الجمعة، أكتوبر 14، 2011

لماذا القرآن.... 13 ورد التدبر الآيات المتتاليات




لماذا القرآن.... 13 ورد التدبر







إدراك العلاقة بين الآيات المتتاليات







ليست الآيات القرآنية مبتوتة؛ وإن تباعدت أزمنة نزولها واختلفت أسباب ذلك النزول، وإنما هى مسرودة سردا ومسبوكة سبكا؛ بمعنى أن سياق الآية يرتبط ارتباطا وثيقا بسابقتها ثم بلاحقتها؛ وذلك من بداية القرآن وحتى نهايته، حتى إنك لتستطيع أن تقول: إن هذا القرآن وحدة واحدة هى الإعجاز، وموضوع واحد هو الإنسان، وقصة واحدة هى قصة الهداية الربانية لهذه البشرية الحائرة.




"الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور......................." سورة البقرة.




الولاية: نصرة وتأييد وحفظ، وتكون من السيد لعبده، كما تكون من العبد لسيده؛ كل على قدر قوته وقدرته وسلطانه، وشتان شتان؛ فولاية الرب لعبده إكرامه وإعزازه ونصره على أعدائه، أما ولاية العبد لربه فالقيام بخدمته والتذلل بين يديه، قال الله تعالى: "الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور" سورة البقرة، وقال: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون*الذين آمنوا وكانوا يتقون" سورة يونس.




والحديث هنا عن ولاية الله للمؤمنين: "الله ولى الذين آمنوا" والآيات التالية لهذه الآية تذكر ألوانا وصورا من ولاية الله للمؤمنين:




زعم النمرود أنه يحيي ويميت؛ فأتى ببريء فقتله، وآخر قد وجب عليه القتل فبرأه وأطلقه، فالتبس الحق بالباطل وانطلت الشبهة على العوام والجماهير المغيبة؛ لكن الله ألهم إبراهيم أن يخرج بالنمرود من دائرة سلطانه البشرى المحدود إلى سلطان الله الممدود، ويرتفع فوق مستوى مملكته المجازية ليحلق فى آفاق السماء حيث الملكوت الحقيقي فقال للنمرود: "فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب" فبهت النمرود وأدحض الله حجته.




فكانت ولاية الله لإبراهيم أن ألهمه حجته التى دمغت النمرود فردته خاسئا.







ثم تأتى الآية الثانية بصورة أخرى من صور ولاية الله للمؤمنين:




ركب عزير حماره بعد ما حمل عليه طعامه، فمر فى طريقه على قرية قد غار ماؤها ونضبت عيونها؛ فهوت أشجارها وخوت جذوعها؛ فاستبعد عودة الحياة إليها؛ إذ لاتعود بظنه إلا بحفر بئر وحرث أرض ثم بذر وسقي ثم زرع وغرس حتى تنضج الثمار ويحين القطاف، وأن ذلك لابد يستغرق زمنا ويستنفذ وقتا، فقال: "أنى يحيي هذه الله بعد موتها".




إنها لحظة الغفلة التى يتعلق الناس فيها بالأسباب وينسون أن قدرة الله تعالى فوق الأسباب وجودا وعدما، وأنه سبحانه هو خالق الأسباب، إنها اللحظة التى يقيس الناس فيها أفعال الله على أفعالهم، ويحسبون أن الزمن جزء من فعله سبحانه كما هو جزء من فعلهم، ويغيب عن قلوبهم أن الله إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، وأن أمره كما يقول العوام: "بين الكاف والنون"، وبينهما زمن قد لايقوى البشر على قياسه، وهو مثال تقريبي إذ أمره سبحانه لاتعوزه كاف ولانون.




"فأماته الله مائة عام ثم بعثه، قال: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما أو بعض يوم. قال: بل لبثت مائة عام."




مائة عام من الموات بعث بعدها فإذا جنات يحفها نخيل وتتفجر خلالها أنهار، وزروع وأشجار وطير على الأغصان، وحفيف وخرير ونقيق، وحياة تدب هنا وهناك، لكنه حسب المائة عام يوما أو بعض يوم.




تحسس طعامه ذات اليمين فإذا الخبز لازال ساخنا كأنما أخرج لتوه من التنور، وإذا اللبن لم يتغير طعمه فبقى سائغا للشاربين، ثم ألقى نظرة ذات اليسار نحو الحمار فإذا هو كومة من عظام.




أى الخبرين يصدق!!!! خبر الطعام الذى لم يتسنه والذى يقول إن اللبث كان يسيرا "يوما أو بعض يوم" أم خبر العظام التى تقول إن اللبث دام طويلا "مائة عام؟؟!!




لم تدم حيرته، فقد نشر الله العظام وأنشزها أى حركها أفقيا ورأسيا فتكون منها هيكل عظمى، ثم كسا الله العظام لحما، بعدها انطلق الحمار راكضا بأنكر صوت سمعه عزير.




لقد رأى عزير آية الإحياء فى لحظة، بينما تأخر إحياء القرية مائة عام، وكان ممكنا أن يراها فى لحظة أيضا إلا أنه غفل وارتاب، فكانت ولاية الله له أن غار عليه فأنقذه من الغفلة ومنحه درسا تتوارثه الأجيال وتتدارسه إلى يوم القيامة.







ثم تأتى الأخيرة بصورة ثالثة من صور الولاية الربانية:




يسأل إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموتى: "رب أرنى كيف تحيي الموتى"،بصيغة جازمة لا تردد فيها ولا تلعثم، هويعلم"علم اليقين" أن الله يحيي الموتى لكنه يريد أن يرتقى فى مدارج العلم ليبلغ "عين اليقين" قال: "أولو تؤمن!!" ألست قد آمنت!! "قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبى"




لم يتأخر الجواب، ولم يلبث مائة عام كما لبث سابقه؛ قال: "فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا".




لم يكن لدى إبراهيم حظيرة طيور لينتقى من بينها أربعة، وإنما بذل جهدا ليصطاد أربعة طيور ويمسكها حية، ثم قربها إليه وتعرف عليها جيدا ثم ذبحها وقطعها وخلطها ريشا ولحما وعظما ثم بذل جهدا آخرضخما صعودا وهبوطا ليجعل على كل جبل منهن جزءا، فلما دعاهن أتينه سعيا.




لاتزال ألوان الولاية الربانية تحوط المؤمنين حتى ترتقى بهم مدارج العلوم فلا تقف بهم عند حد، شك عزير وارتاب فتأخرت عنه الآية قرنا من الزمان، بينما تيقن إبراهيم ووثق فأتته الآية على عجل؛ والله وليهما.




الشك يؤخر النصر ويحجب التأييد والارتياب يؤخر الجواب، بينما اليقين يسارع بإجابة الدعاء ويحقق الرجاء.




الله ولى الذين آمنوا يلهمهم حجتهم، ويقيل عثرتهم، ويستجيب دعوتهم.







وللحديث بقية







والله من وراء القصد

هناك 6 تعليقات:

يارب رضاك يقول...

( اللهم علمنا من القرأن ما جهلنا وذكرنا منه ما نسينا ) .
جزاك الله خيراا
دمت بخير حال

Emtiaz Zourob يقول...

ماشاء الله ..

بارك الله فيك يا دكتور وجعل ما تكتب في ميزان حسناتك ..

سعيدة بمروري هنا لاول مرة وان شاء الله من المتابعين لكل جديد ..

تقبل خالص احترامي وتقديري..

دمت بخير .

alreda&alnoor يقول...

جزاك الله خيرا وجعلها في ميزان حسناتك
اللهم لاعلم لنا الا ما علمتنا

abonazzara يقول...

ما شاء الله ياسيدي
هذه السلسلة تصلح كتيبا جميلا
فيه من العلم الكثير
كما يفجر عند قارئه خواطر جمة
في انتظار باقي السلسلة
وفي انتظارها ككتيب إن شاء الله
جزاكم الله خيرا

غير معرف يقول...

فينك..

د.توكل مسعود يقول...

يارب رضاك
وجع البنفسج
alreda&alnoor
أبو نظارة
شكر الله مروركم الكريم
قريبا تكون كتابا إن شاء الله مع بعض أخواتها