرجع القهقرى وهو يقول: بلى والله قد آن، فآواه الليل إلى خربة وفيها جماعة من السابلة، وبعضهم يقول لبعض: إن فضيلا يقطع الطريق. فقال فضيل: أواه.... أرانى فى الليل أسعى فى معاصى الله وقوم من المسلمين يخافوننى، اللهم إنى قد تبت إليك، وجعلت توبتى إليك جوار بيتك الحرام.









***********************



"ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا، ويشهد الله على مافى قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد * وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد * ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله، والله رءوف بالعباد" سورة البقرة 204- 207





أن القرآن يحدثنا عن صنف من بنى البشر لا هم لهم إلا تزويق الكلام وتنميق العبارات، ثم هم يحشدون أبواق الدعايات وينظمون الهتافات التى تنطلى على العامة وتخدع الدهماء، ثم لايكتفون بهذا؛ بل يلبسون مسوح الرهبان وطيالسة القديسين ويقسمون على ورعهم وتقواهم بالله رب العالمين، وقد يدعمهم فى ذلك من لاخلاق له من أشباه العلماء وأنصاف المتعلمين وكسور الدعاة والمرتزقة من الواعظين، فإذا وضع هذا الصنف من بنى البشر على المحك فتولى قيادة أو كان ذا سلطان؛ إذا به يفسد فى الأرض فيجعل ليلها نهارا، ويجعل من النهار ليلا، فيرفع كل خسيس ويضع كل رفيع، يستأمن الخوان ويخون الأمناء، فيحكم الرعية جهال، ويقضى بين الناس فساق، ويحمى اللصوص الثغور، ويرعى الذئب الغنم والشياه؛ عندها يستنوق الجمل، ويرمى الضأن لحما للكلاب بعدما قلدت ذهبا، والأسد فى الغابات تموت جوعا بعدما كلت مخالبها وأسقط منها كل ناب. فإذا ذكرته بالله وخوفته منه أرغى وأزبد، وثار وفار، وانتفخت أوداجه نارا واحمرت عيناه لهبا وشررا، فأهلك الناصحين، وسفك دماء الواعظين؛ بعدما انفرد بالقرار وسلموا له مقاليد الأمور.



أى داء هذا الذى نزل بالناس، وأى بلاء هذا الذى قد حل بهم....



ولكن أليس لكل داء دواء ؟؟!! ولكل معضلة حلا؟؟!!



لقد بين القرآن دواء ذلك الداء وحل تلك المعضلة فى الآية التالية مباشرة عندما قال: "ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله" البقرة 207



إن الحل يكمن فى أن يتصدى لأمثال هؤلاء أناس آخرون باعوا أنفسهم لله ووقفوا جهدهم على طاعته ودعوته ونذروا أرواحهم فداء لدينه، فعاشوا متعبين مكدودين يصلون الليل بالنهار، فاقتحموا على هؤلاء أوكارهم فأقضوا مضاجعهم وأزعجوا أحلامهم وأرقوا نومهم، فعاشوا كراما وعزت بهم أمتهم، أو ماتوا شهداء لتسعد من بعدهم أمتهم، وماكان لهم من أنفسهم حظ ولا نصيب.... فقد باعوها "يشرى نفسه"



قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهداء حمزة ثم رجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله"، ولما سمع عمر رضى الله عنه قارئا يتلوا هذه الآيات فهم المراد منها فقال: :سبحان الله قام الثانى إلى الأول فقتله" أى قام ذلك الذى باع نفسه لله إلى الألد الخصام فقتل ذلك الألد عبدالله المؤمن....يالها من ميتة كريمة ماتها، بل يالها من حياة كريمة بدأها .... "ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" آل عمران 169







وللحديث بقية







هناك تعليقان (2):

أمل حمدي يقول...

جزاك الله كل الخير وأثابك ونفع بك
اللهم آمين

تقديري

د.توكل مسعود يقول...

ماما أمولة

شكرا على زيارتك الكريمة.....