هكذا يكون الجيران (3)
.
.
الحقنى ياشيخ مسعود
.
.
كان جدى رحمه الله يصلى الخمس فى المسجد...وكان باب بيته لا يغلق إلا إذا تهيأ للتوم... وما عدا ذلك فالباب مفتوح... ليس على مصراعيه .. وإنما "موارب"، فإذا أراد بعض الناس لقاء جدى رحمه الله انتظره فى المسجد فى موعد الصلاة، فإذا كان الأمر لايحتمل التأجيل أو لم يكن صاحبنا صبورا ذهب إلى بيت جدى رحمه الله فدق الباب دقا خفيفا فقيل له من خلف الباب: من؟
قال :السلام عليكم، أنا فلان.
فإذا قيل له: وعليكم السلام؛ ادخل... دفع الباب ودخل عزيزا كريما.. لايجرؤ على دفع الباب والدخول قبل ذلك.
وربما قيل له: وعليكم السلام؛ انتظر قليلا... فينتظر ساكنا.
وقد يقال له: وعليكم السلام الشيخ مشغول؛ تلقاه بالمسجد بعد صلاة العصر.. أو المغرب... فينصرف راشدا.
فإذا وجد الباب مغلقا لم يجرؤ أن يدقه، أو أن يجرب فتحه، أو أن ينادى من خارج البيت.
وكان الناس بمرور الوقت قد عرفوا ذلك وفهموه.
.
.
كان أبى فى ذلك الوقت قد أتم السابعة عشرة من عمره، وكان يناله من الناس تقدير واحترام يناسبان منزلة أبيه أكثر مما يناسبان مابلغه من العمر.
.
.
ذات يوم وبينما كان جدى رحمه الله قد أوى إلى فراشه فى فترة الظهيرة، إذا بباب البيت يطرق طرقا عنيفا، وصوت امرأة بالباب تصرخ وتولول:
.
.
الحقنى ياشيخ مسعود
الحقنى ياشيخ مسعود
.
أسرع أبى رحمه الله نحو الباب يفتحه فاندفع الباب فى وجهه واندفع معه أبى، واندفعت المرأة داخل البيت لاتلوى على شىء إلا أنها تصرخ:
. .
الحقنى ياشيخ مسعود
.
خرج أبى رحمه الله ينظر الخبر، فإذا برجل قد احمر وجهه وبرزت
عيناه يسرع نحو الباب وقد رفع عصاه.... جذب أبى رحمه الله باب البيت فأغلقه، وبقى هو والرجل خارج البيت.
.
.
الرجل: فين بنت ال......
أبى: دخلت بيتنا
الرجل: أخرجها
أبى: كيف أخرجها وقد جاءت تحتمى بنا
الرجل: أنا زوجها
أبى: وهى جاءت تحتمى بالشيخ مسعود
.
الرجل يندفع نحو الباب ليدفع أبى عنوة... وقد اجتمع الناس والتفوا.
.
أبى: أنت تريد أن تدخل بيتنا عنوة.. والله لئن فعلتها لأكسرن عنقك قبل رجليك.... ووالله لأدخلن ولأتركن الباب مفتوحا... ولو كانت بك رجولة اخط داخل البيت خطوة واحدة.
.
فتح أبى باب البيت ودخل خطوتين..... ووقف الرجل والناس حوله خارج البيت فهدءوا من روعه ونصحوه أن يصبر حتى يلقى الشيخ فى المسجد بعيد صلاة العصر.
.
استيقظ جدى رحمه الله قبل العصر وسمع القصتين:
.
قصة الرجل مع امرأته.... من المرأة.
وقصة الرجل مع أبى.... من أبى.
.
.
خرج رحمه الله إلى المسجد ولقى الرجل بعد صلاة العصر فسمع منه القصة...... وتواعدا على اللقاء فى بيت جدى بعد صلاة العشاء.
.
.
أرسل جدى رحمه الله إلى أهل الشارع يدعوهم إلى اللقاء فى بيته بعد صلاة العشاء، فلما قدموا رحب بهم وقدم لهم واجب الضيافة ثم قال لهم: لو أن هذا لرجل أهان امرأته أو أدبها داخل بيته ثم جاءت هى بعد ذلك شاكية باكية دون تشهير وفضيحة لأحضرته وحده وأنهيت الأمر دونكم،
لكنه لما صنع ذلك على الملإ ورآه الناس جميعا كان من تمام النصح والإرشاد أن أجمعكم معه ليكون النصح لنا جميعا.
.
ظل رحمه الله يحدثهم عن حق المرأة ووجوب إحسان عشرتها وكف الأذى عنها وإن آذته حتى تطامن الناس وسادهم الصمت كأن على رؤوسهم الطير.
.
كانت جدتى رحمها الله قد خرجت بالمرأة إلى بيتها فأصلحتها لتكون فى استقبال زوجها.
.
أنهى جدى رحمه الله كلامه ودار بينه وبين يعض الناس حوار حتى إذا استعد الناس لمغادرة البيت قال جدى رحمه الله للرجل: انطلق إلى بيتك فقد سبقتك زوجتك إلى هناك... ولا تعد لمثلها...... فقام أحد الناس قائلا: ولكنه أساء إليك وتهجم على بيتك وولدك. فقال جدى رحمه الله: أما أنا فقد سامحته.. وأما الولد فهو وشأنه.... فقام الرجل يعانق أبى ويقول: حقك على يابنى .. أنا أخطأت فى حقك... فقام إليه أبى وهو يقول: بل حقك أنت على ياعمى، أنا أسأت الرد ورفعت صوتى عليك....
وقام الناس بعدها يتصافحون ويتضاحكون.... وصارت قصة.
.
.