تدبر المتشابهات
وأعنى الآيات اللاتى تتشابه ألفاظها أما تشابها تاما وإما تشابها جزئيا.
فأما التشابه التام فهو مجيئ الآية بألفاظها وحروفها؛ هى هى فى أكثر من موضع، فهما آيتان متطابقتان حرفا حرفا.
فمثلا:
"تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم ولاتسألون عما كانوا يعملون" سورةالبقرة الآيتان 134 ، 141
أما الأولى -134- فخطاب لبنى إسرائيل المعاصرين للنبى صلى الله عليه وسلم؛ بعدما ذكرهم بآبائهم إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب، وأنهم كانوا على الإسلام لا على غيره، وأنها كانت آخر وصية وصى بها يعقوب حين حضره الموت، فقال: "تلك أمة قد خلت لها ماكسبت" يعنى آباء بنى إسرائيل الذين عاشوا وماتوا على الإسلام "ولكم ماكسبتم" أيها اليهود المناوئون لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وأما الآخرى 141 – فخطاب للؤمنين من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؛ بعدما بين لهم تخاذل بني إسرائيل عن دين آبائهم، وادعائهم الكاذب بأن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى، فقال: "تلك أمة قد خلت لها ماكسبت" يعنى أمة بنى إسرائيل، "ولكم ماكسبتم" ياأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فهو مبدأ ثابت لا يتغير أن كل أمة من الناس وكل جماعة مسؤولة عن كسبها لا عن كسب غيرها. أما إنه ليس فى القرآن تكرار؛ يتشابه اللفظ ويتجدد المعنى...... فسبحان من هذا كلامه.
"ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ماكانوا به يستهزئون" سورة الأنعام 10 وسورة الأنبياء 41
فأما الأولى؛ الأنعام 10 فتبين كيف حاق بالمكذبين المسهزئين خزى الدنيا وعذاب الاستئصال حتى قال لهم بعدها: "قل سيروا فى الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين" الأنعام 11
وأما الأخرى؛ الأنبياء 41 فتبين كيف حاق بالمكذبين المستهزئين خزى الآخرة وعذاب جهنم حتى قال قبلها: "لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون* بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون" الأنبياء،39 ، 40
فالآيتان تبينان أن المكذبين حاق بهم استهزاؤهم فى الدنيا كما حاق بهم فى الآخرة أيضا، هنا بنصر المؤمنين عليهم، وهناك بشى وجوههم وظهورهم؛ فلا تكرار هناك ولاإعادة ولاتغنى إحداهما عن الأخرى فهذه معنى وتلك معنى آخر.....فسبحان من أنزله.
"فبأى آلاء ربكما تكذبان" سورة الرحمن الآيات 13 ، 16 ، 18، 21 ، 23 ،25 ،28 ، 30 ،32 ، 34 ، 36 ،38، 40 ،42 ، 45 ،47 ، 49 ، 51 ، 53 ، 55 ، 57 ، 59 ، 61 ، 63 ، 65 ، 67 ، 69 ، 71 ، 73 ، 75 ، 77.
وردت كلمات هذه الآية إحدى وثلاثين مرة فى سورة الرحمن، وفى كل مرة تفيد معنى جديدا يحتاج إلى وقفة وتأمل.
فكلما ذكر الله آية ومن بها على البشر أنكر عليهم تكذيبهم بها فأشار إلى تلك الآية بعينها فقال: "فبأى آلاء ربكما تكذبان" فليست الآلاء مبهمة مطلقة، ولكنها فى كل مرة محددة معينة بماذكرته الآية أو الآيتان أو الآيات قبلها....... فسبحان الله ...ولا بأى من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد.
والله من وراء القصد
وللحديث بقية