.
.
.
.
.
.
.
.
.
إن عادوا...... فعد
.
"ماكان لهم أن يدخلوها إلا خائفين"
.
رأيت ذلك فى ليلة الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة 1418 من الهجرة النبوية الكريمة..... كنا قد اعتكفنا فى مسجد "معاذ بن جبل" بالعجمى .. وجاءت قوات الأمن لتفض الاعتكاف بالقوة، ورفض الناس مغادرة المسجد... ورفضوا كذلك تسليم بطاقاتهم الشخصية.
.
.
"ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها أولئك ماكان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم". سورة البقرة.
.
.
الفطرة تأبى
.
العقل يرفض
.
العرف يمنع
.
الشرع يجرم
.
.
كانت قوات الأمن قد انتشرت داخل المسجد وخارجه بطريقة غاية فى الروعة والنظام!!!! وكانت خطة محاصرة المسجد بمن فيه خطة دقيقة ومحكمة!!!!! مكنتهم من خطفنا نحن الخمسة(حسين وحمدى ولطفى وناصر وتوكل) من الغرفة الملحقة بالدور الأول بالمسجد وإلقائنا فى سيارة الشرطة حفاة وبملابس النوم دون أن يرانا أحد أو حتى يشعر بنا... كان ذلك فى الثانية والنصف ليلا.
.
.
لم ينتبه المعتكفون ورواد المسجد إلا فى صلاة الفجر... افتقدونا فصعدوا إلى الغرفة فوجدوا ملابسنا وأحذيتنا وأمتعتنا مبعثرة... فأذهلتهم المفاجأة.
.
أذكر أننى استيقظت من نوم عميق على ضربات وركلات بأنحاء متفرقة من جسدى.... فلما فتحت عيناى رأيت رجلا قد دنا جدا منى وهو يجثو على ركبتيه وقد صوب فوهة بندقيته الآلية نحو وجهى وهو يقول لى: هات بطاقتك... هات بطاقتك..نظرت فى وجهه فإذا هو شاحب ممتقع يتصبب عرقا بينما كنا فى أواخر يناير... وشفتاه ترتعدان.. حتى كدت أقول له: مالك خايف كده ليه!!!!.
.
نظرت حولى فإذا عند كل واحد من الباقين : جاثٍ على ركبتيه.. وفوهة بندقية.
.
أعطيته بطاقتى وسألنى عن أمتعتى وملابسى فدللته عليها ففتشها جميعا... وأثبتنى.
.
.
انطلقت بنا سيارتهم مع حراسة مشددة إلى مكتب أمن الدولة بالبيطاش وأدخلونا غرفة بها منضدتان وبضعة كراسى ممزقة.. وعلى باب الغرفة حارس.."مخبر"
.
.
كان الأستاذ "حسين محمد" -وهو الآن عضو مجلس الشعب عن دائرة الورديان-كان قد اتخذ الباب ظهريا بينما كنت فى مواجهته... وكانت معه ورقة بها مواعيد أو جدول أعمال خشى أن تضبط معه ولم ينتبه إلى وجود الحارس فأخرجها وناولنيها لأتخلص منها.... رآه الحارس فأسرع نحونا وقال: هات الورقة... نظرت إليه فوجدته هو الآخر شاحب ممتقع يلمع العرق فى وجهه بينما يده الممتدة لأخذ الورقة.. ترتعش... قلت له بهدوء شديد: سأعطيك أخرى مثلها... وفتحت حقيبة يدى فأخرجت منها ورقة مطوية ليست إلا تقريرا معمليا لبعض مرضاى.. وناولته إياها.
.
انشغل صاحبنا بفض الورقة فألقيت ورقتى فى فمى... ورحت ألتهمها... أدرك أننى خدعته .... أفاق من الصدمة وأنا ألوك الورقة بين شدقى وأمضغها بطواحنى وأمزقها بين أنيابى... فقال فى ذلة وانكسار: هاتها بقى!!!.فقلت برأسى يمينا ويسارا:... لا.
.
.
انطلق خارج الغرفة يدعو أحد الضباط... كنت قد أخرجت الورقة بعد ما طحنت طحنا وعجنت عجنا... فألقيتها فى سلة مهملاتهم...إلى جوارى
.
.
جاء الضابط مسرعا نحونا وهو يقول: " من الذى أكل الورقة"؟؟!!.. والحارس إلى جواره يشير إلى ويقول: "هو ده ياباشا"
.
نظر نحوى ونظرت إليه فإذا هو أيضا كسابقيه... شاحب... ممتقع... عرقان....
.
فغر فاه وقال بصوت مرتفع أجوف كصوت الطبل: " عامل رامبو ياخويا"... ثم استدار وهو يزمجر ويرغى ويزبد... وترك غرفتنا..... نظرت إلى من حولى وقلت: " من رامبو هذا"؟؟!! فضحكوا.... وضحكت، وتذكرت الآية: " ماكان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ..لهم فى الدنيا خزى.."
.
بتنا ليلتنا فى حجز قسم شرطة الدخيلة ... وأدركنا الإخوان فى الصباح بالأغطية والملابس... والنعال.