.
.
كل عام وأنتم بخير.. كنت في مثل هذه الأيام من العام الماضي قد بدأت كتابة موضوعات عن "الهجرة النبوية " .. نشرت بعضها في حينها ثم حالت المقادير دون إتمامها .. واليوم إن شاء الله أبدأ في إتمامها .. وحتى تكتمل الفائدة .. وتتواصل الفكرة .. إليكم روابط الموضوعات التى نشرت في العام الماضي .
.
.
.
.
.
الهجرة النبوية 3
.
.
.
بين التوكل على الله ... والأخذ بالأسباب
.
.
أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوكل على الله وأن يأخذ بأسباب النجاة .... والنجاة بحساب البشر وظن المخلوقين : ألا يصل المشركون إلى الغار .. وألا يدركوه صلى الله عليه وسلم في الطريق ... لكنهم يصلون إلى الغار ...... ثم يكتب الله له النجاة ليس بأسباب اتخذها صلى الله عليه وسلم ولكن:
.
.
.
"أيده بجنود لم تروها " التوبة 40
.
.
ثم في الطريق : صخر ينشق ويبتلع قوائم فرس سراقة ....
.
.
.لولا أن الله كتب النجاة لنبيه صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة الربانية التى لا دخل للبشر ولا لقدراتهم ولا لأسبابهم فيها ... لولا ذلك لاعتقد الناس أن النجاة كانت بسبب حذر النبي صلى الله عليه وسلم وحيطته الشديدة وفطنته وذكائه وتخطيطه ...و...و...
.
.
.
ولو فعلوا ذلك فتعلقوا بالأسباب وأغفلوا التوكل على الله لهلكوا ولكن الله كما حفظ نبيهم صلى الله عليه وسلم .... حفظهم .
.
.
.
ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج هكذا متوكلاً على الله بغير أسباب لتواكل الناس وأهملوا السعي ... أو سعوا بلا فكر ولاروية ولا تدبير ولا تخطيط ... ولأغفلوا العلاقة بين السبب والنتيجة وبين المقدمات والنهايات ... فما عمرت دار ولا استقر قرار ولخربت الدنيا وقد أراد الله عمارتها .
.
.
.
ارجع بنا إلى القرآن ليلخص لك كل مافات بل قل إن شئت ليشرحه لك ويزيدك عليه ولكن في كلمات معدودة:
.
.
.
"ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور" لقمان 22
.
.
.
والله إنى لأعتقد أنك عرفت الآن ومن الآية أكثر مما عرفت من مقدمتي الطويلة وأنك فهمت من هذه الكلمات القليلة أكثر مما فهمت من ألفاظي وعباراتي..... وتلك عظمة القرآن وسر حلاوته أن كلماته القليلة قد تشرحها كتب ضخمة ثم تعود إلى كلماته فتراها أعذب من كل كلام والأغرب من هذا أنها لا تزال تشرح لك وتقذف في نفسك من المعانى مالا تحمله الكتب والمجلدات ...
.
.
.
.
.
يتوكل على الله حق توكله .. واثقاً في قدرته .. مطمئناً إلى حلمه وعلمه .. يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه .. وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له .. ولو اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضروه بشيء قد كتبه الله عليه ... ثم يرضى بما قسم الله له . ويطمع في مثوبة الله وعاقبة الأخرى أكثر من طمعة في ثناء الناس وعاجلة الدنيا ... ثم يعلم أن الدنيا متاع وأن الآخرة قرار وأنه من أجهل الجهل أن يحلم بالقرار في دار المتاع ثم يعلم أيضاً أن الدنيا دار عمل ولا جزاء وأن الآخرة دار جزاء ولا عمل وأنه من أحمق الحمق أن يتوقع الجزاء وهو في دار العمل .
.
.
.
.
.
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " رواه البخارى ... ومعلوم أن رؤية العامل لصاحب العمل ومراقبة صاحب العمل للعامل تدفع إلى إحسان العمل وإتقانه وضبطه ... على هذا جبلت نفوس البشر ... ولله المثل الأعلى ..
.
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " رواه مسلم
.
.
.
والحديث يختار نموذجاً غريباً للإحسان ... ألا وهو إحسان القتل والذبح وما من عاقبة لهما إلا الموت وإزهاق النفس ويدلك على أسباب ذلك من إحداد الشفرة وإراحة الذبيحة .
.
.
.
وقد يقول ميكافيللي النزعة : طالما أن النتيجة هى الموت فلا علينا أن نبلغها بأي طريق ... فليعلم أن الإسلام أمرنا بالإحسان حتى فيما نبلغ به الموت .. فلا أقل من الإحسان فيما نبلغ به الحياة .
.
.
فقوله "وهو محسن" يعنى الأخذ بالأسباب الكفيلة بإخراج عمله في أحسن صورة مما تعارف عليه البشر ودلت عليه تجارب الحياة وخبرات المجربين .
.
.
.
.
.
العروة الوثقى : حبل السلامة وطوق النجاة .
.
.
النجاة من الكفر ... من الفقر ... من الأعداء ... من الظالمين ... من الفشل ... من الهلاك ... من العقوق ...
.
.
.
.
.
.
ذلك أن أحدنا يعتقد أن الأسباب تؤدي إلى نتائج بعينها فيذاكر مثلاً ... ويجتهد ويتوكل على الله ليتجح ويتفوق ويدخل كلية الطب مثلاً.
.
.
فيذاكر فعلاً ويجتهد حقاً ويتوكل على الله صدقاً .. ثم ينجح وقد يتفوق أولا يتفوق ثم لايدخل كلية الطب ...
.
.
أخي : إن الله لايريدك طبيباً : هو يريدك مهندساً أو عالماً أو مدرساً ... أو صانعاً أو تاجراً .. وفي هذا نجاتك ونجاحك وفلاحك وإن كانت خلاف ما أردت وتوقعت ... لأن عاقبة الأمور إلى الله وحده وليست إليك.
.
علىّ طلب العز من مستقره *** ولا ذنب لي إن خالفتني المقادير
.
..
أخى : توكل على الله وكأنه ليست هناك أسباب . ثم خذ بالأسباب إلى أقصى درجة تبلغها إمكاناتك وقدراتك المتاحة في حدود ما أحل الله ومن غير أن يطغى ذلك على حقوق الآخرين أو حريتهم أو كرامتهم .
.
.
فإذا فعلت ذلك فقد ضمن الله لك النجاح والفلاح "استمسك بالعروة الوثقى "
.
.
ولكن هل ستصل إلى ذات النتيجة وعين العاقبة التى كنت تظن أن أسبابك توصل إليها ... أم أنك قد تصل إلى نتيجة أخرى مخالفة تماماً لما كنت تتوقع وإلى عاقبة أخرى لم تكن في حسبانك .
.
.
.
.
.
.
.
.
إذا انقطعت الأسباب لم ينقطع مسببها
.
.
الأسباب لا تعمل بنفسها لكن رب الأسباب يعمل بنفسه
.
.
.
.
"هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين" يونس 22
.
.
.
ليتك ترجع إليها في القرآن ... ثم ترى ماذا قال فيها العلماء والمفسرون وإنى لفى انتظار إفادتك وردك "
.
.