الثلاثاء، فبراير 23، 2010

لماذا القرآن...3 توقير القرآن


علم توقير القرآن

.

.
وإذا كانت الغاية العظمى و النهاية القصوى لعلوم القرآن هي فهم القرآن؛ فإن أعظم علوم القرآن هو:


علم توقيرالقرآن وأهل القرآن وأمة القرآن، ذلك أن الفهم نعمة تامة ومنحة خاصة يمن الله بها على خاصته من خلقه و أصفيائه من أنبيائه ورسله.

.

قال تعالى:

( ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ) سورة الأنبياء

.

وكيف يمن الله بفهم كتابه والوقوف على أسراره على من لم يكن للقرآن في قلبه موضع؟؟!! وكيف يمنح كنوزه وعجائبه من لم يجعله في خير موضع؟؟!! وكيف ينشرح له صدر من لم يتناوله بأدب جم وخشوع تام؟!! أم كيف يؤتى حكمته من لم تدم معه صحبته كأ حسن ما تكون الصحة و أرفق ما تكون الرفقه؟؟!!
.
لذا وجب أن تكون البداية مع أدب حمله وأخلاقيات صحبته وفن توقيره و توقير أهله الذين هم أهل الله وخاصته.
.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن لله أهلين".
قا لوا: من هم يا رسول الله؟؟!!
قال: أهل القرآن, هم أهل الله وخاصته" صحيح الجامع
.
وقال صلى الله عليه وسلم:
"إن من إجلال الله تعالى: إكرام ذي الشيبه المسلم، وإكرام ذى السلطان المقسط، وإكرام حامل القرآن غير الغالي فيه و الجافي عنه ". أخرجه أبوداود عن أبى موسى الأشعرى
.
وإذا كان إجلال حامل القرآن ليس لأجل ذاته وشخصه، وإنما لأجل القرآن الذي يحمله؛ فإن إجلال الأمة التى أورثت القرآن يكون بالقيام بحقوقها وحمل همها والانشغال بقضاياها بالعمل الدؤوب لتوحيد صفها وجمع شملها والأخذ بيدها إلى الله، وكل ذلك من إجلال الله، وحق لمن فعل ذلك أن يمن الله عليه بفهم كتابه ومنحه كنوزه وأسراره، ولاحرج على فضل الله.
.
لقد استحق المسلمون أن يكونوا أصفياء الله من خلقه وعباده لوراثتهم هذا الكتاب على ما بهم من قصور وخلل:
.
قال تعالى:
"ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير" سورة فاطر
.
حتى الظالم لنفسه من أمة القرآن لم يستثن من الاصطفاء، ولم يحرم من الفضل الكبير، ودخل في زمرة الورثة فحق له أن ينال حظه من عناية إخوانه المسلمين وجهدهم وأن يأخذ قسطه من الذب عن عرضه والذود عن حماه، وإن ظلم نفسه.

لقد حفظ الله القرآن فى السطور مرسوما، وفي الصدور موسوما؛ لذا وجب توقيره من جهتيه:

فأما توقير سطوره فقد أشار القرآن إليه في قوله تعالى:
"إنه لقرآن كريم فى كتاب مكنون" سورة الواقعة.

.
وإن كانت الإشارة إلى القرآن مكتوبا في اللوح المحفوظ مكنونا في الملأ الأعلى؛ وهو هناك أبعد ما يكون عن مظنة الابتذال والإهمال إذ لا غبار هناك يعلوه ولا شياطين من إنس أو جن قد ينتهكون حرمته، ليس هناك إلا الكرام الكاتبون وإلا السفرة الكرام البررة وإلا المطهرون..... فإذا كان القرآن هناك مكنونا فالذي بين أيدينا أولى بالكن والصيانة.
.
لذا كرهوا تركه مفتوحا لئلا يكون عرضة لغبار متساقط أو ذباب متهافت... ناهيك عما في تركه مفتوحا دون قراءة أو تدبر ما يكون من مظنة الإهمال وقلة الاهتمام، وقد اعتاد الناس على جعل كل ماهو ثمين بعيدا عن كثرة التناول والابتذال، ودأبوا على حفظ كل ماهو نفيس فى جراب من داخل جراب.
.
كما أن من توقيره أن ينظر إليه على أنه كتاب هداية ورسالة رحمة؛ تقديسه طاعة وتوقيره عبادة، وقد وصفه الله بأنه كتاب عزيز وقرآن كريم وقرآن مجيد، وهذا يقتضى أن يظل مكنونا
مصونا، ومن هنا كره العلماء حمله إلى بلاد الكفار خشية أن تمسه إهانة أو يلحقه ضياع في نفس الوقت الذي لا يقوى صاحبه على دفع ذلك عنه إذ هو بغير قوة ولا سلطان أو ربما تأخذه الحمية فيؤذى بما لاطاقة له به.

.
وكرهوا أيضا تزيين الحوائط والجدران بآياته... وماذا بعد ذلك إلا النظر إلى آياته باعتبارها زينة؟؟!! فتضمحل فى النفس قيمته الربانية، فان أبدت إعجابا فهو إعجاب بالزينة وثناء على من صممها وأبدعها من البشر وقد لايحضره معنى الهداية وشعور القداسة.
.
وكرهوا أيضا كتابته بماء الذهب والفضة لأن قيمته عند ئذ تكون قيمة الذهب والفضة بينما هو كلام الله رب العالمين ولو أنفق ذهب الأرض وفضة الدنيا في سبيل حرف من حروفه لكان قليلا يسيرا.
.

وعليه فقد أصبح لزاما إن كنت للقرآن موقرا ألا تتركه مفتوحا في محراب مسجد أو قاعة درس أو حلقة علم إلا إذا كنت له تاليا، وأما ماعدا ذلك فضع علامة تدلك على موضع انتهاء قراءتك، ثم أغلقه، وارفعه عن كل ما يوطئ، ولا تضع فوقه كتابا غيره، ولا تتكئ عليه إذا سجدت، ولا تضعه بين فخذيك، ولا على شئ خلفك وقد أدرت له ظهرك، بل قم واستقبل موضعه بكل وجهك ثم ضعه هناك، واذهب بعدها حيث شئت.
.
أذكر أنى زرت يوما إدارة التعليم بمنطقة الدوادمى التابعة للرياض عاصمة السعوديين فرأيت في معرض أنشطة طلابها نموذجا لمصحف ضخم مفتوح على صفحتين متقابلتين من سورة الكهف كتبتا بخط يروعك جماله وبهاؤه، وهو نفس خط المصحف الذي يطبع في المدينة المنورة على صاحبها أكمل صلاة وأتم تسليم، ولكن هذا تقرؤه من بعد بعيد ومن الممكن أن يلتف حوله عشرون رجلا، وقد توسط المصحف سا حة المعرض بين عشرات الأعمال الفنية والزخارف الملونة واللوحات المخطوطة، والزائرون يتجولون بين ذلك كله.

لقيت مدير الإدارة، وكان رجلا وقورا إذا رأيته حسبته يخشى الله، صافحنى ورحب بى ثم سألنى:
ما رأيك في معرضنا هذا؟؟!!
قلت:
هو طيب ومبارك إن شاء الله، لولا هذا المصحف الذي يتوسطه.
قال:
وأى عيب في وجوده ؟؟!!
قلت:
أليس عرضة للغبار المتساقط والحشرات الطائرة والزاحفة؟؟!!
أو ليست إدارتكم هذه ملأى بعمال من الهندوس والنصارى والبوذيين؟؟!!
أو تأمن ألا يمر أحدهم فيتفل فيه أو يبصق عليه أو يلقى عليه شيئا من النجاسات؟؟!!
إن ترك المصحف مفتوحا ابتذال له أيما ابتذال وتعريض له للإهانة والاحتقار.

بدت على وجه الرجل علامات الدهشة والاستغراب، ولكنى أدركت أنه اقتنع بما قلت، وتوقعت أن شبئا من ذلك سوف يتغير.

قام الرجل بواجب الضيافة، و شكرته واستأذنت في الانصراف فقام مودعا لي وشاكرا.

مررت بمعرض الإدارة بعد يومين فلم أر هذا المصحف بين معروضاتها فأيقنت أن الرجل قد رفعه صيانة له وتقديرا.... حمدت الله كثيرا أن الرجل كان عند حسن ظنى به وأنه كما توقعت وحسبت يخشى الله.
....

...
وللقرآن المقرور في الصدور توقير آخر هو غاية كل توقير ومنتهى كل العلوم والمعارف، لاتبلغ السطور قدره وليس للأقلام على وصفة قدرة، فما كان لقلب اتسع للقرآن أن يتسع لغيره، وما كان لصدر شرحه القرآن أن ينشرح بغيره, ليس شرعا فقط، وإنما قدرا وكونا.... إذ:

"ما جعل الله الرجل من قلبين في جوفه" سورة الأحزاب
.
وعلامة ذلك ألا تنافسه الدنيا ولاتزاحمه شهواتها، وأقل ذلك وأدناه خلو المعدة من فضول الطعام و الشراب معنى و مبنى....
.
فأما المعنى: فانصراف النفس إلى ألوان مخصوصة وطعوم مرصوصة تقضى الوقت الطويل والزمن النفيس في تمليحها وتقزيحها، لتعود بعده إلى ما صارت إليه الحثالات.

.


وأما المبنى فلا يزيد عن الثلث إن كان لابد آكلا، وإن كفته اللقيمات وأقمن صلبه فليس له أن يستزيد

قال تعالى:

"وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" سورة الأعراف
.
ومن واجباته أيضا إمساك اللسان عن فضل الكلام، ناهيك عن غيبة أونم... ثم العزوف عن فضل راحة أونوم، قال تعالى:

"تتجافى جنوبهم عن المضاجع" سورة السجدة
.
إن صوت القاري عند التلاوة ما هو إلا حشد لأصوات أنغام ربانية وألحان إلهية دونها أنغام الوتريات وصفير النفخيات وإيقاع الدفوف وكلها آلات يشترط لكمال أدائها وتمام حسنها خلو جوفها وفراغ بطونها.... هنا يستساغ رنينها وتنسجم إيقاعاتها وتطرب النفس لسماعها.... وكذلك صوت قارئ القرآن.... كلما خلا بطنه وتحقق فراغ جوفه انسجمت الآيات في منطقه وتسلسلت حروفها في مخارجها تسلسل الؤلؤ والمرجان فى معاقدها....
.
وإذا كان خلو البطن وفراغ الجوف ضرورة فإن خلو الذمة من حقوق الخلق واجب وفريضة لا يسع صاحب القران إهماله ولا يسمح له بتجاوزه وإلا وقع في المحظور:
.

.

.

.
قال أنس بن مالك رضى الله عنه:

"رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه"

.


.


.



والله من وراء القصد



هناك 10 تعليقات:

أمل حمدي يقول...

قال تعالى:
"ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير" سورة فاطر

رائع ماطرحت
بارك الله فيك وأعزك اللهم أمين

ماجد العياطي يقول...

(إن صوت القاري عند التلاوة ما هو إلا حشد لأصوات أنغام ربانية وألحان إلهية دونها أنغام الوتريات وصفير النفخيات وإيقاع الدفوف وكلها آلات يشترط لكمال أدائها وتمام حسنها خلو جوفها وفراغ بطونها.... هنا يستساغ رنينها وتنسجم إيقاعاتها وتطرب النفس لسماعها.... وكذلك صوت قارئ القرآن.... كلما خلا بطنه وتحقق فراغ جوفه انسجمت الآيات في منطقه وتسلسلت حروفها في مخارجها تسلسل الؤلؤ والمرجان فى معاقدها....)

رائعه هذه الكلمه معبره عن حب القرءان

والعمل به


لا اجد مااشكرك به الا ان اقول

جزاكم الله كل خير وجعلها في ميزان حسناتك

وفقك الله

جنّي يقول...

السلام عليكم

كيف حالكم يا دكتور لعلكم بخير ..

اتيت لالقي التحية والسلام بعد انقطاعي عن التدوين وعالمه الجميل لفترة طويلة مرت كالدهر .. وها انا اعود لألتقي اناس طيبين ..

جزاكم الله خيرا لبحثكم الرائع عن القرآن ندع الله ان ينفعنا به ..

تحية وسلام

أحمد الخير يقول...

جزاكم الله خيرا أستاذنا الحبيب وفتح عليك
وأحسنتَ إذْ سميتَه عِلمًا (علم توقير القرآن) ، وأحسنتَ كذلك إذ انتبهتَ إلى المظهر والجوهر ؛ أي توقيره في السطور وتوقيره في الصدور .

قال ابن مسعود رضي الله عنه : "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناسُ نائمون ، وبنهاره إذا الناسُ مُفطرون ، وبورعه إذا الناس يخلطون ، وبتواضعه إذا الناسُ يختالون ، وبحزنه إذا الناسُ يفرحون ، وببكائه إذا الناسُ يضحكون ، وبصمته إذا الناسُ يخوضون" .
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى : "حامل القرآن حامل رايةِ الإسلام .. لا ينبغي له أن يلغو مع من يلغو ، ولا يسهو مع من يسهو ، ولا يلهو مع مَن يلهو" .

اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك !

قيس بن الملووووح يقول...

نحن في حاجه دائما الي ارائكم في رسائل القراء وفي رسالة جديده علي مدونة
دقات قلب بعد الخمسين

م/ الحسيني لزومي يقول...

فتح الله عليك استاذنا الفضل وادام الله عليك نعمة الصحه والحمد

rovy يقول...

جزاك الرحمن كل الخير .. أدعوا الله أن ينفعنا بما كتبت ..

تقديرى و تحياتى

غير معرف يقول...

كتابات رائعة ما شاء الله
تحياتي

abonazzara يقول...

استاذنا الفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرت شهور طوال لم انهل فيها من عذب حديثك وعمق معانيه ولذلك كان اول ما فعلت الان في اول جلوس لي على الانترنت منذ ان ابتلاني الله بالمرض هو ان سارعت الى ملاقاتك عبر صفحات مدونتك
فلا حرمني الله من سيادتكم ابدا واسالكم الدعاء لي فمازلت في بلاء وكرب عظيمين والحمد لله على كل حال ونعوذ بالله من حال اهل النار

د.توكل مسعود يقول...

السلام عليكم ورحمة الله

فجزى الله الزائرن والمعلقين خيرا ونفعنا جميعا بما كتبنا وبما قرأنا




أمل حمدى
لاحرمنا الله وإياكم من فضله الكبير


ماجد العياطى
شكرا لزيارتك
نفع الله بك



جنى
حمدا لله على سلامتك وعود حميد والله معك



أحمد الخير
آمين آمين آمين
وليس لنا فى ذلك خيار لأن البديل...
"استهوته الشياطين فى الأرض حيران..."
نسأل الله لنا ولكم العافية.



قيس
شكرا لزيارتك... أعدك بذلك عندما تسنح الفرصة



الحسينى اللزومى
شرفتنا لاتحرمنا من زياراتك


روفى

جزانا الله وإياك كل خير ولا حرمنا من هداية القرآن.



غير معرف
شكرا لك على كل حال... ولكن ماذا لو تعارفنا.



أبو نظارة

أذهب الله عنك البأس وحعل ذلك فى موازين حسناتك.آمين آمين آمين.