الجمعة، سبتمبر 02، 2011

كتب عليكم الصيام..... 10 التكليف وتهيئة المناخ

التكليف وتهيئة والمناخ





فرض الله على عباده فريضة لا يملكون من خلالها إلا أن يكونوا مخلصين فينجحون نجاحا تاما؛ إنها عبادة لاتعرف الرياء، ولايتطرق إليها الإشراك، لأنه سبحانه يحب لهم النجاح ويفرح بإحسانهم؛ فحملهم على الإحسان حملا:



"أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" حديث شريف



"للصائم فرحتان بفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" حديث شريف





لا يخفى على ذي لب أثر البيئة فى الأخلاق، وأثر الظروف فى السلوك، وأثر الصحبة فى الأداء.



إن المرء مدنى بطبعه: بمعنى أنه لامفر من أن يعيش فى مجتمع يتأثر به، ويؤثر فيه، ويحرص على أن يكون متوائما مع أخلاقه، منسجما مع تطلعاته وآماله، منفعلا بآلامه وشكواه، ولا شك أن عدم التوافق بين طبيعة العمل المراد أداؤه وبين الظروف البيئية المحيطة يؤدى إلى رداءة المنتج، وربما إحباط العامل.





ولعل هذا هو السر الذى جعل آيات القرآن الكريم تشير فى ثنايا الحديث عن الصيام إشارات لطيفة إلى القرآن والدعاء والاعتكاف؛ كما لو كانت تجهزالبيئة أو تهئ المناخ.



إن فى الصيام مجاهدة للنفس وارتقاء بها فوق دواعى الاشتهاء ورغبات الجسد لتحقيق صفاء النفس واستعلاء الروح ونقاء القلب، فيصير الصائم أقرب إلى حال الملائكة منه إلى حال البشر، وكأنما يرنو إلى الآخرة ويقترب من حضرة ربه وهو يسمو فوق الحياة الدنيا ويرتفع، وهل هناك أدل على الحياة وألصق بها من المأكل والمشرب والمباشرة.



ولما كان المرء تتنازعه جواذب الجسد ودوافع الروح فهو أقرب إلى ماغلب عليه منها أراد القرآن أن يهيء له مناخا مناسبا وبيئة صالحة تكون أكثر عونا على السمو؛ فيصعد بلا عناء ويرتقى بلا مشقة، فدله القرآن على القرآن والدعاء والاعتكاف، فإن مشقة التكليف تندفع بحسن الصلة ولذة الوصول.



ورد ذلك كله علي سبيل الإشارة لا الأمر المباشر فقال:



"شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" ولم يأمر بتلاوته.



وقال: "وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى" ولم يأمر بالدعاء.



وقال: "ولاتباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد" ولم يأمر بالعكوف.





إن القرآن يسمو بالروح، وإن الدعاء يحضر النفس حظيرة القدس، وإن الاعتكاف لهو الدليل المادى على أن الصائم قد انتزع نفسه من دنياه وارتقى فوق رغبات النفس وتطلعات الجسد؛ فلم يكتف بترك الطعام والشراب حتى ترك الفراش الوثير والأثاث الوفير، ولم يقنع بمجرد كف نفسه عن قضاء وطره نهارا حتى وصل ذلك بليله، ولم يعد ينشغل بشئ مما ينشغل به بنو آدم من أهل الدنيا سوى مايقيم أوده من اللقيمات، أو يبل ريقه من حسوات، أو يسكن جسده من نوم السويعات، وما خلا ذلك فهو تال ذاكر أو مصل قائم أو داع مبتهل؛ إنها الظروف التى تقود إلى النجاح والمناخ الذى يؤهل للتفوق.





كم من رئيس يكلف مرؤوسيه بأعمال قد لا تعين البيئة على حسن أدائها أو لم تتهيأ الظروف للقيام بها، وقد يعلم ذلك او لايعلمه:



ألقاه فى اليم مكتوف اليدين********وقال إياك إياك أن تبتل بالماء



هيء الظروف التى تعين المكلفين على حسن الأداء، وذلل الصعاب التى تعوق سيرهم، ودعهم بعد ذلك ينطلقون لترى كم من النجاح حققوا.



يقول الأستاذ سيف الإسلام حسن البنا: بينما كنت تلميذا فى المرحلة الابتدائية احتجت أوراقا لأدون عليها بعض دروسى، فأخذتها من درج مكتب والدى رحمه الله، فلما لم يجد فى درجه شيئا وسأل أهل البيت عمن أخذ الورق من درج مكتبه أخبرته أنه أنا، فلم يؤنبنى، ولم يعاتبنى، وإنما اشترى رزمة ورق وقال: ضعها فى درج مكتبك فإذا قاربت على الانتهاء أخبرنى حتى أشترى لك غيرها.







ليست هناك تعليقات: